لن توقف “نضالها الإنساني” بعد “راؤول والنبرغ”.. عنب بلدي تحاور الطبيبة أماني بلور

تكريم الطبيبة السورية أماني بلور في المجلس الأوروبي، كانون الثاني 2020، صفحتها على "فيس بوك"

camera iconتكريم الطبيبة السورية أماني بلور في المجلس الأوروبي، كانون الثاني 2020، صفحتها على "فيس بوك"

tag icon ع ع ع

حاورتها نينار خليفة

في مقر المجلس الأوروبي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، وبحضور شخصيات دبلوماسية أوروبية، كُرّمت الطبيبة السورية أماني بلور، لفوزها بجائزة “راؤول والنبرغ” للأعمال الإنسانية الاستثنائية، التي تُمنح مرة كل عامين لشخص أو جهة كان لها دور بارز في مجال العمل الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان، لتكون أماني أول امرأة، ومن بلد من خارج الاتحاد الأوروبي، تفوز بالجائزة، نظرًا لما أدته من دور مميز كان منافسًا قويًا لبقية المرشحين.

في أصعب الظروف، وبشجاعة استثنائية واجهت بها جميع التحديات، تمكنت الطبيبة أماني من إنقاذ أرواح مئات السوريين، في أثناء عملها وإدارتها لمشفى “الكهف” الواقع بمدينة كفر بطنا في الغوطة الشرقية، بين عامي 2012 و2018، وهو ما خولها لتكون نموذجًا عن العمل الإنساني.

كان عام 2012 مفصليًا بالنسبة لحياة أماني التي قررت الاستعاضة عن متابعة دراستها وحلمها في التخصص بمجال طب الأطفال، بالعمل كطبيبة ميدانية في مشفى تحت الأرض، لتصبح بعدها مديرة للمشفى نفسه، وهي في بداية الثلاثينيات من عمرها، تقود فريقًا مؤلفًا من مئة طبيب وممرض ومتطوع.

وفي عام 2018، ومع انتهاء الحصار المفروض على الغوطة الذي دام خمس سنوات، اضطرت أماني إلى مغادرتها مع أول دفعة من المدنيين الذين خرجوا باتجاه محافظة إدلب شمالي البلاد، تاركة خلفها المكان الذي أنقذت به حياة مئات الأشخاص، وأثرًا لن يُنسى في نفوسهم.

صعوبات جمة

تقول الطبيبة أماني لعنب بلدي “كانت الصعوبات والتحديات التي واجهتنا بالعمل كبيرة جدًا، أولها القصف المستمر الذي جعلنا نعيش في خوف وتوتر دائمين، والنقص في المستلزمات الطبية، إلى جانب التعامل مع أطفال يعانون من الإصابات الخطيرة والجوع وسوء التغذية، وعلاوة على ذلك كانت لدينا مسؤوليات إضافية كإدارة، منها حماية المشفى من القصف وتحصينه، والقدرة على تأمين المواد الطبية”.

وتضيف أماني أنه بالإضافة لهذه المسؤوليات الهائلة، واجهت نظرة المجتمع وانتقاداته ورفض الرجال لأن تتولى إدارة المشفى كونها أنثى، وهو ما وضعها تحت ضغط نفسي إضافي، وألقى على عاتقها مسؤولية كبيرة لأنها أرادت إثبات أن المرأة قادرة على الإدارة والعمل تمامًا كما الرجل.

وتشير أماني إلى أنها بالصبر والتركيز على العمل استطاعت وفريقها مواجهة الضغوط، كما أنها حاولت أن يكون نجاحها بإدارة المشفى هو لإثبات القدرات التي تتحلى بها المرأة، ولتغيير نظرة المجتمع الذكوري.

وتتابع، “لقد نجحت في إثبات ذلك، ففي الفترة الأخيرة كانت المشفى بحالة جيدة جدًا، ورغم تدمير النظام كثيرًا من المشافي بالغوطة لم يتمكن من تدمير مشفى الكهف، حتى إن بعض الرجال ممن كانوا رافضين أن أتولى إدارتها اعترفوا بنجاحي بذلك، وقد كانت تلك من اللحظات السعيدة بالنسبة لي، لأنني استطعت تغيير نظرة هؤلاء الرجال، وهو ما يعني أننا قادرات على تغيير المجتمع، لا شك أن ذلك سيكون بحاجة لكثير من الجهد والوقت ولكنه ليس بالمستحيل”.

مشاهد مؤلمة لا يمكن نسيانها

تستذكر أماني أصعب المواقف التي مرت عليها في أثناء عملها، وهي مجزرة الكيماوي عام 2013، التي كانت بمثابة صدمة كبيرة جدًا رغم ما عاناه أهل الغوطة من حصار وقصف ومجازر.

فقد تعرضت الغوطة الشرقية لأكبر هجوم بالأسلحة الكيماوية، في 21 من آب عام 2013، ما تسبب بمقتل أكثر من 1400 مدني، أغلبيتهم من الأطفال.

تصف أماني هول ما حدث قائلة، “في تلك الليلة وبينما كان أهل الغوطة نيامًا، قصفها النظام بصواريخ تحتوي على غاز (السارين)، ولم نكن ككوادر طبية نعلم بعد أنه (سارين)، كان شيئًا من الصعب وصفه، فقد أُحضر آلاف المصابين إلى المشفى وسط ضعف قدرة الكوادر الطبية على التعامل مع هذه الأعداد”.

فبسبب الحصار المفروض على الغوطة آنذاك، لم تكن تتوفر كوادر أو مواد طبية كافية، ما أدى، وفق أماني، إلى وفاة كثير من الأشخاص الذين كانوا يختنقون.

“أصعب ما في الأمر أننا لم نكن قادرين على تصنيف الإصابات واختيار الأخطر منها، للبدء بعلاجه”، تقول أماني، وتتابع  “جميع الأشخاص كان لديهم نفس الأعراض، كانوا يختنقون وبحاجة لمساعدة عاجلة، ولذلك لم نتمكن من مساعدة هذا العدد الكبير، وعملنا قدر الإمكان، ولكن كان من المؤلم فعلًا أن نضطر للاختيار بين المصابين، وأن نرى من لم نتمكن من مساعدته يموت أمام أعيننا، لا يمكن أن تغيب هذه المشاهد عن ذاكرتي أبدًا”.

النساء قادرات على التغيير

رغم الظروف الصعبة والتحديات التي واجهتها، تمكنت أماني من إثبات نجاحها كطبيبة وكامرأة، وهي تشيد بالدور الذي لعبته النساء السوريات طوال فترة الحرب، بدءًا من مشاركتهنّ بالمظاهرات السلمية، إلى تضحياتهنّ وتوليهنّ مسؤوليات كبيرة، فقد كنّ القياديات والمعتقلات والمعيلات لأسرهنّ.

وتوجه أماني من خلال تجربتها رسالة للنساء السوريات قائلة “نحن بالفعل قادرات على تغيير المجتمع، ولكن يجب أن نستمر بنضالنا لكي نتمكن من تحصيل حقوقنا، فما من أحد سيقدمها لنا بسهولة، سوف نمر بالعديد من الصعوبات، ولكننا قادرات على فعل الكثير، المهم أن نحاول وأن نأخذ الخطوة الأولى، وطالما أننا مؤمنات بالهدف الذي نعمل من أجله، فبالتأكيد سنستطيع تحقيقه”.

لفت نظر العالم لمأساة السوريين

حول حصولها على جائزة “راؤول والنبرغ” رفيعة المستوى، تقول أماني إنها وعند تلقيها الخبر تفاجأت وشعرت بالسعادة والفخر، لأنها جائزة إنسانية عن شخص قام بعمل عظيم، وهو إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح، إضافة إلى أن الجائزة مقدمة من المجلس الأوروبي، وستسهم في تسليط مزيد من الضوء على القضية السورية، وفي إيصال صوت السوريين إلى العالم.

وهي تعتبر أن أهم ما يمكن أن تقدمه هذه الجائزة هو إيقاظ العالم الذي يتجاهل أو يتناسى منذ تسع سنوات القضية السورية، وأن يعي وجود شعب لا يزال يُعاني ويُقتل ويُقصف بشكل متواصل حتى اليوم.

وتضيف أماني، “أتمنى أن تسهم الجائزة في إحداث تغيير بمستقبل سوريا، لأن مستقبلنا هو مستقبل بلدنا، ليس لدينا أمل كبير بحدوث تغيير سياسي في السنوات القليلة المقبلة، بحسب ما تشير إليه المعطيات الحالية، ولكن نتمنى أن تسهم الجائزة في إحداث هذا التغيير، وبجلب المزيد من الدعم الإنساني للشعب السوري من قبل الشعوب الأخرى التي تسمع هذا الصوت، لتعرف مدى معاناة السوريين”.

استجابة لا ترقى لحجم الكارثة

ترى أماني أن ما قدمه المجتمع الدولي قليل جدًا بالنسبة لحجم الكارثة الإنسانية في سوريا، فهو يحاول التعامل مع النتائج وليس مع المشكلة بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال، يحاول إيجاد حل لقضية اللاجئين ويتناسى لماذا هم أصبحوا لاجئين، ويتعامل مع الأزمة الإنسانية الناجمة دون التفكير في سبب تفاقمها بشكل يومي، واستمرار أزمة النزوح إلى المخيمات.

وتناشد أماني المجتمع الدولي بقولها، “عار كبير جدًا أن يستمر قتل الأبرياء وقصفهم بشكل يومي منذ تسع سنوات حتى الآن على مرأى العالم ومسمعه، أهم ما نريد أن يفهمه المجتمع الدولي هو أن عليه التعامل مع سبب المشكلة، وليس مع نتائجها، إذ يوجد مجرم يقتل الناس وجهة تقصفهم، ولذلك يجب محاسبة هذا المجرم وحلفائه وإيقاف القصف والتهجير القسري للمدنيين”.

تعتقد الطبيبة أن المجتمع الدولي خذل السوريين بشكل كبير، وجميع النداءات تبوء بالفشل، “لذلك نحن نتوجه أكثر لجعل الشعوب تضغط على حكوماتها بأي شكل من الأشكال، حتى تقوم بالتغيير”.

وتدعو  إلى توفير استجابة أكبر للجانب الصحي وبخاصة في الشمال السوري المحرر، واستجابة للتعليم، إذ يوجد أكثر من مليوني طفل سوري خارج المدارس بحسب منظمة “يونيسف”.

أمل جديد

لن تتوقف الطبيبة أماني عن نضالها ودعمها لأبناء بلدها، وهي تعمل حاليًا على تأسيس صندوق يحمل اسم “الأمل” بالشراكة مع منظمة “King Baudouin Foundation” البلجيكية، لدعم النساء.

تتحدث عن المشروع قائلة، “نحاول حاليًا تأمين تبرعات لهذا الصندوق، وأطلقنا موقعًا إلكترونيًا له، هدفنا هو دعم المرأة وتمكينها بمناطق النزاع، ليس فقط في سوريا ولكننا سنبدأ منها”.

“هدفي الأول هو دعم المرأة لأني لمست الصعوبات الكبيرة التي تواجهها النساء في سوريا، وهنّ فعلًا بحاجة لدعم ومساعدة ليتمكنّ من أخذ دورهنّ في المجتمع”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة