“افتحوا يا كفار نحن جند الخلافة”.. شهادات حول أربعاء السويداء “الدامي”

camera iconمجلس عزاء ضحايا هجوم تنظيم "الدولة" على السويداء- 10 تشرين الثاني 2018 (سانا)

tag icon ع ع ع

السويداء – ريان الأطرش

أثارت الأضواء اللامعة من البادية قلق “رهف”، فرغم ظهورها المتكرر خلال الأيام السابقة، إلا أن اقترابها تلك الليلة في 25 من تموز عام 2018 من قريتها الواقعة في ريف السويداء الشرقي لم يكن “طبيعيًا”، ولم تتمكن من النوم حتى أكد لها أحد عناصر فرق “الدفاع الوطني” ألا داعي للقلق فما هي إلا سيارات جيش النظام السوري “حامي الأقليات”.

ما وصل مع فجر يوم الأربعاء لم تكن سيارات الجيش، ولكنها آليات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذين ارتكبوا أكبر المجازر بحق طائفة الموحدين الدروز ذلك النهار، في ظل شكوك بتواطؤ النظام السوري مع التنظيم للضغط على المحافظة، التي لم يستطع النظام تطويعها.

لمراجعة ما حدث في ذلك اليوم، التقت عنب بلدي بشهود عيان من أهالي القرى التي تعرضت للهجوم ومن المقاتلين المحليين الذين صدوا عناصر التنظيم، وبناشطين وموظفين عسكريين، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم الحقيقية لأسباب أمنية.

مؤازرات أهلية بلا دعم الجيش

استيقظت “رهف” قرابة الساعة الرابعة فجرًا في الظلام على صوت التكبيرات وطلقات البنادق، ونظرت من نافذتها لترى مسلحين يوقعون جارها أرضًا ويفرغون في جسده الرصاص، قبل أن يتجهوا نحو بيتها هاتفين: “افتحوا يا كفار نحن جند الخلافة وهذه الأرض ملكنا”.

لم يملك أهالي قرى المتونة وشبكي وطربا وداما والشريحي والغيطة ما يدافعون به عن أنفسهم، بعد أن سحب النظام السوري أسلحتهم قبل أيام، حسبما قال موظف في محكمة الاستئناف بمحافظة السويداء لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن عشرات الشباب قدموا طلبات للمحكمة اعتراضًا على قرار السحب، الذي برره المسؤولون بتوقف الخطر الذي كانت تمثله فصائل “المعارضة” في درعا، بعد سيطرة النظام عليها في 18 من تموز عام 2018.

وتزامن هجوم عناصر التنظيم مع قطع الكهرباء وشبكة الإنترنت عن القرى المستهدفة دون مبرر، وانسحاب القطع العسكرية التابعة للنظام السوري من المنطقة نحو درعا منذ 27 من حزيران، رغم استمرار المعارك ضد تنظيم “الدولة” الذي كان يسيطر على 50% من بادية السويداء.

لكن بعد انتشار خبر هجوم التنظيم على قرى الريف الشرقي بدأ وصول المؤازرات من أهالي المحافظة، مع وصول مجموعات مقاتلة من جرمانا في دمشق، ومن قرى جبل الشيخ، ومن لبنان.

تحصن عناصر التنظيم في نقاط “حساسة”، حسبما قال أحد المقاتلين الذين شاركوا في المعركة، لعنب بلدي، وبحسب شهادات الأهالي فإن العناصر كانوا قد اختاروا تحصيناتهم بدقة قبل الهجوم، مع توجههم إلى بيوت دون غيرها، منادين أصحابها بأسمائهم لفتحها، قبل الدخول وقتل السكان، واستخدام الأسطح من قبل القناصين لإطلاق النار على تجمعات الناس ومن يحاول الهرب.

استمرت المعركة ساعات طويلة، وانتهت بخطف عناصر التنظيم 35 مدنيًا من أهالي القرى المستهدفة، معظمهم من النساء والأطفال، وسقوط 215 قتيلًا و118 جريحًا، وثقت أسماءهم “مديرية صحة السويداء”، ولم يكن بينهم أي عنصر من عناصر “الجيش السوري”، الذي قالت وسائل الإعلام الرسمية إنه يصد عناصر التنظيم ويحمي السويداء.

تبنى تنظيم “الدولة” عبر بيان نشرته وكالة “أعماق”، في 25 من تموز عام 2018، مسؤوليته عن الهجوم، زاعمًا مهاجمة مواقع لقوات النظام وإيقاع قتلى منهم، في حين أكدت هويات الضحايا أن أغلبهم من المدنيين.

“انتصار” للنظام أم “مسؤولية”

سارع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، برفقة حليفه الروسي، لإدانة “الجريمة” التي سببتها “الدول الداعمة للإرهاب” في السويداء، في 25 من تموز 2018، متجاهلًا الاتهامات التي وُجهت للنظام بمسؤوليته عن هجمة التنظيم.

وكان النظام السوري نقل أكثر من 800 من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” من جنوبي دمشق إلى بادية السويداء، في 22 من أيار ذلك العام، ضمن اتفاق لوقف المعارك في مخيم “اليرموك”، وتبعت تلك الخطوة زيارة وفد روسي للمحافظة، في 23 من حزيران، لطلب حل الفصائل المحلية التي حافظت على استقلالية المنطقة وحياديتها خلال سنوات النزاع، دون جدوى.

ضمنت الفصائل المحلية، ومن أبرزها حركة “رجال الكرامة”، تجنب سحب أبناء المحافظة إلى الجيش، والابتعاد عن المشاركة في حملاته على المناطق التي كانت تخضع لسيطرة “المعارضة”، وأعلنت مرارًا وقوفها بوجه مخططات النظام السوري للسيطرة على المنطقة واستخدامها لتحقيق مصالحه.

وسبقت الهجوم على المحافظة زيارة رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، العميد وفيق ناصر، لمنطقة الكراع شرقي السويداء، التي يوجد فيها عناصر التنظيم، حسبما قال أحد مرافقيه السابقين لعنب بلدي، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي حينها صورة تجمع العميد مع “أبو صدام العتيباني”، أحد أمراء التنظيم.

وأضاف شهود العيان أن عناصر التنظيم استثنوا بهجماتهم بيوت قادة حزب “البعث” في المنطقة، وفي اتصال أجراه أحد المسؤولين في الأمن العسكري بمختار قرية شبكي في السابعة صباحًا من يوم الهجوم، طلب الاحتفاظ بـ”كاميرا” سقطت من عناصر التنظيم في أثناء هجومهم، قائلًا إنها “أمانة لديكم وبدنا ياها”.

نفى المختار رضوان أبو عمار معرفته بالكاميرا ذلك اليوم، إذ كان من التقطها هو الصحفي مشير فياض، الذي قال لعنب بلدي إنها كانت سببًا في اعتقاله من قبل فرع الأمن العسكري، وهي تظهر وجوه عناصر التنظيم في أثناء هجومهم، واستعادها من أهالي القرية فصيل يتبع للنظام السوري، في حين هدد حينها أمين الفرقة الحزبية، محفوظ جباعي، أهالي القرية في حال أفصح أحدهم عن تلك المعلومات.

لم يقبل أهالي المنطقة بالتهديد وطردوا الوفد الحكومي، الذي أتى بعد الهجوم لتقديم العزاء ونسب الفضل بطرد التنظيم لجيش النظام، حسبما ظهر في مقطع للفيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي حينها.

واتهم أهالي المنطقة النظام السوري بالتقاعس عن مهاجمة التنظيم واكتفائه بطلعات “خجولة ومتأخرة” للطيران الحربي، “كانت تسقط حمولتها بأماكن بعيدة عن مقاتلي التنظيم” بحسب شهاداتهم، إضافة إلى مماطلته بالتفاوض لإطلاق سراح المختطفين والمختطفات، الذين دامت محنتهم نحو ثلاثة أشهر ونصف، قبل عودة معظمهم إلى بيوتهم، ووقوع عدد منهم قتلى جراء الإصابة أو بالإعدام المباشر.

وقال أقرباء الرهائن المقتولين إنهم لم يتسلّموا جثامين قتلاهم بعد، رغم الوعود المستمرة من النظام السوري، في حين “أرهب” مسؤولون في حكومة النظام، بينهم وزير شؤون الرئاسة، منصور عزام، وعضو مجلس الشعب معين نصر، أهالي المخطوفين، حتى اقتادوهم إلى قصر الرئيس “لشكره” على تحريرهم.

بين اليوم والأمس السويداء ما زالت “ثائرة”

زار وفد النظام السوري في الذكرى الثانية للمجزرة القرى التي استهدفها التنظيم، ولكنه لم يقابَل بالترحيب والامتنان، وإنما أرسل أهالي قرية طربا تحذيرًا لهم بالابتعاد عن قريتهم، حسبما قال أحد أبناء القرية لعنب بلدي، مشيرًا إلى الألم الذي خلّفه الهجوم على أهاليها.

وقال الناشط السياسي جايد عزام، إن محاولات نسب النظام السوري الانتصار في المعركة له “فاشلة”، لأنها تركت جروحًا وآثارًا عميقة في النفوس، ورسّخت نظرة الأهالي للحكومة بـ”الفساد والاستبداد”.

ويرى الناشط مؤيد فياض أن الدافع وراء الهجوم كان “معاقبة” النظام السوري للمحافظة التي رفضت إطاعته ومشاركته بالهجوم على الشعب السوري.

وشهدت محافظة السويداء منذ بداية العام الحالي مظاهرات نددت بسوء الأحوال المعيشية وهتفت بـ”إسقاط النظام”، وتعرضت لقمع القوات الأمنية واعتقال عدد من المشاركين فيها، الذين أُفرج عنهم بعد توقف الاحتجاجات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة