tag icon ع ع ع

ضياء عودة | مراد عبد الجليل | نور عبد النور

سباق ثلاثي لكسب العشائر

مع مطلع أحداث الثورة السورية أطلق القائمون على التنسيقيات اسم “جمعة العشائر” على يوم 10 من حزيران 2011، في خطوة تهدف إلى تشجيع العشائر المنتشرة في سوريا على مشاركة أبنائها في المظاهرات المناهضة للنظام السوري، في الوقت الذي كانت فيه رقعة الاحتجاجات تزداد وتمتد إلى معظم المناطق السورية.

التعويل على العشائر وانتفاضها لم يكن له أي تأثير، حينها، رغم خروج آلاف المتظاهرين، بسبب وجود عدد كبير من الزعماء والشيوخ في صف النظام السوري، وفي المقابل كانت المعارضة حديثة العمل في السياسة ولم تستقطب شخصيات عشائرية من شأنها إحداث أي تأثير يذكر، وعدا عن ذلك كانت الحياة السياسية ضمن المجتمع العشائري شبه معدومة، والدور الذي كان يمثله يمكن اعتباره ثانويًا.

مرت الأعوام وانقسمت الأرض السورية بين أطراف النفوذ، وكان لذلك أثره على المجتمع العشائري الذي انقسم أيضًا بين الأطراف، لتتحول العشيرة المتماسكة في السابق بشيخ وزعيم واحد إلى عشيرة مفتتة لها أكثر من شيخ وزعيم من الصف الثاني والثالث، يتدرج ولاؤهم بحسب المناطق التي يقطنون فيها سواء للنظام السوري أو المعارضة والقوات الكردية في الشمال الشرقي من سوريا، بمعنى أن البنية الهرمية للعشائر كانت غائبة ومشتتة بين عدة أطراف.

لم يُعتمد على العشائر والمجالس المكونة لها بشكل جدي بعد عام 2011 في أي عملية أو مشاركة سياسية سواء في جنيف أو “أستانة”، وتركزت الجولات التفاوضية والمحادثات بين وفود من النظام السوري والمعارضة، عدا مؤتمر “سوتشي” الذي حضره عدد من شيوخ العشائر في مناطق النظام السوري.

لكن الأعوام الثلاثة الماضية شهدت تحركات لافتة تمثلت بسباق محموم بين أطراف النفوذ في سوريا للاستحواذ على ورقة العشائر، بالتزامن مع الحديث عن قرب الوصول إلى حل سياسي بعد ثمانية أعوام من العمليات العسكرية على الأرض، ما يطرح تساؤلات عن مدى تأثير ورقة العشائر في الوضع السياسي الحالي أو المقبل لسوريا، وهل بمقدور العشيرة إحداث أي تغيير سواء كانت لها تجارب سابقة في ذلك أم لا.

شيوخ عشائر في المؤتمر العشائري الذي رعاه النظام في ريف حلب – 3 من حزيران 2018 (سانا)

النظام يسحب الورقة من ريف حلب وحماة

عند الحديث عن أطراف النفوذ في سوريا فالقصد هو “النظام السوري” وحلفاؤه الروس والإيرانيون، والقوات الكردية المدعومة من أمريكا، إلى جانب المعارضة السورية التي تدعمها تركيا في الشمال السوري.

في حزيران 2018، رعى النظام السوري مؤتمرًا لأكثر من 70 عشيرة وقبيلة في سوريا في ريف حلب الشرقي، خرج البيان الختامي له بتشكيل وحدة مقاتلة ضد الوجود الأمريكي والفرنسي والتركي، وسُمي المؤتمر بـ “العشائر السورية ضد التدخل الأجنبي والأمريكي في الداخل السوري“، ونُظم في منطقة دير حافر بريف حلب الشرقي.

قالت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، حينها، إن المشاركين أكدوا “رفضهم القاطع لأي وجود عسكري من أي دولة دون موافقة الدولة السورية أو التنسيق معها وأنه بخلاف ذلك يكون وجودًا غير شرعي، وبمثابة اعتداء سيتم التصدي له بجميع الوسائل المتاحة”.

وتضمن البيان الختامي الذي خرج منه المؤتمر مجموعة بنود، بينها “التمسك والحفاظ على الجمهورية العربية السورية موحدة أرضًا وشعبًا بحدودها المعروفة دوليًا”.

وجاء فيه الإعلان عن تشكيل “وحدات المقاومة العشائرية الشعبية لطرد الدخلاء المحتلين من أمريكيين وأتراك وفرنسيين”.

لم يكن مؤتمر ريف حلب الوحيد الذي عقده النظام السوري لاستقطاب العشائر إلى صفه، فبعده عقد اجتماعًا عشائريًا في منطقة أثرية بريف حماة برعاية النظام السوري، كانون الثاني 2019، حضره حوالي 1500 شخص، معظمهم من مناطقه إلى جانب شخصيات من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

الاجتماع أصدر بيانًا مطولًا من 11 نقطة عكست جميعها خطاب النظام ورؤيته وسياسته في المحافظات الشرقية السورية، وبدت موجهة جميعها لأبناء المنطقة الشرقية، التي تسيطر عليها القوات الكردية، وعرّف البيانُ السوريَّ بأنه من “عاش على أرض سوريا” التي هي “وطن لجميع أبنائها.. حدوده مصانة بموجب قوانين الشرعية الدولية”.

مؤتمر لـ “قسد” يزعج النظام والروس

بعد أربعة أشهر من المؤتمر العشائري الذي عقده النظام في ريف حماة، عقد “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) مؤتمرًا للعشائر العربية في منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي.

عُقد المؤتمر تحت عنوان “العشائر السورية تحمي المجتمع السوري وتصون عقده الاجتماعي“، وحضره مشايخ عشائر من المنطقة الشرقية والرئيس السابق لحزب “الاتحاد الديمقراطي” (الكردي)، صالح مسلم، إلى جانب مسؤولين في “مجلس سوريا الديمقراطية” على رأسهم إلهام أحمد.

وأكدت العشائر في البيان الختامي أن أحد أهم العوائق والتحديات في إنهاء الصراع والأزمة السورية سببها استبعاد وتغييب قوى الحل الفاعلة وممثلي مشروع الحل النهضوي، المتمثل بجانب كبير منه بـ “الإدارة الذاتية”.

جاء انعقاد المؤتمر في الوقت الذي تشهد فيه مناطق بريف دير الزور توترًا ومظاهرات رافضة للممارسات التي تقوم بها “قوات سوريا الديمقراطية” (مسد الذراع السياسية لها)، والحديث عن المرحلة المقبلة لمناطق شرق الفرات، خاصةً بعد إعلان أمريكا نيتها الانسحاب من سوريا، ودخولها بترتيبات مع تركيا لإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود، كما أنه تبع إعلان إنهاء تنظيم “الدولة الإسلامية”.

المؤتمر لاقى ردود فعل غاضبة من النظام السوري وروسيا، التي اعتبرته أنه “يهدف بوضوح إلى تقسيم البلاد، وينتهك بشكل صارخ مبادئ الأمم المتحدة المعلنة للحفاظ على وحدة أراضي وسيادة الدولة في الجمهورية العربية السورية، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

وبحسب بيان للخارجية الروسية، فإن معظم زعماء القبائل العربية شرق الفرات يعارضون فكرة عقد المؤتمر، وخصصت واشنطن أموالًا كبيرة “لرشوة المندوبين”، مشيرةً إلى أن المنظمين جنّدوا مشاركين في مخيمات اللاجئين، بما في ذلك مخيم الهول، معتبرة أن “واشنطن استخدمت الابتزاز والقوة”.

تركيا تجمع الكتل العشائرية المعارضة

منذ عام 2017 عملت تركيا على تجميع الكتل العشائرية المعارضة والمحسوبة على الثورة السورية في كيان موحد، بالتزامن مع المحاولات التي عمل عليها النظام السوري والقوات الكردية في شرق سوريا.

عدة أهداف سعت إليها تركيا، ومن ناحية أساسية تريد أنقرة حليفًا لها يدعم العمل الذي تقوم فيه على طول الحدود مع سوريا، وخاصة المنطقة الشرقية التي تحاول التوغل فيها، والمعروفة بطبيعتها العشائرية، لذلك احتضنت المؤتمر العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية في اسطنبول يومي 10 و12 من كانون الثاني 2017، تلاه مؤتمران لممثلي عشائر المعارضة الداخلية في ريف حلب وإدلب بعد بضعة أيام.

وربما يحقق البيان الختامي للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية من مدينة اعزاز، في كانون الأول 2018، المساعي التي تريدها تركيا، فقد أعرب المشاركون عن دعمهم للعملية العسكرية للجيش التركي شمال شرق سوريا، وأكد المشاركون على ضرورة توحيد العشائر تحت مظلة واحدة، ودعم مساعي تركيا في عمليتها المرتقبة شمال شرق سوريا ضد “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”.

وبعد أربعة أشهر من البيان الختامي افتتح مجلس العشائر مكتبًا له بولاية غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا، في خطوة لـ “تنظيم العلاقات مع تركيا والتواصل مع الأصدقاء في أوروبا والعالم العربي”.

اجتماع عدد من وجهاء العشائر والقبائل في حلب في “خيمة وطن”- 9 من شباط 2019 (سانا)

الصراع على شرق سوريا..

العشائر مدخل المتسابقين إلى المنطقة

 

الباحث السوري سقراط العلو

“التقاء العمالة والخيانة والارتهان”، بهذه الكلمات وصفت وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري المؤتمر الأخير للعشائر، الذي عُقد في مدينة عين عيسى بريف الرقة.

ردّ الفعل الحادّ الذي صدر عن النظام السوري، اقترن برفض روسي للمؤتمر، إذ اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الكرد شمال شرقي سوريا لدعم خططها في البقاء طويل الأجل، ما يقوض مسار “أستانة” السياسي.

ولعلّ التصريحات الصادرة عن الخارجيتين الروسية والسورية، تلخصان لبّ السباق إلى العشائر في سوريا، إذ لا يبدو كسب العشائر بحدّ ذاته غاية للمتسابقين، بل وسيلة لكسب مناطق جغرافية، والتأثير في توازنات القوى، وتغيير خريطة النفوذ في سوريا.

للحديث عن هذا السباق والأهداف من ورائه والطرف الرابح فيه، التقت عنب بلدي الباحث السوري، سقراط العلو، وناقشت معه عدّة نقاط تحدد دور العشائر في سوريا، وتوضّح الرغبة من أطراف عدّة في كسبها.

ثلاث عيون على الشرق

يرى الباحث سقراط العلو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، تعول على العشائر التي تشكل البنية الاجتماعية للمنطقة الشرقية في سوريا، وتسعى “للاعتماد عليها وإعادة تفعيل دورها ككيان سياسي وعسكري حليف للولايات المتحدة بشكل يسهم في استقرار الوجود الأمريكي في المنطقة”.

ويشير العلو إلى أنّ سعي الولايات المتحدة لكسب العشائر ما هو إلا نتيجة “نظرة أمريكية استشراقية للعشيرة لم تتغير منذ القرن التاسع عشر، وتهمل التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة وغيرت من دور العشيرة، وحولتها إلى كيان رمزي في سوريا”.

ووفق العلو، فإن سبب تلك النظرة هو “التجربة الأمريكية في العراق مع عشائر الصحوات، وهي بذلك تقع في خطأ عدم التمييز بين العراق وسوريا من حيث بنية المجتمع وتطوره”.

أما بالنسبة للنظام، “فهو يدرك جيدًا أن دور العشيرة رمزي في شرق سوريا، ولكنه يحاول التعامل معهم كحاضنة شعبية يمكن أن يستغل احتجاجاتها على ممارسات قسد لزعزعة استقرار الوجود الأمريكي في المنطقة، كمقدمة لاستعادتها”، بحسب العلو.

رغم ذلك، فإن مؤتمر العشائر الأخير في عين عيسى استفزّ النظام، الأمر الذي برره العلو بكون المؤتمر يسعى إلى “تهدئة الاحتجاجات الشعبية ضد وجود قسد، بينما يعول النظام على تحرك شعبي قد يخلق ثورة ضد قسد تسهم في زعزعة الاستقرار في مناطق العشائر، وبالتالي قد تدفع الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة، الأمر الذي يسمح للنظام بالعودة إليها”.

بينما “تسعى تركيا للدخول إلى مناطق العشائر في شرق الفرات، ولذلك فهي تحاول التقرب من أهالي المنطقة عبر شيوخ العشائر لخلق حاضنة شعبية ترحب بالوجود التركي”، من وجهة نظر العلو.

كفّة العشائر “لن ترجح لقسد”

يعتقد الباحث سقراط العلو أن وجود العشائر العربية في شرق الفرات يصعّب استمرار سلطة الإدارة الذاتية في المنطقة، مبررًا ذلك بثلاثة أسباب، الأول “عجزها عن إدارة المنطقة وتقديم الخدمات لها، وخصوصًا من حيث التعليم والصحة وتسيير المعاملات الرسمية، أو إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية من طرق وماء وكهرباء”.

والسبب الآخر أن “هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) على قوات قسد ومجلسها المدني يثير حساسية هوياتية لدى السكان العرب، وخصوصًا مع التصرفات الاستفزازية التي يقوم بها العناصر الأكراد في قسد، ومحاولة تهميش العرب حتى في المجالس المحلية لمناطقهم” بحسب العلو.

أما السبب الثالث، من وجهة نظر العلو، فيتمثّل بأن “مشروع قسد هو كيان فيدرالي يهيمن عليه الكرد، في حين أن العشائر العربية وأبناء المنطقة لا يطالبون بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي في سوريا، ولا يعنيهم المشروع الكردي في سوريا”.

ويتابع العلو أن “بنية الإدارة الذاتية الكردية غير قابلة للحياة كونها بنية ريفية لا تمتلك أي حواضر مدنية. فكل الحواضر المدنية في المنطقة بيد النظام (دير الزور، الحسكة)، والرقة تعتبر مدمرة، فمن غير الممكن أن تستبدل العشائر العربية مركزية دمشق بتاريخها وحضارتها بمركزية رأس العين أو عين العرب”.

مؤتمر عشائر سورية في عين عيسى بريف الرقة - 3 من أيار 2019 (عنب بلدي)

مؤتمر عشائر سورية في عين عيسى بريف الرقة – 3 من أيار 2019 (عنب بلدي)

العشيرة (أو القبيلة): هي مجموعة من الأفراد يلزمون بتقاليد معينة حتى وإن لم يكونوا متعارفين من جهة النسب، ويجتمعون حول شخص يطلق عليه شيخ العشيرة، وتتسم بعادات وتقاليد، وهما إطاران للتنظيم الاجتماعي لمجموع الأفراد.

و”المجتمع السوري مجتمع عشائري إلى أبعد الحدود إذ تنتشر القبائل في البادية والأرياف والحواضر والمدن الكبرى”، بحسب الباحث محمود الدغيم، ولا ينحصر وجودها في محافظة أو منطقة واحدة، بل توجد في الكثير من المحافظات.

ومن أكبر عشائر وقبائل سوريا، عشيرة النعيمي التي تتوزع في مختلف المحافظات السورية، وقبيلة البكارة التي تعد من أكبر قبائل سوريا وتنتشر في الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب وحماه ودرعا.

وقبيلة العقيدات التي تعد منطقة الفرات أكبر تجمع لها إضافة إلى بعض المحافظات.

إضافة إلى قبائل طي والشرابين وقبيلة الجبور وقبيلة شمر التي تتمركز في الحسكة، وقبيلة “البوشعبان الزبيديّة”، التي تنحدر من الجزيرة العربية، والمنتشرة في عدد من المحافظات السورية وخاصة الرقة.

بين حكم البعث وما بعد الحرب..

هل من دور سياسي للعشائر؟

تهدف التحركات الأخيرة من قبل النظام والكرد في سوريا وتركيا لانتزاع قبول العشائر، بوجود دور سياسي يمكن أن تلعبه في مستقبل العملية السياسية في سوريا.

لكن باحثين التقتهما عنب بلدي استبعدا ذلك، الأمر الذي تشير إليه معطيات تاريخية وحالية حول الدور السياسي للعشيرة، والأثر الذي لعبته وتلعبه في الحياة السياسية، إضافة إلى تركيبة العشائر السورية التي لا تشكل وحدات متماسكة تتحرك بأمر شيوخها، إنما تجمعات عائلية يربط بينها النسب والجغرافيا.

حزب البعث يغيّب العشائر عن الحياة السياسية

يشير الباحث السوري، مهند الكاطع، في حديث لعنب بلدي إلى أن الحياة السياسية عند العنصر العربي في منطقة الجزيرة، ذات البنى الاجتماعية العشائرية، هي شبه معدومة، ولم تكن هناك ممارسة للحياة السياسية أو أحزاب سياسية.

ويعود ذلك إلى تهميش “حزب البعث” الحاكم في سوريا لدور العشائر، بحسب الكاتب والمؤرخ، محمود السيد الدغيم، الذي قال في حديث إلى عنب بلدي إن “الحزب منذ تسلمه السلطة في 1963 عمل على تهميش وتدمير كل العشائر التي قاتلت ضد الاحتلال الفرنسي وتم اضطهادها، في حين تبنى وقرّب منه العشائر التي كانت موالية لفرنسا”.

ومن وجهة نظر الكاطع فإن النظام السوري “همّش العشيرة ورموزها، وكان ممنوعًا في دولة البعث أن يوجد رمز غير رمز الأسد سواء الأب أو الابن، ولا يجوز لأي فرد سوري أن يكون له رمز آخر سواء رمز ديني أو طائفي أو عشائري، كما حاول القضاء على أي نوع من التكتلات والتنظيمات وخاصة الغالبية السنية”.

كما عمل النظام، وفق ما قاله الكاطع، على “تهميش شيخ العشيرة وجعل أقصى طموحه الوصول إلى مجلس الشعب ويكون مصفقًا، إضافة إلى إفقاره عبر قوانين الإصلاح الزراعي ما أدى إلى الاستيلاء على الأراضي التي كان يملكها، إضافة إلى ممارسات الإذلال بحقه من قبل أجهزة الأمن ليتحول دوره إلى ثانوي”.

ويرى الكاطع أنه في ظل غياب الدولة والظروف الصعبة التي تعصف بأبناء العشائر في الجزيرة، يبدو الدور العشائري مختلفًا، “إذ يحاول الأهالي الاجتماع حول العشيرة على الرغم من عدم امتلاكها أدوات مساعدة، لكن احتلال قسد لمناطقهم والمجازر التي ارتكبتها بحقهم واستهجانهم ومخاوفهم من جعل أرضهم جزءًا من دولة قومية يطمح لها الكرد، يمكن أن يقرب أبناء العشيرة ويؤدي إلى اجتماعهم في وقت قصير”.

اجتماع مجلس العشائر السورية في ريف حلب الشمالي - 2019 (الأناضول)

اجتماع مجلس العشائر السورية في ريف حلب الشمالي – 2019 (الأناضول)

تأطير سياسي للعشائر في المستقبل

لا يعتقد الكاطع أن الدور السياسي للعشائر في مستقبل سوريا سيتحول إلى شكل أكثر فاعلية،  متوقعًا ألا يكون “هناك حزب سياسي باسم العشيرة، أو يكون الشيخ ممثلًا لأي عشيرة في مجلس الشعب، وإنما قد تلعب دورًا من خلال أطر سياسية جديدة، أي سيكون لها ممثلون بالقوى والأحزاب السياسية الجديدة، خاصة وأن العشيرة الآن ليست مثل السابق”.

ويضيف، “أبناء العشيرة الواحدة أصبحوا من النخب يحملون وعيًا سياسيًا ومنهم الأكاديميون والأطباء والمهندسون، وبالتالي يستطيعون الاحتفاظ بانتمائهم العشائري لكن في إطار الانتماء الأكبر وهو الانتماء الوطني السوري”.

كما “لن يكون للعشائر دور في اختيار نظام الحكم المستقبلي ولن تستخدم العصبية العشائرية في المعركة السياسية المستقبلية، بسبب الانقسامات الحادة والكبيرة في المجتمع العشائري السوري”، وفق الكاطع، “فلا يوجد ما يلزم اليوم ابن العشيرة بقرار سياسي وإلا رأينا كل أبناء العشائر مع النظام السوري كون أغلب شيوخ العشائر معه”.

ويأتي ذلك على خلاف الدول العربية المجاورة كالعراق والأردن، الذي يلعب فيها المجتمع العشائري دورًا في مساندة النظام السياسي، ويعتبر أحد أهم أعمدة الاستقرار السياسي في مواجهات الأزمات الداخلية والخارجية.

ويرجع الكاطع السبب في ذلك، إلى أن “النظامين في الأردن والعراق عملا على تقوية العشيرة إذ كان شيخ العشيرة يحظى بمكانة عالية ويملك مخصصات من الدولة وسلطة سياسية ويدافع عن مصالح العشيرة، ليتحول إلى عضو برلماني غير مسمى أو منصّب”.

أما في سوريا فإن “شيخ العشيرة ليست له أي قيمة”، بحسب الكاطع، الذي يرى أنه لولا الصراع الموجود حاليًا ومخاوف مشتركة من “مشروع كردي”، لم يظهر اسم شيخ العشيرة مجددًا على الساحة، وهي مرحلة مؤقتة في ظل الاضطرابات.

English version of the article

مقالات متعلقة