بشار الأسد في أوكرانيا

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

أعادت حرب روسيا في أوكرانيا طرح موضوع سوريا، وصارت الصحافة العالمية تقارن ما يحدث هناك بما حدث في سوريا، وتقارن الرئيس الأوكراني المدافع عن بلاده، ببشار الأسد الذي سلّم بلاده للروس وللإيرانيين من أجل أن يبقى هو ومجموعته الضالعة بالجريمة السورية.

الرئيس بوتين يقدم نموذج بشار الأسد كنموذج بديل عن زيلينسكي، الرئيس الأوكراني الحالي الذي “تلوث” بالديمقراطية الغربية، ولذلك شنّ الجيش الروسي منذ 24 من شباط الماضي حربًا غاشمة ضد الشعب الأوكراني، الرافض للمنتجات الروسية في الرئاسة، المتمثلة بتشكيلة من النماذج تشابه الأسد مثل لوكاشينكو في روسيا البيضاء، أو قديروف في الشيشان، تلك الدمى الروسية التي يروق لبوتين التلاعب بها مقابل بقائها في كراسي الحكم التي ترفضها شعوبهم.

كان من المقرر حسب الشائعات التي روّجها الروس، أن يتم نفي بشار الأسد إلى جزيرة القرم الأوكرانية، إذا اتفق الروس مع العالم على صفقة مناسبة لطموحهم في سوريا، وفي صيف 2017، زار عدد من أفراد عائلة الأسد الجزيرة، وأُشيع بأن العائلة اشترت بيوتًا فخمة للاستقرار هناك، وأُعلن في عام 2018 عن زيارة قريبة لبشار الأسد إلى جزيرة القرم، ربما كان من المقرر تحويل بشار الأسد إلى تاجر حبوب يستثمر أمواله التي نهبها من سوريا في مجال يحتاج إليه العالم، خاصة أن جزيرة القرم وأوكرانيا من المناطق المشهورة في زراعة الحبوب على مستوى العالم، وقد عُقدت اتفاقيات بين ميناء “اللاذقية” ومواني جزيرة القرم تمهيدًا لذلك السيناريو المخادع الذي روّج له الروس الذين استولوا على الجزيرة بشكل غير شرعي في العام 2014.

ولكن نموذج بشار الأسد استمر، وصار مرعبًا للأوكرانيين وللعالم، فهو من قاد تدمير سوريا، وحوّل نصف شعبها إلى نازحين ولاجئين، وحوّل النصف الباقي إلى جياع يقفون طوال النهار من أجل أن يحصلوا على ربطة خبز أو جرة غاز، وتحوّل هذا النموذج إلى عبء أخلاقي على الروس بالإضافة إلى الأوزار الكثيرة التي يرتكبونها كل يوم في أوكرانيا.

وعادت الصحافة العالمية لاستذكار تكتيكات نظام الأسد التي وضعها الروس، عبر ممارسة التدمير الممنهج في سوريا، وقد تحوّلت تلك التكتيكات اليوم إلى نهج راسخ تنفذه القوات الروسية، سواء في قصف المدنيين، واستهداف المدارس والمستشفيات وآخرها مستشفى “ماريوبول” للأطفال، وتكثيف موجات التهجير، ونشر الأكاذيب حول القصف والتنكر له، والتلويح بالقصف الكيماوي واتهام الطرف الآخر بتنفيذه “ضد نفسه”، من أجل اتهام القوات الروسية الحنونة التي لا تستهدف إلا محو أوكرانيا من الوجود!

وعلى غرار ما حدث في سوريا، حيث أطلقت القوات الروسية على قاعدتها الاستعمارية اسم مركز المصالحة الروسي، فقد أنكرت وسائل الإعلام الروسية قيام الجيش الروسي بالحرب على أوكرانيا، وكل ما يفعله هو مجرد عملية تكتيكية بسيطة! وهذه العملية ليست حربًا ولا تتضمن إلا تغيير الحكومة الأوكرانية، النازية كما تزعم روسيا، وسوف تترك للشعب الأوكراني الخيار من أجل تثبيت حكومة نموذجية لا تتناقض مع النماذج الروسية المطروحة الأسد- قديروف- لوكاشينكو!

كل الصور القادمة من أوكرانيا تذكّرنا بالقصف الروسي لمدينة حلب وللغوطة وحمص وحماة وغيرها، وتذكّر بقصف النظام للمدنيين، وتخريب كل ما هو متحضر في البلاد، وقد أنجزت روسيا ذلك التخريب بالتعاون مع إيران، وها هي تباشر تخريب أوكرانيا على مرأى من العالم لإثبات قدرات جيشها!

ولم تتورع القيادة الروسية عن التلويح بالسلاح النووي، ولا عن نشر الادعاءات بأن الأوكرانيين القوميين يقومون مع الأمريكيين بتسميم الحيوانات والطيور من أجل نشر العدوى والأمراض في روسيا، وكأنما نشر الأمراض ليس خطرًا عالميًا، وهو لن ينحصر في أي مكان أو قارة، وإنما يتمدد بشكل متسارع عبر العالم، وفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) كان علامة على سرعة الانتشار بفضل وسائل التنقل والاختلاط بين أبناء الجنس البشري!

بشار الأسد صار علامة دولية على الخراب، وشبحه يلوح في سماء أوكرانيا اليوم، على عكس الرئيس الأوكراني الذي يرفض حتى الآن تسليم بلاده للمحتل الروسي، ويرفض أكاذيب “البروباغندا” الروسية، ويحاول الحفاظ مع جيشه وشعبه وداعميه الغربيين، على قدر من الاستقلال في الجوار من القوة الروسية التي تشعر بالخيبة لعدم لحاقها بالثورة التكنولوجية الحديثة، حيث فشل نظام بوتين الاستبدادي بجعل روسيا تحافظ على مكانتها السابقة، ولم يعد لديه إلا التهديد بالأسلحة النووية التي ورثها من الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، وها هو يقوم بتدمير أوكرانيا، كما دمّر سوريا.

أعادت هذه الحرب علينا ما تفاجأنا به مع أول صاروخ يدخل بيوتنا، ومع أول طيار يحلّق فوقنا، ليس لحمايتنا، بل لقصف أطفالنا، واكتشفنا لحظتها الثمن الذي سندفعه لاستسلامنا الطويل لنظام الأسد، فهل تستسلم أوكرانيا لبوتين ولنظامه الاستبدادي؟ إذا حدث ذلك فعليهم دراسة شخصية بشار الأسد ليقرؤوا مستقبلهم في تلافيف ابتسامته البلهاء!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة