أيام الدخول العسكري وتاريخها

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

لم يأخذ يوم دخول القوات الروسية إلى سوريا، الأربعاء 30 من أيلول 2015، نفس الاهتمام العالمي الذي لا يزال يسجله يوم الخميس 24 من شباط 2022 في الإعلام العالمي، وهو يوم دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، رغم الألم الكبير والدمار الشامل الذي لا يزال يسجله الاحتلال الروسي في سوريا.

ولكن هل الدخول الروسي إلى أوكرانيا، الذي يهدد أمن أوروبا، وربما الأمن العالمي، صار شبيهًا بدخول الدبابات الألمانية إلى بولونيا في 1 من أيلول 1939، الذي تسبب بالحرب العالمية الثانية، التي سقط نتيجتها أكثر من 60 مليون مدني وعسكري في أوروبا وفي بقية العالم؟ ولعل المستشار الألماني، أولاف شولتس، كان محقًا عندما قال عن الخميس الماضي إنه يوم قاتم في تاريخ أوروبا.

أم صار الخميس الماضي شبيهًا بيوم دخول الدبابات الروسية إلى براغ في 21 من آب 1968، التي أعادت السيطرة على مصير تشيكوسلوفاكيا، وأوروبا الشرقية، وتوسعت أكثر بنشر أساليب القمع واحتقار الشعوب، التي لا تزال تنتهجها روسيا في سوريا وفي كل المناطق التي دخلتها؟

أم هو شبيه بدخول قوات حافظ الأسد إلى لبنان في بداية تموز 1976، والتدرب على المجازر ضد المدنيين وأولاها مجزرة مخيم “تل الزعتر” التي كتب عنها الشاعر محمود درويش مرثيته الشهيرة “أحمد الزعتر”. وتدربت القوات الأسدية في لبنان أيضًا، على استسهال قصف الأبنية السكنية ونهب البيوت، وتطور إلى “التعفيش” على أيام الأسد الابن، وتدربت مافيات الأسد هناك على قتل المارين على الحواجز، وهذا ما أهّل نظام الأسد لارتكاب الجرائم الطائفية في الثمانينيات بحلب وحماة على يد الأسد الأب، وصولًا إلى أكبر مقتلة في القرن الـ21، وفي التاريخ السوري، التي يرتكبها الأسد الابن، والتي لا تزال جارية إلى اليوم بمشاركة روسية وإيرانية.

أم أن الدخول الروسي يشبه دخول قوات صدام حسين إلى الكويت في 2 من آب 1990، الذي تسبب هو الآخر بانتهاك السيادة الكويتية، عندما وقع صدام حسين بخديعة إيحاءات السفيرة الأمريكية في العراق بالموافقة على ذلك الغزو؟ وكان ذلك الدخول عبثًا وحشيًا، تسبب بانطلاق الخطط المبيّتة لتدمير العراق وبشكل منهجي.

أم هو شبيه بدخول قوات التحالف الدولي إلى العراق في 20 من آذار 2003، الذي انتهى باحتلال العراق في 1 من أيار 2003، من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سلّم أحد أكبر البلدان العربية إلى إيران بحجج واهية، وكاذبة، ولم يُحاسَب المسؤولون عنه حتى اليوم، رغم تسببه بملايين الضحايا، وبتمدد إيران إلى العمق العربي، بشكل لم يعد من الممكن التغلب عليه بسهولة، بعد تحالف إيران مع دكتاتورية الأسد الطائفية، ومع “الحوثيين”، ومع “حزب الله” الذي يعتبر نفسه جزءًا من إيران و يأتمر بأوامر قادتها.

القوات الروسية ومنذ صباح الخميس الماضي، بدأت بالقصف الشامل على المواقع الأوكرانية، وحول المدن الكبرى في المرحلة الأولى، وهي تدربت على ذلك في سوريا، حيث كرر وزير الدفاع الروسي شويغو أن جيشه تدرب جيدًا في سوريا، وجرّب مئات الأنواع من الأسلحة في مختلف مواقع الجغرافيا السورية. وطبعًا قصف كل أنواع البنى التحتية المدنية، ونجح الجيش الروسي بالمساعدة على تهجير ثلث الشعب السوري من بيوته، ومدنه، وقراه، نكاية بالغرب الذي لا يعترف بعظمة روسيا، ولا يُعيد إليها الاتحاد السوفييتي السابق.

شعور روسيا بقوتها الفائضة، وعدم رغبة الغرب بالتفاهم معها، تسبب بتدمير سوريا، وحتى الآن لم تتم معاقبة روسيا على تصرفاتها الوحشية في سوريا، بما فيها استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين. وقد كان الرئيس الأمريكي أوباما شديد التسامح مع الرئيس بوتين، وأطلق له العنان بأن يفعل ما يشاء ضد السوريين، وتشارك معه حجة الإرهاب، وكذلك السخرية من السوريين الذين يطالبون بحقوقهم وبحريتهم، فأوباما جامل القسوة الروسية ضد السوريين عندما أعلن أن الثوار السوريين مجرد طلاب، وأطباء، ومهندسين، ومدنيين حالمين بالحرية، مستجيبًا للعقيدة الروسية التي تعتبر الدكتاتوريات هي الخلاص الأكيد والمضمون للبشرية.

أما اليوم وفي كل ساعة تمر، تصدر فيها عقوبة جديدة ضد روسيا من أوروبا، ومن أمريكا، ومن كندا، ومن اليابان، ومن أستراليا، لتدخّلها في أوكرانيا، من العقوبات على الأشخاص، وصولًا إلى مقاطعة الغاز الروسي وعدم ترخيص مروره عبر “نورد ستريم 2″، والتهديد بعزل روسيا عن نظام “السويفت” الذي يربط البنوك في العالم، وحرمان روسيا من استيراد التكنولوجيا المتقدمة ما يهدد الصناعات الروسية، رغم أن روسيا لم تستطع، مثلًا، إنتاج سيارة مهمة بعد سيارة “لادا” التي بنت مصانعها شركة “فيات” الإيطالية في أواسط القرن الماضي.

وعلى اعتبار أن كل أيام الدخول المذكورة خلّفت نتائج كارثية على الشعوب، وعلى معظم القادة الذين دخلوا الدول الأخرى، فقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نداء الخميس الماضي قال فيه، “الرئيس بوتين، باسم الإنسانية، أعد قواتك إلى روسيا”. ونتمنى أن تكون القوات الروسية في سوريا من ضمن القوات التي يجب أن تعود إلى بلادها “باسم الإنسانية” التي تشمل الشعب السوري أيضًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة