ربيع استثمارات يعيد الكهرباء إلى شبكات ريف حلب

camera iconتجهيز المحطة الكهربائية في اعزاز بريف حلب الشمالي - 2018 (ak energy)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

يدخل ربيع 2019 على مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي بمجموعة من الاستثمارات بدأت شركات تركية وسورية بتنفيذها، والتي من الواضح أنها تشجعت للعمل بشكل أكبر قياسًا بالسنوات الماضية، كون المنطقة تحولت إلى ملاذ آمن تديره تركيا، بعيدًا عن أي عمليات عسكرية حالية أو مقبلة، من المنطقة الممتدة من مدينة الباب مرورًا باعزاز حتى منطقة عفرين والنواحي التابعة لها.

الاستثمارات خصت بمجملها قطاع الكهرباء، الذي يعتبر من أهم القطاعات المطلوبة في المنطقة، وقضت العقود الموقعة الخاصة بها بترميم ما يمكن ترميمه من القطاع الذي تهاوى على وقع المعارك سابقًا، وإيصال الشبكة إلى منازل المدنيين والمنشآت الصناعية والدوائر الرسمية، مقابل رسوم مالية محددة بالليرة التركية، تتم جبايتها عن طريق بطاقات إلكترونية، بالاعتماد على عدادات تعمل المجالس المحلية مع الشركات على تركيبها.

ومنذ عام 2012 وبعد تحول الحراك السلمي إلى مسلح، واتجاه الأمور للصدام العسكري، بدأت المدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام تشهد تجارب مختلفة في توليد الكهرباء وطرق الحصول عليها، بينها المولدات الصغيرة التي يشترك على تشغيلها عدد محدود من المنازل، والمولدات الكبيرة (المركزية)، من خلال وضع مولدة باستطاعة كبيرة جدًا في كل حي تقريبًا يديرها مستثمر، ويوزع الكهرباء على من يرغب بالحصول على الطاقة مقابل مبلغ مال.

لكن الوضع الحالي يعطي مؤشرًا أن الأمور بدأت بالتحول عن السابق، خاصةً في المناطق التي تديرها تركيا، والتي شهدت منذ السيطرة الكاملة عليها، في عام 2016، إجراءات تنظيمية عديدة لم تقتصر على قطاع دون الآخر، بل شملت جميع القطاعات سواء العسكرية أو الصحية والمدنية الخدمية الخاصة بالمدنيين.

الكهرباء بوابة المستثمر السوري

على مدار العامين الماضيين تركزت الاستثمارات بريف حلب بيد الشركات الخاصة التركية، التي وقعت عقودًا مع المجالس المحلية العاملة في المنطقة، والتي يرتبط عملها بالولايات التركية كولاية غازي عنتاب، وكلس، وهاتاي، وقابل الأمر إسهام “خجول” من قبل رجال الأعمال والمستثمرين السوريين.

بقيت الاستثمارات بيد الشركات التركية حتى عام 2019، الذي شهد تحولًا بدخول مستثمرين سوريين، وقعوا عقودًا لإنشاء محطات كهرباء مع بعض المجالس المحلية العاملة في الريف الشمالي لحلب، تقضي بإنشاء محطات لإيصال الشبكة إلى منازل المدنيين.

المجلس المحلي لناحية صوران ونظيره الذي يدير مدينة مارع كانا بوابة دخول المستثمرين السوريين، إذ وقعا عقدين منفصلين، في نيسان 2019، مع شركتين لإيصال الكهرباء، الأولى تحمل اسم “الشركة السورية التركية”، والأخرى تحمل اسم “شركة الشمال”.

ينص العقد الموقع بين مجلس صوران و”الشركة السورية التركية” على إيصال الكهرباء إلى قرى وبلدات الناحية في مدة لا تزيد على أربعة أشهر، أي في آب المقبل، ويعتمد مبدأ التشغيل على عدادت إلكترونية مسبقة الدفع.

وفي حديث لعنب بلدي يقول محمود قدور، أحد مؤسسي الشركة، إن العقد الموقع مع المجلس يعتبر أول عمل للشركة بشكل منظم في ريف حلب الشمالي، إذ تركزت أعمالها سابقًا على موضوع الأمبيرات فقط، ليتطور الأمر إلى مجال عمل أكبر، مضيفًا أن الشركة مرخصة وموجودة في تركيا رمزها (STE energy)، والعقد الموقع مع مجلس صوران هو أول مشروع لها في سوريا.
ويبلغ سعر الكيلو واط، بموجب العقد 85 قرشًا، ويدفع المشترك 400 ليرة تركية كضمان أولي، ويخيّر في طريقة دفعها سواء بشكل كامل أو بالتقسيط (كل شهر 100 ليرة).

لا يختلف عقد إيصال الكهرباء إلى صوران عن العقد الخاص بمارع كثيرًا، سوى أن الأخير أبرم بين “شركة الشمال” العاملة في مارع وشركة تركية لشراء جميع تجهيزات المحطة الكهربائية، برعاية المجلس المحلي.
ويوضح رئيس المجلس المحلي لمارع، فؤاد عباس، في حديث لعنب بلدي أن العمل بإنشاء المحطة الكهربائية في المدينة بدأ، الجمعة 12 من نيسان، إذ تحدد المكان الذي ستنشأ عليه، وقيمة الكيلو واط الساعي من الكهرباء.

وتحددت قيمة الكيلو واط الساعي بـ 14.5 سنت، ويعتبر الأرخص قياسًا ببقية مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، وبحسب عباس فإن محطة توليد للكهرباء ستكون جاهزة في غضون ثلاثة أشهر، وتبلغ قيمة رسم الاشتراك 200 ليرة تركية، على أن يكون العداد على حساب المواطنين، لكن اختياره عن طريق المجلس المحلي و”شركة الشمال”.

نظام العمل يختلف بحسب الشركة

تأتي التطورات الخاصة بقطاع الكهرباء، بموجب سلسلة من الخدمات تعمل عليها المجالس المحلية بإدارة تركية لتوفير الخدمات كاملة إلى المنطقة، وخاصة في المجالات التي يحتاجها المدنيون في الحياة اليومية.

ولا بد من الإشارة إلى العقود التي أبرمتها شركات تركية خاصة مع مجالس محلية في ريف حلب لإيصال الكهرباء، والتي كانت السباقة بالدخول في هذا القطاع، منذ مطلع عام 2018، وبدأ البعض منها بتنفيذ بنود العقود المبرمة على الأرض، أبرزها في مدينة اعزاز والتي شهدت مشروع لإيصال الكهرباء، في نيسان 2018 بين المجلس المحلي وشركة “AK Energy” التركية ذات الملكية الخاصة، وتوسطت بين الطرفين ولاية كلس.

وبموجب العقد تعهدت الشركة بتغذية اعزاز باستطاعة 30 ميغا واط، مقابل توفير الأرض والمواد الأولية اللازمة للمضي في المشروع، ووقعت الشركة ذاتها أيضًا عقودًا في مدينة الباب، وحديثًا في مدينة بزاعة القريبة منها، على أن تدخل لمدينة قباسين في الأيام المقبلة.

وفي حديث سابق مع رئيس المجلس المحلي في الباب، جمال عثمان، قال إن الشركة التركية بدأت العمل فور توقيع الاتفاقية بين الطرفين، مشيرًا إلى أنها ستبدأ استجرار الكهرباء إلى مدينة الباب من محطة اعزاز المجاورة.

وسيعتمد المجلس نظام البطاقات الإلكترونية مسبقة الشحن في عملية الجباية بعد إيصال الكهرباء للمدينة، على غرار النظام المعمول به في مدينة اعزاز شمالي حلب، وسيكون رسم الاشتراك 600 ليرة تركية، وما يعادل 85 قرشًا تركيًا للكيلو الواحد من فئة “واط”.

بمقارنة عمل الشركات السورية والتركية في مشاريع إيصال الكهرباء نجد أنها تختلف في نظام العمل الذي تقوم به، فالشركة التركية التي تعهدت بإيصال الكهرباء إلى كل من اعزاز والباب وبزاعة تعتمد على المحطة الحرارية التي بدأت بإنشائها، في شهر آب 2018، بعد تجهيز الأرضية من قبل “محلي اعزاز”.

وفي وقت سابق أوضح مدير قسم الخدمات في مجلس اعزاز، محمد حاج عمر، أن تكلفة محطة اعزاز وصلت إلى حوالي سبعة ملايين دولار، ويعتبر المجلس شريكًا من الناحية الإدارية، بينما تتكفل الشركة التركية ببقية الأمور، مشيرًا إلى أن المجلس قدم الأرض للمحطة الحرارية وأبنية إدارية وأخرى للتخزين، بالإضافة إلى مواد عينية كأسلاك نحاسية وألمنيوم وأكبال أرضية بقيمة تتراوح بين 400 و500 ألف دولار.

وتستغل المحطة الحرارية الحرارة لتوليد طاقة حركية  بواسطة آلة تدور، وتتصل تلك الآلة بمولد كهربائي، ومن ثم إلى المحولات الرئيسية والفرعية.

الشركات السورية تسير في نظام عمل مختلف في إيصال الكهرباء، من خلال الاعتماد على مولدات كبيرة باستطاعة عالية، من شأنها إيصال الكهرباء إلى عدد كبير من المنازل والمنشآت الصناعية.

ويقول محمود قدور (من مؤسسي الشركة السورية التركية)، إن نظام العمل في المرحلة الحالية يعتمد على مولدات كبيرة، ومن المقرر أن تتجه الأمور، في مراحل مقبلة، إلى استجرار الطاقة الكهربائية من الدولة التركية عن طريق كابلات التوتر العالي.

ويوضح لعنب بلدي أن “الشركة السورية” ستعمل على ترميم شبكات الكهرباء الموجودة ضمن مدينة صوران، وإكمال النقص الموجود فيها بحيث تصل الخدمة إلى جميع السكان في المدينة، خاصةً أن الصعوبات الأبرز التي تعترض العمل تتمثل بكمية الأسلاك المفقودة والبنية التحتية المدمرة، مشيرًا إلى أن الشركة “قدمت أقوى عقد من حيث الخدمات المجانية للمدينة”.

نظام المساهمة

“شركة الشمال” ورغم تشابه نظام عملها بـ “الشركة السورية التركية” تتجه إلى تبديل جميع شبكات الكهرباء في مدينة مارع، والتي تعرضت للتخريب بشكل كبير، وعمليات السرقة.

ويقول عضو “شركة الشمال” (عضو غرفة تجارة مارع أيضًا)، ماهر حافظ، لعنب بلدي إنهم سيعملون على تمديد شبكات جديدة من أكبال الكهرباء في المنطقة، دون الاعتماد على القديمة، لتفادي نسبة الهدر والاستجرار غير الشرعي من قبل بعض المواطنين.

ويضيف المسؤول في الشركة أن المشروع، “سيدر الأرباح على أهل المنطقة نفسها، كون عدد من الأهالي مساهمين في الشركة”، موضحًا، “تأسست شركة الشمال بموجب اكتتاب الإخوة التجار والمساهمين والمزارعين على عدد من الأسهم (…) أعلنا في البداية عن الشركة، وفيما بعد الاكتتاب على الأسهم، وستوزع الأرباح على المنطقة نفسها”.

وتتحدد المدة الزمنية لأي مشروع تمديد كهرباء في الريف الشمالي لحلب بين خمس سنوات إلى عشر، بحسب المسؤول الذي يتوقع إقبالًا كبيرًا على الاشتراك بالمشروع، خاصةً أن عددًا كبيرًا من المدنيين طالبوا منذ حوالي سنة باستجرار الكهرباء من تركيا إلى المنطقة.

وعلى غرار النظام الذي تعمل عليه “الشركة السورية التركية”، ستعتمد “شركة الشمال” على محطات توليد كبيرة، قادرة على توزيع الكهرباء إلى جميع الأحياء والقطاعات السكنية، ويوضح المسؤول “مصدر المحطات الكهربائية إنكليزي، واستطاعة المحرك 1250 ك.ف.أ، وعدد المحركات أربعة”.

ولم يخفِ العضو المؤسس في الشركة بعض الصعوبات التي تعترض العمل، بينها تأمين المحروقات، وخاصةً في حال حدوث مشاكل في بعض المناطق التي تأتي منها.

الحكومة التركية تدخل عفرين

بالانتقال إلى منطقة عفرين، التي تعتبر آخر المناطق التي سيطرت عليها الفصائل العسكرية المدعومة تركيًا، لم تكن بمنأى عن جاراتها في الريف الشمالي والشرقي لحلب، إذ تشهد إجراءات تنظيمية لإيصال بعض الخدمات، أبرزها المشروع الذي تعمل عليها الحكومة التركية لإيصال شبكة الكهرباء.

واللافت في المشروع الذي يخص عفرين، أن الحكومة التركية هي التي تقوم به، على خلاف مناطق ريف حلب الشمالي (مناطق درع الفرات)، والتي تنفذ مشاريعها حاليًا من قبل شركات تركية خاصة، وأخرى سورية حديثة العمل بمجال الاستثمار في المنطقة.

في منتصف كانون الأول 2018 أجرى وفد من وزارة الكهرباء التركية زيارة إلى عفرين، اطلع فيها على واقع المدينة ونواحيها ووضع خارطة طريق لحل مشكلة الكهرباء، بعد اتفاق مع المؤسسات المدنية القائمة على المدينة.

ويقول محمد الحسن، عضو المجلس المحلي في مدينة عفرين، إن مشروع مد الكهرباء إلى مدينة عفرين بدأ بالفعل، وسيتم على ثلاث مراحل، “ومع نهايته سيقفز واقع الكهرباء خطوة كبيرة الى الأمام”.

ويضيف الحسن لعنب بلدي أنه تم الاتفاق مع وزارة الكهرباء التركية، مطلع العام الحالي، على تغذية المدينة بالكهرباء المقطوعة عنها منذ سبع سنوات، موضحًا أن المشروع سيتم على ثلاث مراحل وبخطة زمنية أولية تمتد لستة أشهر، وخلال المرحلة الأولى التي انتهت تقريبًا سيتم تركيب محطة توليد في مدينة الريحانية المقابلة لمدينة جنديرس ومنفذ “حمّام” الحدودي.

وتبلغ استطاعة المحطة 25 ميغا واط، على أن تغطي احتياجات منطقة “غصن الزيتون”.

المرحلة الثانية تتمثل بتوصيل الكهرباء إلى المرافق الرئيسية كمحطات الضخ والأبنية والمرافق العامة، ما يوفر الكثير من التعب والمصاريف، وقد بدأت الورشات بنصب الأبراج وتمديد خطوط التوتر لتغذية هذه المرافق.

بالنسبة للمرحلة الثالثة، يعتبر الحسن أنها الأهم، وتتمثل بإصلاح الشبكات ومد خطوط جديدة بغية توصيل الكهرباء إلى كل منزل في منطقة عفرين، مشيرًا إلى أن هذا المشروع هو بالتعاون مع جهة حكومية تركية، وبالتالي فإن أسعار الكهرباء ستكون رخيصة ومناسبة للجميع، مقارنة بمشاريع أخرى مشابهة في الشمال السوري والتي قامت بها شركات خاصة.

مدن في ريف حلب تشهد مشاريع بتغطيتها بالكهرباء (عنب بلدي)



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة