الملل الجماهيري المستمر

tag icon ع ع ع

عروة قنواتي

بمرور أربع جولات من الدوري الألماني لكرة القدم بعد استئنافه، ليس غريبًا أن يوصف المزاج الجماهيري العاشق لكرة القدم بـ”المتقلب”، فالعيون التي تسمرت على الشاشات لمتابعة أول صافرة في مباراة فريقي بروسيا دورتموند وشالكة قبل أسبوعين، لم تكن بنفس العطاء في حضرة الكلاسيكو الألماني بين بايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند، مع العلم أن هذا اللقاء يحسم ما يعادل 80% من حظوظ اللقب للفريقين، وإن كان البافاري أكثر الفرق إهدارًا للنقاط في الجولات الأولى من المسابقة هذا الموسم.

فلا تكاد تسأل متابعًا أو صديقًا عن متابعته لمباريات المسابقة الألمانية إلا ويقول “تابعت الأهداف عبر الملخصات والتقارير أو شاهدت نصف ساعة أو لم أشاهد أبدًا”، لماذا؟

بانتظار عودة المنافسات المحلية في حزيران المقبل ضمن بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، التي تحجز مسابقاتها أكبر أعداد المشجعين والمتابعين في العالم، لا بد أن توجه التحية والإعجاب بالأداء الألماني، والمقامرة بل والمغامرة في قيادة الموكب الأوروبي الكروي، وتحمّل كل النتائج سلبًا وإيجابًا وإعطاء الدروس والعبر لبقية المسابقات التي تتحضر للانطلاق أيضًا.

الملل الجماهيري المستمر طبيعي، فانقطاع كرة القدم لما يقارب عشرة أسابيع بشكل مفاجئ كان طارئًا على المتابع الكروي، الذي صار أيضًا في حياته مطالبًا بالحجر الصحي وحظر التجول والالتزام بالتعليمات الصحية لمواجهة جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، أي أن وسائل الترفيه والتسلية، عدا عن العشق الكروي، كلها اختفت في لحظة واحدة، والآن تعود بالتدريج.

هذا التدريج الذي أجبر متابعًا كرويًا على متابعة مسابقة قد لا يشاهد منها خلال الموسم كله سوى مباراتين أو ثلاث، مع متابعة أندية المسابقة في المحفل الأوروبي إن لزم الأمر. المتابع الكروي الرياضي الذي تعوّد على الزحمة في مباريات “البريميرليغ” و”اللا ليغا” و”الكالتشيو” و”البوندسليغا” و”الشامبيونز ليغ”، وأن يختار ما يعجبه للمتابعة، بالإضافة إلى فريقه المفضل، لن يستطيع الصمود أكثر من جولة أو اثنتين لمتابعة مباريات الدوري الألماني، وخاصة أنها ليست ببداية المنافسة، بل تأخذ الشكل الطابقي في المنافسة على اللقب والهروب من شبح الهبوط.

ما فقده المتابع في أثناء توقف المسابقات الكروية كان يجتهد بتعويضه بإعادة المباريات القديمة، واللقطات المحببة للاعبيه المفضلين، ونجومه الأكثر قربًا للقلب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والآن هو بحاجة لعودة أكبر عدد من المسابقات الكروية الأوروبية ليعتاد التوازن وحسن اختيار الوقت والتشجيع.

الجماهير التي فقدتها المدرجات في المباريات لها أثر كبير، ليس فقط على متابعة المشاهد حول العالم، الذي صار يشاهد تدريبًا أو مباراة خيرية تعلو فيها أصوات المدرّب وطاقمه بلا أصوات للمدرجات، فقد كان لها تأثير صادم على أصحاب الأرض في ملاعبهم ضد خصومهم، وهذا ما يحصل في الدوري الألماني حاليًا، لأن نسبة انتصار أصحاب الأرض على خصومهم أمام نسبة المباريات التي لُعبت قليلة جدًا، والخصم يلعب وكأنه على ملعبه أيضًا بنفس الظروف، أو في أرض محايدة، لا جمهور ولا أصوات لها، وهذا يسهل المهمة أمام الفرق التي اعتادت الشحن والمؤازرة الجماهيرية (ولو بنسبة قليلة) لإكمال المهمة.

الجماهير هي ملح الملاعب، وهي الأساس في الفرح والحزن، المتابع البعيد يشعر الآن بالوحدة من دون جماهير المدرجات، ومن حقه التململ والتخبط، فهو بحاجة إلى عودة الفرق كلها وفريقه المفضل، وانتظار أسابيع الحسم الأخيرة في كل مسابقة ليعود التوازن إلى الجميع بأخف الأضرار.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة