المناخ والحرب وضعف الترميم.. بيوت درعا القديمة مهددة بالزوال

camera iconمدينة بصرى الشام في محافظة درعا جنوبي سوريا- 13 من كانون الثاني 2022 (عنب بلدي\ حليم محمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حليم محمد

على كامل رقعتها الممتدة بمساحة تزيد على 4600 كيلومتر مربع، تحتضن محافظة درعا (جنوبي سوريا) مدنًا أثرية موغلة في القدم، إلا أن تلك المواقع تتأثر بتغير المناخ، نظرًا إلى ضعف تماسك بعض الأبنية مع مرور الزمن وعدم ترميمها، ما يؤدي إلى زيادة في خرابها كل عام.

التغيرات المناخية تؤثر في بنية الأبنية والمواد المستخدمة في تشييدها، لا سيما البيوت الأثرية والتاريخية في المحافظة، وعندما تزداد قوة مسببات التلف في البناء، تزداد نسبة الضرر الناتج عنه، وتصعب معالجته، ويتحول إلى تحدٍ يحتاج إلى موارد ضخمة للتعامل معه في ظل تراجع جهود حماية الإرث الثقافي في سوريا.

ومن أهم العوامل المناخية التي لها تأثير على مواد الأبنية القديمة، تأثير درجات الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس، والحرائق الناتجة عن هذه الحرارة مع وجود الرطوبة، بالإضافة إلى سرعة الرياح والصقيع في موسم الشتاء.

اشتهرت البيوت القديمة في سهل حوران بالحجارة السوداء، وهي بازلت صلب، وقد برع سكان المنطقة في نحت هذه الحجارة وتشكيلها، ويُلاحَظ ذلك من البيوت المبنية من حجارة منحوتة بشكل مستوٍ ومتجانس.

لم يتوقف بناء البازلت عند المباني السكنية، بل امتد ليشمل المؤسسات الحكومية والمدارس والمساجد.

وشكّل الصخر البازلتي المنتشر في أراضي المنطقة مادة أساسية لتشييد الأبنية السكنية القديمة.

وبحسب ما قاله الباحث السوري في علم الآثار سليمان العيسى، في حديث إلى عنب بلدي، فإن ارتفاع درجات الحرارة تسبب عملية تبخر بطيء للسوائل الحاملة للأملاح في الحجر، تؤدي مع مرور الوقت إلى ذوبان هذه الأملاح، إما على سطح الحجر وإما تحت السطح مباشرة.

كما أن التغير المستمر في درجات الحرارة يعرّض الطبقات الخارجية للأحجار لدرجات الحرارة العالية، ما يؤدي إلى “تمددها نسبيًا أكثر من الطبقات التي تليها، ما يسبب تفككها”.

واعتبر الباحث أن التغيّرات في درجة الحرارة ما بين انخفاض وارتفاع، سواء التغيّرات الموسمية أو اليومية، من الأسباب الخطيرة التي تؤدي إلى تلف مواد البناء في المباني القديمة بدرعا.

ويؤدي انخفاض درجات الحرارة التي تصل إلى درجة تجمّد الماء، إلى “تجمّد السوائل الموجودة في مسام مواد البناء في الحجارة داخل الأبنية الأثرية في درعا، ما يؤدي إلى زيادة حجمها، وبالتالي تكسّر جدران مسام هذه المواد”.

هجران البيوت القديمة

“خراب القرى القديمة يزداد عامًا بعد عام في درعا، وبعد أن كانت البيوت عامرة بسكانها، يقتصر السكن بالبيوت القديمة حاليًا على عدد محدود من السكان”، وفق ما قاله الباحث، الذي تخوّف من استمرار هجرة الناس من المناطق الأثرية الذي قد يصل إلى احتمالية تحوّلها إلى مناطق مهجورة بالكامل، واندثارها بعد دمار أبنيتها.

البيوت القديمة مبنية من الحجر البازلتي الصلب، كما يتم تقسيم الغرف الداخلية بجدران من الطين ممزوجة بالتبن، أو القش ومطلية بالكلس.

أما الأسطح فهي طبقة من التراب يتم رصّها كل بداية موسم الشتاء بحجر يطلق عليه اسم “مدحلة”، وفق ما أوضحه الباحث.

بعد هجر البيوت القديمة، لم تعد العائلات تحفظ الجدران أو تدحل الأسطح، وفق ما نوّه إليه الباحث، ما يسمح للمطر بالنزول من الأسطح، ويسبب ذلك دمارًا جزئيًا، يزداد مع فترة هجران السكان.

ونادرًا ما يسكن الناس البيوت في القرى القديمة، بل يفضّلون الأبنية الطابقية المجهزة بتمديدات كهربائية وصحية حديثة.

الترميم يحتاج إلى جهود دولية

انعدام البيئة الآمنة، وعدم الاستقرار، نتيجة الاغتيالات المتكررة في محافظة درعا، هو سبب عدم تمكّن المنظمات الدولية المعنية من ترميم الأبنية السكنية القديمة، إذ “يحتاج الترميم إلى إمكانيات فنية وأموال طائلة، يصعب على دائرة الآثار العامة القيام بها”، وفق ما يراه الباحث.

وحذّر العيسى من تأخير ترميم المواقع الأثرية، الذي يؤثر سلبًا على الأبنية بالضرورة، وقد “لا نجد أي حياة سكانية في بصرى القديمة مع مرور الزمن”.

وتكمن أهمية فحص المباني الأثرية في فهم المبنى والتعرف إلى قيمته الثقافية، والمشكلات التي تواجهه، بالإضافة إلى اتخاذ قرار واختيار التدخلات المناسبة، وأساليب الترميم والصيانة الصحيحة.

كما أن عملية فحص المبنى الأثري، وتوثيق المعلومات المتجددة بشأنه، يجب أن تكون مستمرة قبل الترميم وفي أثنائه وبعد الانتهاء منه، وتستمر هذه العملية طوال فترة وجود المبنى، والاستعانة قدر الإمكان بمختلف الأساليب الحديثة في عملية التوثيق والفحص.

موّلت “يونسكو” منذ عام 2011 حتى عام 2021 ثلاثة مشاريع بقيمة 90 ألف دولار أمريكي، حسب معلومات مشاريع المساعدة الدولية، المدرَجة على موقعها الإلكتروني.

وفي كانون الأول 2018، ضمن “خطة الإنعاش لمدينة بصرى القديمة”، كانت قيمة التمويل من قبل المنظمة هي 30 ألف دولار، بنوع مساعدة ثقافية طارئة.

واعتبرت مديرة منظمة “يونسكو”، إيرينا بوكوفا، أن حماية الآثار من أساسيات السلام في سوريا، عند إدانتها القصف الذي تعرضت له مواقع التراث العالمي في المحافظة الجنوبية، في كانون الأول من عام 2015، مشيرة إلى المسرح الروماني بالقول، إنه “يمثل التنوع الغني لهوية الشعب السوري”.

وصنّفت المنظمة عام 1998 بصرى الشام كأحد مواقع التراث العالمي، وتنوعت قيمتها المعمارية والتاريخية والدينية بكنائسها وجوامعها القديمة، التي لم يسلم أي منها من القصف أو الحفر العشوائي واستخدام المتفجرات في البحث عن اللقى الأثرية ونهبها.

وبعد سيطرة النظام في تموز 2018 على المنطقة ضمن “تسوية” مع فصائل المعارضة، لم تعمل “المديرية العامة للآثار” على ترميم المواقع الأثرية بالشكل المطلوب، إذ جرت عمليات ترميم جزئية، وشملت مواقع محدودة في مدينة إنخل بريف درعا الشمالي وبلدة المتاعية بريف درعا الشرقي.

الآثار في القوانين السورية

صدرت في سوريا العديد من القوانين الخاصة بحماية الآثار، وتنظيم استعمالها أو البناء حولها، بداية بالمرسوم التشريعي رقم “222” لعام 1963، وما لحقه من قوانين معدلة له، كان آخرها القانون رقم “1” لعام 1999، وقد عرّفت هذه القوانين الآثار بأنها:

“الممتلكات الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو كتبها أو رسمها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية أو مئتين وست سنوات هجرية”.

كما أعطت تلك القوانين الحق للسلطات الأثرية أن تعتبر الممتلكات الثابتة أو المنقولة التي ترجع إلى عهد أحدث من الآثار، إذا رأت أن لها خصائص تاريخية أو فنية أو قومية، ويصدر بذلك قرار وزاري.

ويعني هذا التعريف أن قانون الآثار السوري حصر ما يدخل في نطاق الآثار بفترة زمنية محدودة (مئتا سنة في التقويم الميلادي، أي مئتان وست سنوات في التقويم الهجري مراعاة للفروق بين التقويمين).

وتتولى السلطات الأثرية في سوريا المحافظة على الآثار، كما تتولى وحدها تقرير أثرية الأشياء والمباني التاريخية والمواقع الأثرية، وما يجب تسجيله من آثار، ويعني تسجيل أثر ما إقرار الدولة بما يمثّله من أهمية تاريخية أو فنية أو قومية، وعملها على صيانته وحمايته ودراسته والانتفاع به وفقًا لأحكام هذا القانون.

وتتمثّل السلطات الأثرية بـ”المديرية العامة للآثار والمتاحف”، وهي جهاز علمي مركزه دمشق، يرتبط بوزير الثقافة، ويتولى حماية التراث الثقافي الثابت والمنقول، وإبراز المعالم الحضارية والثقافية والتاريخية للجمهورية العربية السورية وفق الأساليب العلمية الحديثة، ونشرها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة