قرارات “المركزي” تطوّع اقتصاد سوريا لمصلحة النظام

camera iconمصرف سوريا المركزي (Getty)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

يصدر مصرف سوريا المركزي، منذ مطلع أيلول الحالي، العديد من القرارات التي تخدم مصالح النظام الاقتصادية، بتجميد الأموال في خزائنه وتعويض احتياطي الدولار.

وفي 31 من آب الماضي، فرض المصرف شروطًا جديدة على عمليات تمويل المستوردات التي يُقدمها، كما أصدر قرارًا يقضي بتعهد إعادة قطع التصدير بنسبة 50%.

وفي أحدث تعميماته، قرر المصرف اقتصار إمكانية تنفيذ عمليات السحب النقدي لغير صاحب العلاقة على تقديم “وكالة مصرفية خاصة” تنظَّم بحضور الطرفين في المصرف حصرًا.

تلحق هذه القرارات تبريرات من “المركزي”، منها ضبط سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، أو ضبط القرارات المتعلقة بالاستيراد والتصدير.

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير ذكر الأهداف المحتملة التي يريد المصرف تحقيقها من فرض العمل بتلك القرارات، وآثارها على المعنيين بها.

تجميد الأموال في خزائنه

طالب مصرف سوريا المركزي بعدم قبول تنفيذ عمليات السحب النقدي لغير صاحب العلاقة، من الحسابات المفتوحة لدى المصارف بموجب الوكالات العامة أو الخاصة المنظمة لدى الكاتب العدل، بغض النظر عن صيغتها وصلاحيات الوكيل فيها.

وبحسب التعميم الصادر عن المصرف، تقتصر إمكانية تنفيذ السحوبات التي تتم من غير صاحب الحساب، على تقديم “وكالة مصرفية خاصة” حسب النموذج المعتمد لدى كل مصرف، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 2 من أيلول الحالي.

وتُنظم الوكالة المصرفية ضمن المصرف الذي يودع به صاحب الحساب أمواله، من قبل موظفي المصرف وبحضور الوكيل والموكل.

وبرر المصرف قراره بأنه يأتي بسبب الإشكالات القانونية الحاصلة من استخدام الوكالات المنظمة لدى الكاتب العدل في الأعمال المصرفية، ولا سيما تلك المتعلقة بالتزوير أو باستخدام الوكالات العامة.

كما اعتبر أن عمليات السحب النقدي من الحسابات المصرفية مخاطرها مرتفعة، إذ “يمكن استغلال الأموال المسحوبة بتمويل العمليات المشبوهة في ظل صعوبة رقابتها من قبل الجهات ذات الصلة، ولا سيما عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

بينما يرى الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أن هدف المصرف من فرض إجراء الوكالة المصرفية يتمثل بتجميد أموال حسابات محددة، وتجفيف السيولة في خزائن المصارف، ممن لا يمكن لهم تنفيذها بالشروط الجديدة لها، كالموجودين خارج سوريا أو حسابات الغائبين والمفقودين.

وأوضح شعبو، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا الإجراء يؤدي بشكل أو بآخر إلى ضبط أسعار صرف الليرة السورية.

وتجفيف السيولة، هو إجراء اقتصادي تحدّ فيه سلطات الدولة من كمية السيولة المعروضة في السوق، عبر إجراءات منها تحجيم التوسع في الإقراض، وحصر السيولة المالية في المصارف، ورفع البنوك المركزية الاحتياطي الإلزامي للبنوك العاملة في الدولة.

وتهدف هذه الإجراءات إلى ضبط أسعار الصرف، ومحاربة التضخم الناجم عن زيادة كتلة المعروض النقدي.

تتطلب الوجود في سوريا

كما لفت شعبو إلى أن مصرف سوريا المركزي صار يستخدم أساليب وأدوات نقدية “غير تقليدية”، للحد من السيولة، بهدف ضبط أسعار الصرف، الأمر الذي ينعكس مباشرة وبشكل سلبي على المواطنين.

إذ كان العديد من الأشخاص يستفيدون من تحريك حسابات أصحاب الأموال هذه عبر استخدامهم الوكالات السابقة، في حين يتطلب إجراء الوكالة المصرفية الجديدة وجود صاحب الحساب في سوريا.

وسيضطر العديد من أصحاب الأموال المقيمين في الخارج إلى تكلّف عناء السفر، إذا لم يكن لديهم أي أسباب سياسية أو أمنية تمنعهم من الدخول إلى سوريا أصلًا، لضمان عدم تجميد أموالهم، بينما ستُجمد حسابات العديد من الغائبين بالتأكيد، وفقًا لشعبو.

“تعويض الدولار وتراكمه”

في 31 من آب الماضي، أصدر مصرف سوريا المركزي قرارًا يقضي بتعهد إعادة قطع التصدير بنسبة 50%، الذي ألزم المُصدّر بتوقيع تعهد لدى أحد المصارف المحلية ببيعه 50% من قيمة البضاعة المصدّرة للخارج إلى المصرف المنظم للتعهد، وفق نشرة المصارف والصرافة في تاريخ التسديد، مضافًا إليها “علاوة تحفيزية” تحدد بشكل يومي من قبل المصرف المركزي.

وأوضح القرار أنه بالنسبة لنسبة الـ50% المتبقية، فسيكون الخيار للمُصدّر، إما الاحتفاظ بها، وإما تمويل مستورداته، وإما بيعها عبر القنوات المصرفية أصولًا.

الباحث الاقتصادي خالد تركاوي أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أن “المركزي” عبر فرضه لهذا القرار، يحاول تعويض نفاد القطع الأجنبي ويلجأ إلى تراكمه في خزائنه، بالاستعانة بالتجار.

ويعتقد تركاوي أن تكون للقرار آثار سلبية عديدة على المصدّرين، الذين قد يحاولون الالتفاف على المصرف للتهرب من تلك الآثار.

وقد يلجأ بعض المصدّرين إما إلى التلاعب في قيمة البضاعة المصدّرة أو كيفية تسلّم ثمنها، وإما سيتوقفون عن التصدير كُليًا نظرًا إلى حجم الخسارة التي سيتعرضون لها نتيجة إعادة القطع بسعر دولار منخفض، بحسب الباحث خالد تركاوي.

كما من الممكن أن يقوم بعض المصدّرين كخيار أخير برفع سعر تلك البضائع للحد من حجم خسارتهم، الأمر الذي سينعكس على استهلاكها وتنافسيتها، وفقًا لما يرى تركاوي.

وفي 6 من أيلول الحالي، نقل نائب رئيس لجنة التصدير في “اتحاد غرف التجارة”، فايز قسومة، في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، نية بعض المصدّرين توقفهم عن التصدير بعد صدور هذا القرار، معتبرين أن تعهد إعادة قطع التصدير “له صيت سيئ”.

وبحسب وصف المصدّرين، فقد عرّض القرار سابقًا بعض المصدّرين للحبس أو دفع غرامات أو حتى جعلهم يعملون بالحد الأدنى من الأرباح.

من جانبه، أوضح عضو لجنة “تجار ومصدّري الخضار والفواكه” بدمشق محمد العقاد، أن لقرار المصرف العديد من السلبيات التي ستؤدي “حتمًا” إلى تخفيض كميات التصدير، نتيجة التعقيدات المصرفية الحالية والروتين، مشيرًا إلى أن “المصدّرين متوقفون عن التصدير منذ صدور القرار”.

“محسوبيات لدعم بعض التجار”

فرض مصرف سوريا المركزي شروطًا جديدة على عمليات تمويل المستوردات التي يُقدمها، سيُعمل بها حتى شباط 2022.

واشترط قرار المصرف، الصادر في 31 من آب الماضي، تمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك عن طريق حساب المستورد المفتوح بالقطع الأجنبي في أحد المصارف العاملة في سوريا، أو من حسابات المستورد المصرفية الموجودة في الخارج، أو عبر المصارف السورية المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، أو إحدى شركات الصرافة.

وأوضح القرار أن تمويل المستوردات عن طريق المصارف سيقتصر على المواد التي يسمح مصرف سوريا المركزي بتمويل استيرادها.

وطالب القرار الأمانات الجمركية بعدم تخليص البضائع المستوردة إلا بعد تقديم المستورد الثبوتيات اللازمة، كما شدد على أن ترسل الأمانات الجمركية صورة طبق الأصل عن جميع الوثائق مع نسخة إجازة الاستيراد، إلى فرع المصرف المركزي المعني أصولًا.

الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، يعتقد أن هدف المصرف الظاهري من فرض هذا القرار، محاولة ضبط المسائل التي تتعلق بالاستيراد والتصدير.

بينما تتجه الممارسة على أرض الواقع نحو التضييق على بعض التجار لمصلحة تجار آخرين ربما يكونون مقربين من النظام، وفقًا لتركاوي.

وأوضح تركاوي أن النظام سيتساهل مع بعض التجار ويقيّد بعضهم الآخر، ما سيصب في النهاية بمصلحة التجار المحسوبين على النظام، على حد قوله.

عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، اعتبر أن هذا القرار سيتسبب بخروج العديد من الصناعيين والتجار من نشاطهم الاقتصادي، بسبب عدم قدرتهم على تحقيق المعايير التي حددها القرار لتمويل مستورداتهم.

وأضاف الحلاق، في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 1 من أيلول الحالي، أن القرار سيسهم في رفع أسعار المستوردات، عبر تعزيزه حالة “التفرد في السوق”، في حالة استفادة بعض المستوردين من شروطه وقدرتهم على تحقيق محدداته، ما سيؤدي إلى احتكار بعضهم لتلك المستوردات.

ويرى الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أن زيادة التضييق على التجار وأصحاب الأموال ستضاعف رغبة الكثيرين منهم بالهجرة خارج سوريا.

وأوضح شعبو أن قرارات النظام الأخيرة تزيد وطأة الحالة الاقتصادية السيئة على المواطنين، وتعزز مشكلة عدم الثقة بين المواطنين منهم أصحاب الأموال وبين الليرة والاقتصاد “المتهالك” ككل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة