دروس بديلة لمناهج "الإدارة" 

القامشلي.. “الخصوصية” بمئات الآلاف وبالدولار أيضًا

camera iconطلاب يرغبون بالتسجيل في إحدى الدورات بمدينة القامشلي بمدينة الحسكة شمالي سوريا- 24 من حزيران 2021 (صفحة "معهد هانزا" عبر "فيس بوك")

tag icon ع ع ع

القامشلي – مجد السالم

بحسرة بادية على وجهه، يتمنى عبد الجليل عليوي (56 عامًا) لو أن ابنه استطاع مجرد النجاح في امتحان الشهادة الثانوية (البكالوريا)، الفرع العلمي للعام الحالي، للتخلص من التكاليف “الباهظة” التي تكبدها في تدريسه خلال العام الماضي تحضيرًا للامتحان.

عبد المجيد الذي يمتلك محلًا لبيع المواد الغذائية في مدينة القامشلي، يشتكي من الأسعار المرتفعة للدورات الخصوصية، التي “أصبحت ضرورة لا غنى عنها” بعد إغلاق “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا المدارس التي تدرّس مناهج النظام السوري، ما يجبر الأهالي على التوجه إلى المعاهد والدورات الخصوصية.

دفع عبد المجيد نحو مليوني ليرة سورية تكاليف دورات خصوصية لابنه طالب “البكالوريا”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، واصفًا الوضع في المنطقة بأنه “كارثي وفيه استغلال بشع لحاجة السكان إلى التعليم من قبل المدرّسين وأصحاب المعاهد الخاصة”.

“المنزلية” بآلاف الدولارات

مهند حكيم، طالب في الصف الثاني الثانوي، وهو مسجل حاليًا في أحد المعاهد الخاصة، تحدث لعنب بلدي عن الأقساط “المرتفعة” التي يدفعها لقاء دورات “البكالوريا”.

ويدفع الطالب 200 ألف ليرة سورية لمادة الرياضيات، و150 ألفًا للفيزياء، و125 ألفًا للكيمياء، ومثلها للعلوم، و150 ألفًا للغة العربية.

وأوضح الطالب أنه ينبغي دفع كامل المبلغ عن كل مادة على دفعتين فقط، مشيرًا إلى وجود عدد قليل من المعاهد في القامشلي، وهي تشهد اكتظاظًا في الصفوف رغم المبالغ “الكبيرة” التي يدفعها الأهالي.

وتضم بعض الصفوف نحو 45 طالبًا، ما يؤثر على جودة العملية التدريسية، التي “أصبحت تجارية”، بحسب وصف الطالب.

وقال مهند، إن أجور الدورات المنزلية الخاصة تختلف حسب الفرع، أدبي أو علمي، والأخير أجور دوراته أغلى.

وتبلغ تكلفة دورة الفيزياء المنزلية 2000 دولار أمريكي، والرياضيات 2500 دولار، وبعض المدرّسين يتقاضون 4000 دولار عن المادة.

الطلب يُدخل غير الاختصاصيين

قانع محمد (27 عامًا) ترك وظيفته كمهندس بترول في مدينة الرميلان قبل ثلاث سنوات، بعد استدعائه إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية، وهو ما رفضه، ولم يندم على خسارة وظيفته التي درس لسنوات من أجل الحصول عليها، ليعمل كمدرّس لاحقًا.

وقال محمد لعنب بلدي، إن تفوقه في المواد العلمية يؤهله ليكون التدريس بديلًا عن وظيفته التي خسرها، وهو سعيد بقرار ترك الوظيفة التي “تستهلك كل نهاره من الصباح وحتى المساء”.

وبينما كان يحصل على ما يعادل 18 دولارًا فقط كراتب شهري، يحصل الآن على أضعاف ذلك الراتب، ووقته ممتلئ لدرجة أنه يعتذر عن عدم استقبال المزيد من الطلاب، بحسب ما أضافه.

ويُدرِّس محمد صباحًا في المعاهد الخاصة، وفي المساء يقدم الدورات في منزله بعد أن خصص إحدى الغرف من أجل ذلك، ويعلّم مختلف الصفوف من الابتدائي وحتى الصف العاشر، وتساعده في ذلك زوجته التي تحمل إجازة في الهندسة الزراعية.

يتحدث محمد عن عشرات الأشخاص لا يحملون شهادات في مجال التدريس تحولوا إلى هذه المهنة، “فالكل (الجميع) صار يعمل في مجال الدورات”، ويكفي أن يمتلك الشخص إجازة جامعية، بغض النظر عن الاختصاص نتيجة “العدد الكبير من الطلبة والدخل المرتفع الذي تحققه هذه المهنة”.

لماذا ارتفعت الأجور

عنب بلدي تواصلت مع أحد المعاهد في مدينة القامشلي للوقوف على أسباب ارتفاع أجور الدورات لطلبة التاسع و”البكالوريا”، وعدم مراعاة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها الأهالي في المدينة.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها من إدارة المعهد، يعود ارتفاع الأجور إلى العدد الكبير من الطلاب الذين تركوا المدارس التي سيطرت عليها “الإدارة الذاتية”، واضطروا إلى الالتحاق بالمعاهد الخاصة.

إذ يوجد مئات الطلاب الذين يتوجهون إلى هذه المعاهد يوميًا، يبدي ذووهم استعدادهم لدفع أقساط التدريس وسط غياب أي حلول بديلة، الأمر الذي يستغله بعض المدرّسين لوضع الأجور “دون حسيب أو رقيب”.

وأوضحت الإدارة أن المعهد يأخذ 40% فقط من قيمة أقساط الدورات، بينما تذهب الـ60% الباقية للمدرّس.

سامي، معلّم رياضيات من القامشلي، قال لعنب بلدي إن عددًا قليلًا من المدرّسين يستغلون الظروف فعلًا، لكن الأغلبية يتقاضون أجورًا “معقولة” مقابل الدروس الخصوصية.

ويرى المدرّس أن زملاءه يستحقون هذه الأجور، لأنهم يعملون رغم التهديدات الأمنية من قبل “الإدارة الذاتية”، التي تطالبهم بالكفّ عن تدريس مناهج النظام.

وتحدث المدرّس عن اعتقال “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) العديد من المدرّسين، لتفرج عنهم لاحقًا بعد إجبارهم على توقيع تعهد شخصي بعدم تدريس وشرح مناهج النظام.

وأشار إلى أن العاملين في القطاع التعليمي يعانون كغيرهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء، ما يجبرهم على رفع الأجور.

وتسيطر “الإدارة الذاتية” على معظم المدارس في القامشلي وبقية مدن الحسكة وبمختلف المراحل، وتفرض مناهج خاصة بها غير معترف بها إلى الآن.

واعتقلت القوات الأمنية التابعة لها عدة مرات من يدرّس مناهج النظام، ما يجبر السكان على تسجيل أبنائهم في معاهد، أو ضمن دورات خاصة منزلية مكلفة جدًا، لكن نتائج الثانوية للعام الحالي كشفت أن بعض المسؤولين في “الإدارة” أرسلوا أبناءهم إلى مدارس النظام، الأمر الذي أثار جدلًا بين الأهالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة