tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

يستغرب مؤيدو النظام السوري أسباب معاقبته بقانون “قيصر”، ولا يرون أبدًا صور “قيصر” التي ملأت العالم، بل يصمتون عنها، وهم بين متشفٍ من ضحايا التعذيب، ومُنكِرٍ لها، باعتبار نشر تلك الصور مجرد مؤامرة صهيو- أمريكية لتشويه سمعة محور المقاومة!

منذ أحداث الثمانينيات في القرن الماضي، أرسى حافظ الأسد فلسفته القائمة على استثمار الصمت، الصمت الداخلي والصمت الدولي عن جرائم نظامه، فلا أحد يسمع أبدًا بأصوات المعتقلين وصيحات تعذيبهم، ولا أحد يسمع بأخبار الفساد وتخريبه للبلاد، فالصمت خيار استراتيجي في فلسفة حافظ الأسد، وكل من يتحدث عمّا سمع أو رأى فهو ضحية مؤكدة، ولا بد من ترحيله إلى سجون ومعتقلات النظام.

لقد دفع النظام كثيرًا من عائلات المعتقلين في الثمانينيات من القرن الماضي إلى تغيير لقبها لتبتعد عن لقب قريبها المعتقل، وإلا كان الطرد من الوظيفة ومن سلك التعليم خاصة، مصير أبناء وبنات تلك العائلة.

ففروع المخابرات بعد انتصار حافظ الأسد على انتفاضة حلب وحماة في الثمانينيات، فتحت أضابير لكل عائلة تم اعتقال أو توقيف أحد أبنائها، وصارت الاستدعاءات جزءًا من قدر تلك العائلات، ونصيبها من التنكيل الذي يلحق بعائلات المعتقلين.

لقد رسّخ حافظ الأسد الصمت في أوساط الشعب السوري، فكل حديث بالسياسة مهما كان صغيرًا يُعتبر تهمة، وكل إشارة للفساد أو لمصير البترول أو شراكات آل مخلوف هي خطوة تستوجب الانتقام، وكان مصير النائب رياض سيف عبرة لكل من يتحدث في شؤون الفساد ونهب الدولة من قبل عائلة الأسد ومخلوف.

مع قيام الثورة السورية، وهبّة الناس، تخلص السوريون من عقدة التجاهل التي أصمّت آذانهم وأغلقت أفواههم طوال أربعين سنة من احتلال فروع ومفارز المخابرات للأحزاب والجامعات والجوامع والجمعيات، ومن اختناق البلاد بالانتشار السرطاني لأعداد المخبرين الذين فاق عددهم عدد عناصر الجيش والمخابرات.

مع اندلاع الثورة بدأ الشعب السوري طريقًا جديدًا، وفتح الناس هواتفهم وانضموا إلى الشبكات الاجتماعية، والتجمعات الشعبية والإلكترونية بمئات الآلاف، وصاروا يستبشرون بهتافاتهم (الحرية صارت على الباب)!

لكن النظام ومخبريه لم يستوعبوا المستجدات، واعتبروا أن عودة الناس إلى الصمت هو الحل الوحيد لاستمرار النظام ولاستمرار سوريا نفسها.

اليوم، وبعد فرض قانون “قيصر” واختراق الصمت الدولي، ومحاصرة النظام اقتصاديًا، لا يزال مؤيدو النظام يتجاهلون صور ضحايا التعذيب التي تمكّن “قيصر” من تهريب 55 ألف صورة منها، ويتساءلون لماذا تتم محاصرة النظام الذي انتصر على الإرهابيين؟

مؤيدو النظام لا يصمتون اليوم عن صور التعذيب فقط، بل يصمتون أيضًا عن تدمير المدن، وعن تهجير الناس، ويكفيهم أن يقول بشار الأسد إنه يسعى لهندسة سوريا مع الإيرانيين والروس وخلق شعب منسجم!

ويصمت هؤلاء المؤيدون عن نهب الفوسفات والغاز والبترول والموانئ، والأراضي الزراعية، والضواحي السكنية، والمطارات، من قبل المحتلين الإيرانيين والروس، ويكفي أن يقول إعلام النظام إن هؤلاء الذين شاركوا بتدمير البلاد هم حلفاء وليسوا محتلين أجانب.

ويصمت المؤيدون عن مقتل أبنائهم وتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم وانهيار قيمة العملة إلى مستويات تنتقل بهم وبالشعب السوري إلى حافة الموت جوعًا.

ويصمت المؤيدون عن صراع آل مخلوف وآل الأسد، ويتغاضون عن أرقام المليارات التي يتبادلون علنًا التهم بنهبها، ويعتبرون أن انهيار الليرة مجرد مؤامرة مريخية!

إن استمرار سياسة الصمت التي رسخها حافظ الأسد وأجهزة مخابراته وجيشه، لم يعد يمنع السوريين من سماع الأصوات التي يصرخ بها الناس تحت القصف، ولا الأصوات التي يستنجد بها المعتقلون للخلاص من التعذيب، ولا الأصوات التي يصيح بها الأطفال المهجرون من بيوتهم إلى البراري وإلى البلدان الغريبة، فلم يعد الصمت قدرًا متاحًا للسوريين، ولم يعد الحفاظ عليه مكسبًا كما يظن المؤيدون، فالصمت جرّ على البلاد كل هذه الكوارث، ولم يعد أبدًا خيارًا إلا لمن يعتبر نفسه  كارهًا للشعب السوري، ومؤيدًا للاحتلال الأجنبي، فالصمت صار اليوم خيانة وطنية لا تسترها المطالبات الواهية بتغيير محافظ حمص.

يفهم جميع السوريين، ويجب أن يفهم المحتلون الأجانب من روس وإيرانيين وأمريكيين، أن الصمت وحرّاسه صاروا من الماضي الأسود لسوريا، ولم يعد مقبولًا العودة إليه.

فالمعتقلون الذين صمت المجتمع السوري سابقًا على تعذيبهم وعلى التنكيل بهم، صاروا اليوم يمتلكون أدوات حديثة في التعبير عن معاناتهم، وصارت صورهم وأسماؤهم تعبر العالم متسربة من بين الجدران السوداء، فصور “قيصر” حملت أرواح أولئك المعتقلين الذين قضوا وهم يتوسلون إلى جلاديهم من أجل قليل من الرحمة، أو قليل من الإحساس أو الشعور الوطني، أو قليل من هواء الزنزانة الأسود، ولكن غرور جلادي الأسد منعهم حتى من التقاط لحظة تنفس قبل رحيلهم المأساوي.

عادت صور المعتقلين عبر مظاهرات السوريين ومطالبتهم بالحرية، وعادت عبر المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، عادت صور المعذبين لتطارد جلاديها عبر قانون “قيصر” لتخنق النظام وداعميه، ولم يعد الصمت واردًا بحجة أن النظام سيخنق الشعب انتقامًا من قانون “قيصر”، فالنظام لم يترك شيئًا لم يفعله، فقد دمّر البلاد، وهجّر أهلها، ولا يزال مصرّا على العودة إلى أيام حافظ الأسد التي كانت تنعم بالصمت إلى حد الخنوع!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة