“الكيت كات”.. راح النور

tag icon ع ع ع

“لا أستطيع التعامل مع الجمهور الموجود حاليًا، ونوعية الأفلام التي يفضّلها بغرض التسلية”، بهذه الجملة أعلن المخرج المصري داوود عبد السيد اعتزاله الإخراج، وذلك في لقائه الأخير عبر قناة “CBC” في 31 من كانون الأول 2021، ضمن برنامج “في المساء مع قصواء“.

انتقد المخرج المصري التأثر الشديد بالسينما الأمريكية في المشاهد، دون أن تكون لها قيمة حقيقية تعكس ثقافة المجتمع الشرقي بشكل احترافي، وحبكة فنية قوية.

أخرج عبد السيد خلال تجربته مع السينما فيلمه الشهير “الكيت كات” الذي أُنتج عام 1991، من بطولة محمود عبد العزيز وأمينة رزق وشريف منير.

تحكي قصة الفيلم المستوحاة من رواية “مالك الحزين” للروائي المصري إبراهيم أصلان، عدم فقدان أمل الشيخ “حسني” في إيجاد السعادة بحياته رغم فقدانه البصر، فهو يستغل دكانًا بالمنزل الذي تركه له والده ليدخن فيه الحشيش مع أصحابه، ويغني لهم على العود، داخل حي “الكيت كات” بمدينة الجيزة، بعد أن فشل بدراسته الأزهرية وفشل بأن يصبح منشدًا، وباع البيت لتاجر المخدرات الذي يدعى “الهرم” (مثّل هذا الدور نجاح الموجي).

ينتقي عبد السيد شخصية الشيخ “حسني” الحيوية، التي ملأت رواية “مالك الحزين” مرحًا وصخبًا وحياة، ليعيد صياغتها وترتيب علاقاتها وتوسيع مساحتها، لتصير بذلك هي الشخصية المحورية في الفيلم (133 دقيقة).

يمتلك الشيخ “حسني” بصيرة شيطانية وإصرارًا عنيدًا على تحدي ظلامه الداخلي ورفض عجزه، متيقنًا أنه يرى أفضل من المبصرين، يسير دون عصا ويستخدم كل حواسه، حتى أطراف أصابعه، ليتحسس الطرق والبشر من حوله.

على نقيض شخصية الشيخ “حسني”، تأتي شخصية ابنه “يوسف” (مثّل دوره منير شريف) المصاب بالإحباط والإحساس بالعجز، فـ”يوسف” شاب عاطل عن العمل، وأمله كبير في الخروج من أزمته هذه، التي تكاد تخنقه، بالسفر للخارج هربًا من واقع محبط، دون إغفال علاقته البائسة مع حبيبته “فاطمة” (مثّلت دورها عايدة رياض)، وعجزه عن التواصل معها جنسيًا.

يفشل “يوسف” في علاقته مع “فاطمة” لأنه مشدود إلى عالم بعيد غير محدد الرؤى، ولا تتحقق علاقته بها إلا عندما يدرك أنه جزء من هذا الواقع، ويبدأ بصياغة علاقته بحياته من جديد.

لا يرى الشيخ “حسني” أنه رجل أعمى، إنما المجتمع تحوّل إلى عالم مظلم، “راح النور يا حمار مش عميت، خلّي عند أهلك نظر”، كما أجاب “حسني” عن سؤال كيف فقد نظره، وهذه العبارة هي حقيقة محضة بنظره لا تخضع لأي نقاش، لأن السواد هو المجتمع.

استطاع عبد السيد أن يصنع فيلمًا متميزًا عن عمل أدبي متميز، دون تفريغه من محتواه، كما نجح في أن يتمثل الرواية ويعيد صياغتها، بعد أن أعطى لنفسه الحق، كفنان صاحب رؤية، في التعديل، والحذف، والإضافة، والتغيير، والدمج، وإقامة بناء متوازن تخلّص فيه مما تصوّر أنه يشكّل عبئًا على بناء الفيلم.

حصل “الكيت كات” على الجائزة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان “دمشق السينمائي الدولي” عام 1991.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة