روسيا تفاوض العالم بالتصعيد في سوريا

camera iconدورية مشتركة بين الشرطة العسكرية الروسية والتركية في محافظة إدلب (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- خالد الجرعتلي

تعود روسيا لتصعيد قصفها الذي يستهدف الأحياء السكنية والنقاط الطبية والخدمية شمال غربي سوريا، بمؤازرة من مدفعية النظام السوري المتمركزة في محيط نقاط سيطرة المعارضة في إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماة واللاذقية.

وشهدت المنطقة في الأيام الأخيرة من عام 2021 ومطلع العام الحالي حملة قصف جوي وبري، رُبطت بمحاولات الضغط على تركيا، صاحبة النفوذ في مناطق سيطرة المعارضة، بعدة ملفات من بينها التوتر على الحدود الروسية- الأوكرانية.

وتجمع روسيا وتركيا اتفاقات في سوريا، أبرزها اتفاق “موسكو” في 5 من آذار 2020، الذي يفترض أن يجمّد العمليات العسكرية في شمال شرقي سوريا، مقابل تنفيذ عدة خطوات منها تحييد الجماعات التي تصفها روسيا بـ”الإرهابية”، وتسيير دوريات مشتركة بين قوات البلدين على طريق اللاذقية- حلب الدولي (M4).

سوريا.. ورقة مفاوضات روسية

لا تغيب سوريا عن المؤتمرات والمفاوضات الروسية منذ عشر سنوات، ولا بد أن يكون الملف السوري حاضرًا كورقة ضغط في أي اجتماع تكون فيه روسيا طرفًا أساسيًا.

ويعتقد الباحث في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، أن النظام حوّل سوريا إلى ورقة مفاوضات وضغط بيد الروس، الذين صاروا يعبّرون عن مواقفهم من دول معيّنة من خلال تصعيدهم في سوريا، لتحصيل مكاسب معيّنة في قضايا أحيانًا تكون منفصلة عن الشأن السوري.

وأكّد اليوسف أن أي توتر في العلاقات بين بلدين أجنبيين ضليعين في الشأن السوري، ينعكس على حياة السوريين، الذين غالبًا ما يتعرضون للقصف للتعبير عن هذه الخلافات الدولية.

واعتبر أن المواقف الروسية والإسرائيلية هي أساسية في هذا السياق، إذ تسمح روسيا بالقصف الإسرائيلي في سوريا وتغض النظر عنه لتمرير رسائل أُخرى، مع أن المتأثر الأكبر بعمليات القصف هذه هم السوريون الذين يعيشون في هذه المناطق.

هل لروسيا مكاسب عسكرية من التصعيد

شهدت محافظة إدلب تركيزًا لقصف مدفعية النظام والطائرات الحربية الروسية قرى سهل الغاب وريف إدلب الجنوبي والشرقي، وتركزت عمليات القصف على مناطق خالية من السكان ومنها ما كان في مناطق غير مأهولة.

وفي نفس التوقيت، استهدف القصف مواقع خدمية استراتيجية في الشمال السوري، أبرزها محطة “العرشاني” لمياه الشرب، التي قُصفت في 2 من كانون الثاني الحالي، ما يدفع للتساؤل عن أسباب هذا القصف وما إذا كانت له أهداف غير عسكرية.

الباحث والمحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، قال إن روسيا تحاول إثبات أن قرارها العسكري والسياسي في سوريا متفوق على الدول التي تعتبر نفسها أساسية في الملف السوري، مثل تركيا وأمريكا.

وهو ما ترجمه الأسعد على أنه تغلّب عسكري وسياسي في سوريا، إذ جعل الملف السوري اليوم من روسيا دولة ذات بعد قوي، وذات قوة عسكرية تتمثل بتمدد قوتها الجوية على الجغرافيا السورية من “حميميم” حتى مطارات القامشلي والرقة.

واعتبر الأسعد أن روسيا اليوم تتحرك في الجغرافيا السورية بكل أريحية، وصارت العقبات التي كانت تتمثّل بالقوات الأمريكية في سوريا تتلاشى أمام الروس خلال الفترة الأخيرة.

روسيا تسعى لـ”تغييرات في النظام الدولي”

منذ انطلاقة الشرارة الأولى لـ”الربيع العربي”، اتخذت روسيا موقف الداعم للدكتاتوريات، في سعي روسي لـ”إحداث تغييرات في آليات عمل النظام الدولي”، بحسب ما قاله الباحث في العلاقات الدولي الدكتور عبد القادر نعناع، لعنب بلدي.

هذا السلوك يضمن لروسيا مكانة أعلى على خارطة العلاقات الدولية، من خلال مجموعة سلوكيات، أساسها بناء مجال نفوذ دولي في كل مناطق التوترات والاضطرابات، أو ما أسماه نعناع “مناطق الفراغ”، وهو مشروع بدأته روسيا منذ عام 2008 في جورجيا، وكان له في سوريا بالمرتبة الثانية ارتكاز بالغ الأهمية لناحية استعادة روسيا بعض مكانتها الدولية، وحراكها العسكري.

ومن خلال مناطق النفوذ التي سعت لها روسيا، وسّعت مصالحها العسكرية والسياسية والاقتصادية أولًا، ثم استخدمتها لمزيد من التوسّع ثانيًا، وفي الحالتين استغلت روسيا هذا النوع في التفاوض مع منافسيها في الغرب بشكل رئيس، والقوى الإقليمية، للحصول على مصالح أخرى.

واعتبر الدكتور عبد القادر نعناع أن الملف السوري ذاته، ملف “تفاوضي وتنافسي ومصلحي” بالنسبة إلى الروس، أي أنه متشابك مع ملفات مصلحية في مناطق أخرى، سواء كانت شرق أوروبا، أو بحر قزوين، ووسط آسيا، أو سواها.

وأضاف أن القوى المتنافسة في سوريا اليوم، صارت تلجأ إما إلى الاعتداء على مصالح بعضها، وإما إلى مقايضة مصالحها بأخرى، في ظل “تسويات مصلحية”، وتشارك المنافع، وفي المحصلة صارت القوة الإجمالية لكل منافس هي التي تحدد حصته من تلك المنافع.

نعناع اعتبر أن استمرار القصف الروسي على شمال غربي سوريا يندرج ضمن هذا السياق، لكن تستمر هذه القوى بالتسويات وتبادل المصالح غير المعلومة حتى الآن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة