ملامح الثقافة المدنية

no image
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 40 – الأحد 25 تشرين الثاني 2012

برزت المدنية كمفهوم مرتبط بالتحضر، وبالانسلاخ التدريجي عن العلاقات البدائية واستطاع الإنسان أن يقرن سعيه نحو إنتاج هذا المنحى في حياته بإنتاج قيم جديدة تتقاطع 

مع ما يحقق إنسانيته، كالعدالة والخير والجمال لينعكس ذلك على سلوكه، وتعاطيه مع محيطه بحيث تصبح هذه القيم والتماس تحقيقها بوصلة لهذا الإنسان.

يعتبر احترام القانون أهم شروط المدنية، لأن ما يميز المدنية عن غيرها من صيغ جامعة للبشر هو وجود قوانين ناظمة يضعها الإنسان لتخدمه، وتحقق مصالحه الحيوية ويزيلها إن أصبحت عائقًا في وجه نزوعه نحو التقدم، ويعدّلها لتوائم سعيه الخلّاق إلى السعادة والخير.

احترام الوقت أيضًا قيمة كبرى لدى البشر المتمدنين لارتباطه العضوي مع التنظيم، والقطع مع الفوضى والتسيب، وهذا ما نلحظه بشكل كبير في المجتمعات الغربية بينما نرى العكس في مجتمعاتنا متلازمًا مع بؤس مدني طاغ يسهم في استدامة سطوة الأنظمة الشمولية.

يشكل الفرد الخلية الأصغر في المجتمع، وإذا ما أراد هذا المجتمع أن يكون مدنيًا يجب أن يراعي خصوصية الفرد، وطموحاته الخاصة إذا ما كانت مضبوطة بالقانون على عكس ما يطرحه الشموليون من وجوب إحراق الفرد ومصالحه في سبيل إعلاء الشأن الجمعي.

فالثقافة المدنية تتشكل بتراكم العمل المدني من جهة، وبالتزام أكبر عدد من الأفراد بالقيم المدنية، ولا يصح إهمال أي جهد أو فكرة تخدم هذا التوجه، فالرجل الذي يبقي الكيس في يده ويمشي به عشرين مترًا ليلقيه في سلة القمامة مثقف مدنيًا، والأم التي تعلم أولادها على احترام إشارات المرور مثقفة مدنيًا، والشاب الذي لا يؤذي جاره المريض بالموسيقا الصاخبة مثقف مدنيًا.

كما تتلازم الثقافة المدنية مع القيم الديمقراطية كاحترام الآخر، والعمل المؤسساتي ونبذ التسلط والعنف.

ليس بالضرورة أن يكون الإنسان مرفهًا اقتصاديًا حتى يكون مدني التوجه، بل قد يستطيع الإنسان ذو الدخل المحدود أن ينظم حياته ويحسن من دخله من خلال التزام القيم المدنية، فتنظيم الوقت لدى الإنسان سينعكس بالضرورةعلى دخله ومستواه الاقتصادي.

استطاع النظام السوري أن يعزز الفجوة المدنية في المجتمع من خلال فرض سياسات اقتصادية مجحفة، فنمت ظاهرة هجرة أهل الريف إلى المدن الكبرى واستوطنوا في أحزمة فقر كبيرة بحيث لم يستطيعوا تنمية مناطقهم الأصلية والانتقال بها نحو التمدن، ولا هم استطاعوا التماهي مع الثقافة المدنية في مناطق تواجدهم الجديدة، وبذلك تم ترييف المدن وانعكس ذلك على الفكر والمعيشة والتعاملات، ونما الفساد وعلاقاته وفق مخططات مدروسة تجعل تفكير الإنسان منصبًا على تأمين لقمة عيشه فحسب، حتى يستطيع المجتمع السوري أن ينتج ثقافة مدنية يتوجب عليه القطع مع كل ما انتجه الاستبداد من موروث فاسد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة