tag icon ع ع ع

حنين النقري – عنب بلدي

قالوا إجى العيد.. قلت العيد لصحابه

شو بينفع العيد يلي مفارق حبابه؟

مطلع موّال شعبي قديم، بات اليوم على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالسوريين، فمن يريد استقبال العيد أمام كل فقده ومآسيه؟

فارقنا أحبابنا وتغيّرت حياتنا تهجيرًا ونزوحًا وتشرّدًا وشتاتًا، فلنمضِ بقية أعمارنا نبكي الضحكة الغائبة ونتّشح السواد حدادًا على من راح.

أهل الغوطة الشرقيّة يفاجئوننا بموقف آخر من أحزانهم وآلامهم، فنراهم أول من قرروا خلع سواد الحرب والقذائف والموت ومسح «الشحار» عن جدرانهم وحياتهم، ليجهّزوا بيوتهم وقلوبهم ووجوههم احتفاءً بالعيد، رغم بساطة الإمكانيات وقلّة ذات اليد، آن للعيد أن يقرع أبوابهم رغم كل قيد.

العيد في منازل الغوطة

عفاف طالبة أدب إنكليزي في المعهد المتوسط في الغوطة الشرقية؛ رحبت بمشاركتنا تفاصيل استعداد عائلتها للعيد، وتقول إن «التعزيل» كان أول تجهيزات العيد، لكنه في الغوطة مختلف «التعزيل صعب لعدم وفرة المياه ومواد التنظيف، رغم هذا نجد أن طقوس العيد عادت من جديد لبيوت الغوطة رغم سوء الحال، نظفنا المنزل وجهزنا غرفة الضيوف استعدادًا لاستقبالهم كما لم نفعل منذ سنوات».

السعادة هي فرحة الأطفال، والعيد لهم أولًا وآخرًا، هذا ما تراه عفاف، «لا تتخيلين فرحة أختي عندما رأت المراجيح في الشوارع، فالخوف من القصف جعل الناس يحجمون عن وضع مراجيح تفاديًا للتجمعات وتقليلًا لخسائر القصف، وغدت المرجوحة أحد أمنيات الأطفال بعيدة المنال».

تقول عفاف إن الحزن في القلب على فراق الغوالي لا زال غصّة وعقبة أمام كل ضحكة، لكن وحدهم الأطفال من يسعدون ظاهرًا وباطنًا ويفرحون للعيد، وتكمل «في الحقيقة أختي رغد هي من تصنع الجو في المنزل وتشعرنا بالعيد، خاطت لها أمي ثيابًا بسبب غلاء الألبسة الجاهزة وكانت فرحتها بثوبها ملمحًا آخر على عودة العيد لنا».

أما عن حلويات العيد فلها في الغوطة شأن آخر، فالحلو يتطلب سكر، والسكر مفقود، وإن وجد فهو غال جدا (بحدود 3000 ليرة سورية للكيلو) لكن الأمر لم يمنع العديد من البيوت الغوطانية من صنعه ولو بكميات بسيطة للأطفال، تقول عفاف «تدبير مستلزمات الحلويات ليست بالأمر الهيّن، تعاونا جميعًا في العائلة لنوفّر من مصروفنا ونشتري الطحين والسكر ومواد الحلويات والحمد لله صنعنا بيتيفور منزلي، بعد ما كلّفنا هديك الحسبة».

عيد مختلف

تضيف عفاف إن العيد في هذا العام مختلف وبهجته واضحة بين الجميع رغم آلامهم، إذ ترى أن الناس تجاوزوا مرحلة التوقف عن الحياة بكل معنى الكلمة وانتظار نهاية الأزمة، وتدلل على ذلك بالسوق، «قال لي أخي ضاحكًا إن كل أهل دوما في السوق ليلة العيد، صحيح أن السوق دُمر معظمه ولم يبق منه إلا شارع واحد، وصحيح أن الغلاء فاحش لا يملك معظمنا مجاراته، إلا أن كثيرًا منا يمشي في السوق ليشعر بالعيد فحسب».

استعاض البعض من أهالي الغوطة عن حلويات العيد بالزينة على جدران المنزل، هي نفسها الزينة القديمة المستخدمة في استقبال الحجيج أُخرجت اليوم من مخازنها لتسهم في إضفاء جو من الفرح؛ هكذا أخبرتنا الآنسة رؤى من سكان مدينة دوما، وتضيف أنه رغم الفروق الكبيرة بين هذا العيد وأعياد ما قبل الحرب فإن الناس مصرّون على السعادة ويصنعونها بأبسط الأشكال؛ وتضيف رؤى «كل شيء مختلف عما اعتدناه، حتى طعم السكاكر -غالية الثمن- أشبه بنكهة الدواء، لكننا اعتدنا اختلاف الأشياء حتى لم نعد نميّزه؛ والخوف مات في قلوبنا فأفسح للفرح مجالًا بأن يولد».

كساء العيد والجمعية الخيرية

ورغم بساطة تجهيزات عائلة عفاف للعيد لكنّ كثيرًا من بيوت الغوطة غير قادرة على تغطية تكاليفها، وهنا يأتي دور الهيئات والمنظمات الإغاثية لرسم فرحة العيد على من لا يملك أدواتها؛ وعن هذا يحدّثنا المهندس زين العطار، مسؤول العلاقات العامة والمشاريع في الجمعية الخيرية في دوما «قام مركز أصدقاء اليتيم التابع للجمعية الخيرية بتوزيع كساء العيد بدءا من 17 رمضان؛ لنختتمه في 27 رمضان بحفل لتوزيع العيديات في دوما وفي منطقة حوش الفارة، بالإضافة لحجزنا لصالون حلاقة يقدّم خدمة حلاقة العيد مجانيًا للأطفال».

ويضيف م. العطار أن حملة كساء العيد قدمت 17 ألف قطعة كساء للأطفال؛ ذكورًا وإناثًا، بينهم 3200 يتيم مسجّل في مكتب أصدقاء اليتيم بالإضافة لأطفال الفقراء، ويوضح الأستاذ زين أن الألبسة من صناعة محليّة «الكساء من إنتاج مشغل الخياطة الموجود ضمن الجمعية الخيرية، ومن المهم الإشارة إلى أننا نحاول تغطية كل تكاليف العيد ببعض التبرعات الفردية فقط».

وينوه م. زين إلى أن نشاطات الجمعية الخاصة بالعيد تقتصر على التجهيزات السابقة له خوفًا من استهداف مقر الجمعية؛  وهنا يأتي دور منظمات أخرى، فمثلًا تنظّم فرقة الدعم النفسي الخاصة بشعبة دوما للهلال الأحمر العديد من النشاطات في أيام العيد، حيث نشرت الصفحة الخاصة بالمنظمة أن النشاطات تضمن توزيع سلال غذائية وألبسة على الأطفال المصابين والجرحى نتيجة الحرب والقصف، بالإضافة إلى زيارة العديد من الفعاليات المدنية الفاعلة في المدينة والمهتمة بالجانب الإنساني في الغوطة الشرقية.

«لا إجازة لنا في الدفاع المدني»

هذا ما أخبرنا به الأستاذ أ.محمود عنصر الدفاع المدني في الغوطة الشرقية، فعيدهم في المراكز والمقرات استعدادًا لأي طارئ، يضيف محمود «لا سمح الله ولا نرجو ذلك لكن كافة كوادر الدفاع المدني على أتم الجاهزية لأي ضربة، فمثلًا اليوم أول أيام العيد استهدف النظام مدينة عربين بخمس غارات، ولا زالت كوادر الدفاع المدني في الأماكن المقصوفة هناك تبحث عن ناجين تحت الأنقاض لتنقذهم».

العيد بالنسبة لمحمود وزملائه هو بسمة ابنه وأبناء الناس التي يسعون لحمايتها والمحافظة عليها، فالناس تنتظر منهم أن يكونوا على أتم الاستعداد لإنقاذهم، وهم كذلك، «لا يوجد لدينا دوام محدد بساعات عمل؛ عيدنا في النقاط المختصة في مختلف أماكن الغوطة ونحن مناوبون على مدار 24 ساعة».

يحدثنا الأستاذ محمود عن مشاهداته الشخصية للعيد، وهو يتفق مع جميع من حادثناهم أن بهجة العيد هذا العام مميزة ومختلفة، فالناس صنعت عيدها بإمكانيات متواضعة، ويضيف «همُّ الأطفال الأكبر أن يروا يومين حلوين، بهجة العيد موجودة، والشعب المحاصر في الغوطة جبّار يصنع بسمته».

لو عرّفنا العيد بالألعاب والمأكولات والملابس فليس هناك عيد في معظم بيوت الغوطة حسب رأي محمود؛ إذ هناك مفارقات كبيرة بين بيت وآخر لتفاوت الإمكانيات؛ لكن فرحة العيد أكبر من هذا، وغياب الوفرة المادية في الغوطة جعل الناس يكتفون بمتع بسيطة، فالأطفال يتراكضون بملابسهم العادية نحو الجامع ليحضروا صلاة العيد كما يخبرنا الأستاذ محمود «يملؤون الحارة بأصوات تكبيراتهم وتهليلاتهم، يجتمعون مع صحبهم في المسجد، كما أن بعض المساجد وزعت عليهم حبّة تمر أفرحت قلوبهم البريئة، بالإضافة لبعض المراجيح في أماكن قليلة».

هذا هو العيد في الغوطة؛ بأبسط الإمكانيات يصنعون بسمة، وبأطيب العبارات يرسمون ضحكة، فهل يكونون رغم صعوبة ظروفهم أقدر من الآخرين على صناعة الفرح؟ وهل تأتي السعادة بعد تجاوز عتبة الألم القصوى؟

بدل بكاء الفراق وجعل العيد سببًا لمزيد من الدموع والألم واستذكار المصاعب؛ لنحاول إدخال السعادة على منازلنا رغم أنف الحرب.

إن كان أهل الغوطة قادرين على الاحتفاء بالعيد، مستشعرين بتميّزه.. فالكل قادر..

«وجدّدت الأمل.. فينا.. يا ليلة العيد».

مقالات متعلقة