تعا تفرج

المقامة البرميلية

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

حدثنا عيسى بن هشام، عن ابن خاله وسام، حكاية قهر وبلبال، أوجزها صاحبنا فقال:

في ذلك اليوم الجميل، ذي الهواء العليل، كانت أمي تنشر الغسيل، وأختي تملأ “السَبِيْل”، وأنا أغير بطاريات البيل، ووقع فوقنا البرميل!

قامت في حارتنا القيامة، واختلط الطعام بالقمامة، طار طربوش وزحلت عمامة، وحلَّت بمن لم يهاجر الندامة. ما عدنا نبصر أو نسمع، ولا ندري أننزل أم نطلع؟ وتبعثرت على الأرض الأشياء، وطاول الغبار عنان السماء، واشتغل العويل والصراخ، من قال آهٍ وقال آخ، وسقطت من أعشاشها الفراخ، وهذا يركض إلى الأمام، وذاك يخرج من الحمَّام، وثالث عالق في الحطام، ورابع يدخل في الزحام.. وقائل “مين ضربني؟” وقائل “شفتوا لي ابني؟” وامرأة تمزق القمباز، وأخرى جرحت بالقزاز، و”وينك” يا حاج فواز؟ ارجع إلينا القهقرى، لنفهم منك ما جرى، وأنت يا أخي أبا قدور، ألم تر كيف فار التنور؟ وخرجت أفاعٍ من الجحور؟ كأنه يوم الحساب والنشور.

لقد أدركنا اليوم الموت، فيا كلّ سامعي الصوت، تعالوا وأحضروا الدفاتر، الورق والأقلام والمحاضر، لنجلس ونحصي الخسائر، واكتبوا في تاريخنا الطويل، إن هذا يوم البرميل!

أمي فقدت ضحكتها، واصطبغت بالسخام سحنتها، وجارتنا أضاعت سخلتها، والناس لم يفهموا قصتها، نعتوها بالغفلة والجنون، وأنها من أسفل ما يكون، تهمل المسائل الأساسية، وتهتم بالأمور الهامشية، كأنها نزيلة العصفورية.. بدت لنا خالية الوفاض، تعيش في الجنان والرياض، بينما ابنها عالق في الأنقاض!

وزمرت سيارات الإسعاف، وكانت من كل الأصناف، ونزل المسعفون بالعشرات، مزودين بالفؤوس والكريكات، أبعدوا التراب من الطريق، وحطام الكؤوس والأباريق، وأطفؤوا النيران المشتعلة، وأسكتوا الأصوات المفتعلة، وسحبوا الجرحى إلى العربات، وكان عددهم بالمئات، وقالوا لم نرَ كهذه البلاوي، من يوم ضربنا بالكيماوي..

وأخيرًا حل المساء، وغاب عن الكون الضياء.. ولدى عودتنا من المقبرة، فهمنا تفاصيل المسخرة، إذ قال واحد من الناس، بوضوح دونما التباس، إن هذه قوادة ودياثة، ارتكبها واحد من ثلاثة، رئيس الحرس الإيراني، المدعو قاسم سليماني، أعني ذلك الوغد، الذي قتل فيما بعد، أو مسبب الدموع والأنين، فلاديمير علي بوتين، أو إنه من أبناء بلدي، الملقب بالنمر الوردي، أرسله ابنُ الأسد، ليكمل تدمير البلد.. وكانت عينا جارتنا الهبلاء، معلقتين بمحلل الأنباء، وفجأة انفلتت بالبكاء، وحلفت بسخلتها الضائعة، وأيامها القديمة الماتعة، وبما ترتجي من رب العباد، وبمن خلق الوديان والوهاد، على أنها لا تعرف سليماني، ولم تسمع ببوتين الآخراني، ولم تخطئ بحق النمور، ولم تُغضب السحالي في الجحور، ولم تعارض حافظ الأسد، لم تكترث بالوريث الولد، لم تعرف في حياتها الحماسة، ولم تنشغل يومًا بالسياسة، ولا تفرق بين البالوظة، وبكداش بياع البوظة، ومع ذلك قتلوا ولدها الحبيب، ببرميلهم الحقير العجيب.

بعد “يوم البرميل” بأسبوع، ومآقينا مبتلة بالدموع، فتحنا التلفاز على الأخبار، وجدناه يحكي عن انتصار، حققه ابن حافظ على الإرهاب، في قريتنا ذات القباب، بصقنا على ذلك المذيع، وعلى الكبش والحمل الوديع، طوينا المناديل والمحارم، في انتظار البرميل القادم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة