نساء الرقة محرومات من العمل في الأماكن السياحية.. لماذا؟

camera iconجلسة حوارية بعنوان "مشاركة المرأة في العمل" أقامها "مركز تنمية المرأة" (مجلس الرقة المدني)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – الرقة

كانت “أم عبير” تعمل في أحدى المقاهي بمدينة الرقة،  لإعالة خمسة أطفال أكبرهم يبلغ 16 عامًا، لكنها خسرت هذا العمل بعد قرار لـ”الإدارة الذاتية” بمنع عمل النساء في المواقع والمنشآت السياحية.

لا تمتلك العائلة مصدرًا آخر للدخل، فـ”أم عبير” مطلّقة وتؤوي أطفالها في منزل تدفع إيجاره شهريًا، مستفيدة من راتبها الذي يبلغ 3500 ليرة سورية (الدولار يقابل 2200 ليرة سورية) مقابل عشر ساعات عمل يوميًا.

وكان تعميم صادر عن “لجنة المرأة” في “مجلس الرقة المدني” التابع لـ”الإدارة الذاتية في شمالي وشرقي سوريا”، في 4 من آب الحالي، بالتنسيق مع “لجنة الثقافة والآثار”، منع تشغيل المضيفات “منعًا باتًا”، في المواقع والمنشآت السياحية كافة، من مطاعم و”كافيتيريات” وفنادق، مع تعرض مخالفي القرار للمساءلة القانونية، وغرامة مالية تقدر بـ500 ألف ليرة سورية.

لا مصدر آخر للدخل

اشتكت “أم عبير” (تحفظت على اسمها الصريح لأسباب أمنية) من القرار الجديد، معتبرة أنه يستهدف العمال الفقراء فقط، وطالبت المسؤولين عنه بالسماح للسيدات الملتزمات بالآداب العامة بالعمل، وطرد الفئات التي تعمل بقصد الإخلال بالأدب من أماكن العمل، وعدم السماح لهن بالعمل.

واستنكرت السماح للنساء في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” بحمل السلاح، وارتياد معسكرات التدريب، والعمل في حواجز مختلطة، متسائلة، “لماذا تُحارَب النساء العاملات بهذه الطريقة المهينة وتُقطع أرزاقهن وأرزاق أبنائهن”، بحسب تعبيرها.

قرار غير مدروس

اعتبر يوسف الجاسم (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو شاب يعمل في “كافيتيريا” وسط مدينة الرقة، أن قرار إيقاف عمل المضيفات هو سياسة جديدة للضغط على المدنيين في أعمالهم، وتدخل في خصوصية وحرية المرأة.

وقال لعنب بلدي، إن ما يحق للرجل يحق للمرأة، مشيرًا إلى حاجة النساء في الرقة إلى العمل، ولذلك تنضم سيدات من المدينة إلى الحواجز العسكرية وجبهات القتال لدى “وحدات حماية المرأة” أحد الفصائل المنضوية في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

واعتبر “أبو عيسى العثمان”، وهو صاحب “كافيتيريا” في مدينة الرقة، أن القرار الذي أصدرته “الإدارة الذاتية” غير مدروس، فالعمل لا يُنقص من قيمة المرأة في المدينة، بحسب تعبيره، وهي إلى جانب الرجل في جميع أماكن العمل.

وقال لعنب بلدي، إن المرأة تعمل بشكل مشترك مع الرجال في جميع المؤسسات التي تديرها “الإدارة الذاتية”، متسائلًا “لماذا لم تمنعهم قرارات مماثلة من العمل؟”.

ولا يرى “أبو عيسى” مانعًا من توظيف مضيفات في “الكافيتيريات” والمقاهي التي تلتزم بالقوانين والأنظمة والآداب العامة.

“لحفظ كرامة المرأة”

ويأتي هذا القرار بعد القرار “رقم 5” الصادر، نهاية تموز الماضي، عن “مجلس الرقة المدني” و”لجنة الصحة”، والذي يقضي بمنع التجمعات العامة للمدنيين في المقاهي و”الكافيتيريات”، وأخذ أسباب الحيطة والتباعد الاجتماعي في المتنزهات والأماكن العامة للحد من انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، بحسب ما أوضحه الإعلامي في “مجلس الرقة المدني” أسامة الخلف، لعنب بلدي.

وقال الخلف، إن السبب وراء إصدار القرار هو انتشار ظاهرة عمل المضيفات بشكل كبير في المدينة، و”الخوف” على الفئة الشابة من “الانجرار وراء هذه الأماكن”، بحسب تعبيره، على الرغم من قيام “الرقابة السياحية” بجولاتها للتأكد من شروط عمل المضيفات في المقاهي.

وأضاف أن القرار اُقترح قبل فترة حظر التجول، وصدر لأسباب “منطقية وأخلاقية تصون وتحفظ كرامة المرأة في العمل، وتمنع استثمار ظاهرة عملهن كمضيفات”، وهو “رؤية حقوقية ضد التنمر في المجتمع الذي يمكن أن يُمارس على المضيفات في المواقع السياحية” جرى اعتمادها بعد نقاشات مطولة مع أصحاب المقاهي و”الكافيتيريات”، وتلقي ردود فعل إيجابية.

تنص المادة 120 من قانون العمل السوري رقم 17 للعام 2010 على أنه يتم تحديد الأعمال والأوقات التي لا يجوز تشغيل النساء فيها لأسباب صحية أو أخلاقية أو غيرها، بقرار من الوزير المختص.

ما البدائل؟

كبديل للنساء اللواتي لا يحملن شهادات دراسية تخولهن العمل، تنظم “لجنة المرأة” في “الإدارة الذاتية” ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المنطقة مشاريع، وخاصة للأرامل منهن والمطلقات والكبيرات في السن.

بينما افتتحت “لجنة الشباب والرياضة” دورات تعليمية، في قطاعات التمريض والإسعافات الأولية والحاسوب للشابات، ونظمت “لجنة المرأة” مشاريع خبز معجنات وزراعة بقليات، بالإضافة إلى دورات تعليم الخياطة والتطريز، مُنحت بعدها الخريجات ماكينات خياطة للعمل، إلى جانب دورات توعوية وتنموية أخرى، لدعم المرأة، بحسب الخلف.

وعلى اعتبار أن “عمل المضيفات في المقاهي أمر غير مقبول جملة وتفصيلًا من قبل مجتمع الرقة العشائري والمتدين”، وفقًا للخلف، تتوفر بدائل ومجالات أخرى يمكن للسيدات العمل فيها، فتستطيع المرأة الأمية العمل بالحراج والمشاتل الزراعية، بالإضافة إلى رياض الأطفال والحضانة، والعمل بمجال التعقيم والنظافة في المستشفيات الخاصة والعامة.

وأشار الخلف إلى أن “مجلس الرقة المدني “و”لجنة المرأة” معنيان بتأمين فرص عمل تسهم في “رفع مستوى المرأة وصيانة حقوقها”.

ولفت الخلف إلى اختلاف الأجور والرواتب التي تتقاضاها المرأة في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” بحسب الجهة التي تعمل لديها، إذ تتقاضى العاملة في مؤسسات ومراكز “المجلس المدني” راتبًا قدره 233 ألف ليرة سورية، بينما يتراوح راتب المرأة التي تعمل في مشاريع مدعومة من منظمات مجتمع مدني بين 200 و300 دولار أمريكي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة