الدعم المجتمعي يعزز دور متطوعات الدفاع المدني

camera iconالمتطوعة في الدفاع المدني، دلال الطاهر، خلال نشاط للأطفال (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

لم يكمل رضيعها شهره الثاني بعد، لكنّ دافعها للعمل الإنساني، والحاجة الملحة لتأدية مهامها الاجتماعية، خلقا لديها حلولًا اضطرارية، ساعدها عليها تقبل عائلتها لطبيعة عملها، والمساندة التي حظيت بها من زوجها.

تغادر فاطمة العبيد منزلها كل صباح، متوجهة إلى مكان عملها، بعد أن توصل طفلتها، رهام، إلى منزل والدتها، وتصطحب رضيعها، هشام، في يوم عمل ينتهي في ساعات العصر.

فاطمة العبيد (23 عامًا) هي واحدة من ثماني متطوعات في مركز “إناث قلعة المضيق” التابع للدفاع المدني، من ضمن 220 متطوعة في الشمال السوري، يساندن المتطوعين في أعمالهم، ويؤدين أدوارًا مختلفة، يعزز تكاملها مكانة المنظمة الرائدة في الحفاظ على سلامة المدنيين.

تقول فاطمة لعنب بلدي إن القصف العنيف وغدر الطائرات الحربية وإصابة آلاف المدنيين، دفعها للانتساب إلى صفوف الدفاع المدني، حيث تستطيع تقديم المساعدة في إطار “العمل الإنساني المقدس”.

وكانت فاطمة، التي تعمل في المنظمة منذ عام 2017، اضطرت للنزوح مع جميع متطوعات مركزها، بعد سيطرة النظام السوري على بلدة قلعة المضيق بريف حماة الشمالي في أيار الماضي، ويعملن اليوم دون مقر أو مركز ثابت في مخيمات ريف إدلب.

“سيارات الإسعاف هي مقراتنا”، تقول فاطمة، وتعلّق “نحن مشردون حاليًا”، في وصف لحال متطوعي ومتطوعات الدفاع المدني، ممن اضطروا لنقل أعمالهم وأنشطتهم بعد تقدم النظام السوري في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي.

ولا يعيق كل ذلك فاطمة عن عملها، الذي يتركز على الإسعاف والحملات التوعوية، إذ يغلب على حديثها طابع الرضا، والتمسك بعملها الذي اختارته بملء إرادتها.

فاطمة العبيد خلال حملة مع أطفال أحد المخيمات في الشمال السوري

فاطمة العبيد خلال حملة مع أطفال أحد المخيمات في الشمال السوري (عنب بلدي)

مهام إنسانية تكمل عمل المنظمة

تختلف طبيعة العمل الذي تقوم به النساء في الدفاع المدني عمومًا عن المهام التي يؤديها الرجال. رغم ذلك، تواجه النساء صعوبات عدة، تتعلق بالعمل في أماكن خطرة، والحاجة إلى التنقل المستمر في الحملات التوعوية.

دلال الطاهر، هي إحدى متطوعات الدفاع المدني في ريف حماة منذ عام 2014، تقوم بأعمال الإنقاذ في أثناء القصف، الأمر الذي يجعلها في مواجهة دائمة مع لحظات قاسية، حين تكون في مناطق مدمرة، عقب القصف بشكل مباشر.

“أصعب موقف مررت به حين شاهدت أمًا حاملًا، وكان جنينها يخرج من بطنها بعد إصابتها إثر القصف”، تقول دلال، وتضيف متأسفة، “الجنين المقتول والأم كانا إرهابيين في عيون النظام”.

أما عن بقية أعمالها، فتشارك دلال في حملات التوعية من مخلفات الحرب التي ينظمها الدفاع المدني في المناطق التي تعرضت لاستهدافات كثيفة بالأسلحة، كما تشارك في الأنشطة الترفيهية للأطفال، وتجري الإسعافات الأولية.

فاطمة تقول إنها تقوم بمهام مشابهة لتلك التي تؤديها دلال، لكنها لم تشارك في السابق بحملات إنقاذ، وتقول عن ذلك، “أسعف المصابين والجرحى، وأساعدهم خلال نقلهم بسيارات الإسعاف إلى أقرب نقطة طبية موجودة بالمنطقة، لكن لم يسبق لي أن خرجت بحملة إنقاذ. الشبان غالبًا يقومون بذلك”.

أما في الحالات “الحرجة جدًا”، فتشارك فاطمة في مساعدة زملائها المنقذين، مؤكدة أنه في حال تطلب منها الأمر المشاركة في الإنقاذ “لن تتردد لحظة واحدة”.

تتطلب مهام دلال وفاطمة البقاء في أماكن العمل لفترات طويلة خلال اليوم، الأمر الذي يستدعي تعاونًا من جانب الأسرة، وبيئة اجتماعية مريحة خلال العمل، وهو ما يحظين به بالفعل.

وحدة العائلة والعمل

لدى دلال ثلاثة أطفال، ولدان بعمر 12 وست سنوات، وبنت في العاشرة من عمرها. تصف ابنها البكر وابنتها بأنهما متفوقان في دراستهما، أما حمودة، أصغر إخوته، فهو الطفل “الشقي” الذي يرافق والدته في كثير من أعمالها، ويتمنى أن يعمل في الدفاع المدني حين يكبر، كما والدته.

تصف المتطوعة في الدفاع المدني علاقتها بأبنائها بـ “الصداقة”، أما عن علاقتها مع زملائها في العمل، فتقول “نحن أسرة واحدة تعيش وتموت من أجل إنقاذ أرواح الملايين من المدنيين”.

حمودة ابن المتطوعة في الدفاع المدني دلال الطاهر

أصغر أطفال المتطوعة في الدفاع المدني، دلال الطاهر (عنب بلدي)

ولعل دعم زوجها لها، هو الإطار الذي ساعدها على جعل العمل والأسرة غير منفصلين بالنسبة لها، “زوجي يقف معي دائمًا وفي جميع حالاتي، ويقدر تعبي، وهو من شجعني للانضمام إلى كوادر الدفاع المدني”، تقول دلال.

فاطمة أيضًا، تحظى بدعم كبير من زوجها، المتطوع الحالي في الدفاع المدني، إذ “يشجعها في كل اللحظات ويوفر لها النصح، ويساعدها بالمهام قدر استطاعته، حتى إذا اقتصرت مساعدته على الاستشارة فقط”، وفق تعبيرها.

ورغم اهتمامها وزوجها بالعمل الإنساني، وارتباطها الوثيق بعملها، تحاول فاطمة ألا تدع العمل يثنيها عن قضاء أطول وقت ممكن مع طفليها وزوجها.

“منذ عودتي من العمل أباشر بواجباتي العائلية من تحضير الطعام، وتنظيف المنزل، واللعب مع أطفالي وتعليمهم”، لكن بعد أن ينام الأطفال، تستأنف عملها من جديد، فتحضر الأوراق والسجلات التي يجب عليها تقديمها لإدارة المركز في اليوم التالي.

دعم مجتمعي وأسري

واجه المجتمع في الشمال السوري عمل متطوعات الدفاع المدني في البداية بشيء من التحفظ بسبب طبيعة المهام التي تتطلب الخروج المتكرر من المنزل من جهة، ولخطورته على حياتهن من جهة أخرى.

لكن هذه النظر تغيرت “بعد أن شاهدوا بأعينهم عملنا وخدماتنا التي نقدمها”، تقول فاطمة بقوة تستمدها من شعورها بالإنجاز، لكونها وزميلاتها في الدفاع المدني استطعن أن يكسرن قالبًا اجتماعيًا كان يحد من عمل المرأة. وتضيف، “على العكس أصبح المجتمع يشجع عمل المرأة بعد أن رأى ما تستطيع فعله وتقديمه”. 

ولا تهتم فاطمة إذا كان السبب الرئيسي وراء ذلك القبول المجتمعي هو الحاجة للنساء العاملات نتيجة شح فرص العمل للرجال، أم هو تقدير لمجهود النساء بالفعل، لكونها باتت تتحرك بأريحية أكبر في مساحة خياراتها، وتلقى الدعم لذلك.

وتوافق دلال على رأي فاطمة، وتقول، “بالنسبة لي، لا أرى هذا التحفظ الذي يدور الحديث عنه، فالخطر على المرأة هنا في كل مكان، وليس فقط في صفوف الدفاع المدني”.

ورغم أنها واجهت مخاوف أفراد عائلتها في بداية عملها، لكنهم اليوم “معها بشكل كامل”، بعد أن شاهدوا نجاحاتها، وهم يشجعونها على الاستمرار ومواصلة العمل.

تصف دلال نظرة المجتمع لمتطوعات الدفاع المدني بـ “الاحترام والقوة”، لكن أكثر ما يعنيها الأثر الذي تتركه لدى الأطفال الذين تعمل معهم، “ابتسامة من أحدهم هي أكبر مكافأة لي، معها أشعر أني بالفعل إنسانة عظيمة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة