هل يرسم اقتتال إدلب مصير “الجماعات الجهادية” فيها؟

camera iconمقاتل من قوات النخبة في "هيئة تحرير الشام" 2020 (إباء)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

أفغانستان، الشيشان، البوسنة، العراق، وغيرها من الدول التي شهدت حروبًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، محطات كانت تشكيلات وفصائل عمادها “الجهاديون” من أبرز الجهات المشاركة في العمليات العسكرية.

قتال شرس في أرض المعارك، وسمع وطاعة للقائد، أكسب “الجهاديين” شهرة على المستويات المحلية في الدول التي خاضوا فيها معارك، خاصة “المهاجرين” الذين تركوا كل شيء لهدف رسموه سابقًا وفق عقيدة ترسخت في عقولهم.

انتقلت بعض هذه الجماعات بخبرتها العسكرية ومقاتليها إلى سوريا، مع قياديين قاتلوا في بلدان سابقة، وبدأت تحركات هذه الجماعات تظهر إلى العلن في العام 2012، مع تبنيهم عمليات متفرقة في سوريا، أبرزها الهجوم على قيادة الأركان في العاصمة دمشق، الذي تبنته “جبهة النصرة لأهل الشام”، التي تحولت بعد فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” واندماجها مع عدة فصائل عام 2017 إلى “هيئة تحرير الشام”.

وبعد حل فصائل واندماج أخرى ومعارك وانحسار سيطرة المعارضة السورية، انحصر نفوذ الفصائل “الجهادية” حاليًا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، التي تسيطر عليها أيضًا فصائل “معتدلة” من “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، وشهدت اقتتالًا خلال الأسبوع الحالي بين أكبر فصيل في المنطقة (تحرير الشام) وعدة “جماعات جهادية” بعضها يتبع مباشرة لتنظيم “القاعدة”.

واعتقلت “تحرير الشام” قياديين بارزين في هذه الجماعات، بعضهم أجانب، بعدما كانوا حلفاءها على مدى السنوات السابقة، ما فتح باب التساؤل حول مستقبل هذه الفصائل، وهل تحل نفسها، أم تنتقل إلى خارج سوريا، أم تقاتل وتحارب حتى النهاية.

تعامل يحتاج إلى اهتمام دولي

الباحث والخبير في “الجماعات الجهادية” حسن أبو هنية، أوضح لعنب بلدي أن مستقبل الحركات “الجهادية” في سوريا هو رهن بتطورات الديناميكيات (سير الأحداث والتطورات والقرارات) الداخلية، إضافة للديناميكيات الدولية التي هي الأهم، خاصة بالاتفاقات بين القوى الأكثر فاعلية بالملف السوري وتحديدًا تركيا وروسيا.

وسبق لهاتين الدولتين الطلب مبكرًا، منذ محادثات “أستانة” في العاصمة الكازاخية، من الدول الضامنة لأطراف الصراع في سوريا (التي تجمعهما إلى جانب إيران) ثم في “سوتشي”، تفكيك هذه الجماعات، وبالتالي دمج “هيئة تحررير الشام” في إطار “الجيش الوطني السوري” والمرحلة الانتقالية، لكن كل هذا مشكوك فيه.

والتعامل مع المقاتلين “الجهاديين”، خاصة الأجانب، معضلة دائمًا منذ أفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان، بحسب “أبو هنية”، لكن هذا كله يمكن التوصل إلى اتفاق حوله لو كان هناك اهتمام بحل للمسألة السورية، الذي لم يوجد حتى الآن إلا باتفاقات تكتيكية أو موضعية، دون حلول استراتيجية.

ويرى “أبو هنية” أنه لا يوجد هناك اهتمام دولي كبير بالملف السوري، وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية فيما يسمى مسألة “محاربة الإرهاب” هو تأمين حدود إسرائيل ومواجهة النفوذ الإيراني، لذلك هي غير معنية كثيرًا بمستقبل كبير لهذه الجماعات.

كما أن روسيا وتركيا لديهما ملفات شائكة ومصالح متضاربة أيضًا، وهذا كله رهن المستقبل، وحتى الآن لا يوجد هناك وضوح تمامًا حول مستقبل شمال غربي سوريا، وبالتالي تبقى مصير الجماعات رهن الاتفاقات الإقليمية والدولية.

ولا تنحصر قوة هذه الجماعات بوجودها أو قوتها الذاتية بشكل أساسي، وإنما تمتلك قوة موضوعية بعدم وجود أي تصورات حول مسألة حل نهائي، حسب “أبو هنية”.

تخريج دورة لقوات النخبة في “هيئة تحرير الشام” – 18 أيار 2020 (إباء)

“تحرير الشام” تصارع للبقاء

وتحاول “تحرير الشام” أن تبرهن أنها تتكيف مع الشأن الداخلي، وتريد أن يكون لها أي نصيب في أي عملية مستقبلية، لذلك نشاهد دائمًا، حسب “أبو هنية”، أن هناك خطًا  لها مع الأتراك، لكن العلاقات لا تتمتع بثقة كافية.

كما تحاول “تحرير الشام”، بقيادة “أبو محمد الجولاني”، أن تبعث رسائل، سواء كانت دولية أو إقليمية، كما حدث في لقاء “الجولاني” الأخير مع “مجموعة الأزمات الدولية”، الذي أكد فيه أن جماعته حركة محلية ولا تمارس “الإرهاب” الخارجي.

ووصف “الجولاني”، في مقابلة مع موقع) “Crisis Group” مجموعة الأزمات الدولية)، في 20 من شباط الماضي، العلاقة مع تنظيم “حراس الدين” (الجماعة التي يقاتلها اليوم) بأنها “معقدة”، لكن تم إلزامهم بعدم استخدام سوريا كـ”منصة انطلاق للجهاد الخارجي”، والاعتراف بحكومة “الإنقاذ”، التابعة لـ”الهيئة” أمنيًا وعسكريًا، وفق تصريحاته.

لذلك فـ”الجولاني” يقدم نفسه للأتراك والروس بأنه يستطيع أن ينهي أي مظاهر لحركات عابرة كما هي الحال في غرفة عمليات “فاثبتوا” (المشكّلة حديثًا من مجموعة من الجماعات الجهادية وعلى رأسها قادة كانوا في تحرير الشام)، وتحديدًا تنظيم “حراس الدين” فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، وشوهد ذلك عبر الصدامات أو الاعتقالات وحتى المعارك المباشرة وعمليات القتل بين الجانبين، بحسب “أبو هنية”.

لكن الباحث في شؤون الجماعات الجهادية ينفي أن تكون هناك محددات نهائية للاقتتال، أو أن تكون هناك مواجهة شاملة، رابطًا استمرار هذه الحال بالاتفاقيات الدولية.

صراعات فيما بينها.. هل تؤدي إلى حلها؟

وتدخل “الجماعات الجهادية” دائمًا في صراعات مع بعضها على أسس أيديولوجية، وعلى أسس الهيمنة والسيطرة على قضايا عديدة.

وكانت كل هذه الحركات موجودة ضمن “هيئة تحرير الشام” منذ تأسيس “جبهة النصرة”، وخرجت تباعًا، سواء بعد فك الارتباط بـ”القاعدة”، أو على خلفية قضايا داخلية بإدارة المناطق في إدلب وشمال غربي سوريا، أو بسبب الاعتراض على الأيديولوجيا بعد الاتفاقات الروسية- التركية، وبشكل خاص اتفاق آذار الماضي بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في العاصمة الروسية موسكو.

وانشق إثر هذا الاتفاق عدد من قيادات “تحرير الشام”، كـ”أبو مالك التلي” الذي شكّل لاحقًا فصيل “لواء المقاتلين والأنصار”، و”أبو العبد أشداء” الذي أنشأ فصيل “تنسيقية الجهاد”، وانضما إلى غرفة عمليات “فاثبتوا”، في 12 من حزيران الحالي، التي ضمت أيضًا كلًا من تنظيم “حراس الدين”، و”جبهة أنصار الدين”، و”جبهة أنصار الإسلام”.

بعد انضمام “التلي” إلى غرفة عمليات “فاثبتوا” اعتقلته “تحرير الشام”، في 22 من حزيران الحالي، مبررة ذلك بأنه كان يحاول “إضعاف الصف وتمزيق الممزق”، كما اعتقلت القيادي في صفوف “أنصار الدين” سراج الدين مختاروف، المعروف بـ”أبو صلاح الأوزبكي”، في 18 من حزيران الحالي، وهو مطلوب لـ”الإنتربول” الدولي.

طالبت بعدها “فاثبتوا” من “تحرير الشام” بالإفراج الفوري عن “التلي”، وهددت بالتصعيد، لكن “الهيئة” لم تستجب لمطالبها.

تصاعد التوتر بين الطرفين بعد نشر حواجزهما، وتطور لاشتباك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، في 23 من حزيران الحالي، كما استخدمت “تحرير الشام” الأسلحة الثقيلة في بعض الأحيان.

ولاقى ذلك ردود فعل غاضبة من قبل شخصيات دينية وعسكرية في إدلب، ودعت إلى وقف القتال بين الطرفين وتشكيل قيادة واحدة.

واستمرت الاشتباكات بين الطرفين لأيام، لتنتهي بتوقيع ثلاثة اتفاقات بمناطق مختلفة، في 25 من حزيران الحالي.

الاتفاق الأول كان في منطقة عرب سعيد وسهل الروج غربي إدلب، ونص على وقف إطلاق النار بين الطرفين في هاتين المنطقتين، ورفع الحواجز والاستنفار، على أن يبقى أبناء قرية عرب سعيد بسلاحهم الشخصي، ويخرج من أراد الخروج منها بسلاحه الشخصي أيضًا.
كما يُحال بعض العناصر المدعى عليهم من الطرفين إلى فصيل “الحزب الإسلامي التركستاني” للنظر في أمرهم قضائيًا.

إضافة إلى إغلاق مقر تنظيم “حراس الدين”، أحد فصائل غرفة عمليات “فاثبتوا”، في عرب سعيد، وتعهّد الأخير بعدم نشر أي حواجز في المنطقة.

الاتفاق الثاني في مناطق الحمامة واليعقوبية والجديدة غربي إدلب أيضًا، وتضمّن إخلاء فوريًا لمقرات “حراس الدين” باستثناء مقر واحد، ومنع نشر الحواجز إلا من قبل إدارة المعابر، والإفراج عن أحد العناصر، وإحالة بعضهم إلى القضاء.

الاتفاق الثالث شمل مناطق حارم وأرمناز والشيخ بحر وكوكو شمالي إدلب، وكان نصه مشابهًا للاتفاق الثاني.

وسبق الاتفاق إعلان غرفة عمليات “فاثبتوا” قبولها دعوات وقف القتال ضد “تحرير الشام” لكن بضمانة كتيبتي “جنود الشام” و”أحفاد القوقاز”، لمدة ثلاثة أيام.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة