ما نهج “العصا والجزرة” الذي أشارت إليه كلينتون للتعامل مع السعودية

camera iconرسم كاريكاتيري مناهض للحرب عام 1916 يصوّر الموت وهو يغري حمارًا هزيلًا نحو الهاوية بجزرة مكتوب عليها النصر (Boardman Robinson)

tag icon ع ع ع

أثار رد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، في مقابلة عبر برنامج “Meet the Press” على قناة “NBC” الأمريكية، في 3 من نيسان الحالي، موجة من الغضب في أوساط السعوديين لاستخدامها مصطلح “العصا والجزرة” في التعامل مع السعودية، إثر رفض الرياض زيادة الإنتاج من النفط.

وجاء رد كلينتون في سياق الحديث عن أزمة الطاقة في عموم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد سؤال مقدم البرنامج تشاك تود، عن احتمالية وجود أي نتائج مترتبة على المضي قدمًا في علاقة الولايات المتحدة مع السعودية.

وفقًا لتشاك، يمكن أن تُحل مشكلة نقص المعروض من النفط وارتفاع أسعاره، من قبل السعودية إذا أرادت ذلك، لكن الدول المصدّرة للنفط اختارت أن تكون إلى جانب بوتين، على حد قوله.

أعربت كلينتون عن خيبة أملها من قرار السعودية، واعتبرته قرارًا “قصير المدى جدًا”، ولا يخدم مصلحة أي أحد، بما في ذلك السعودية نفسها.

وبينما أكدت كلينتون سعيها لتكون أكثر إقناعًا، قاطعها تشاك قائلًا “بالجزر أم بالعصي؟”، لتعقب كلينتون قائلة، “أعتقد أنه عليك القيام بالاثنين معًا، فنحن في أزمة وجودية الآن”.

وأضافت كلينتون أن الشيء الوحيد الإيجابي من “غزو” روسيا “غير المبرر والمروّع” لأوكرانيا، بجرائم الحرب التي يرتكبها جيش بوتين يوميًا، هو أن العالم استيقظ الآن.

وأشارت إلى أن البعض أكثر يقظة من البعض الآخر، لكن على الجميع الانتباه، حسب تعبيرها.

نهج “العصا والجزرة”

أول من قدّم نظرية “العصا والجزرة” للتشجيع والتحفيز هو جيرمي بنثام، في أوائل الثورة الصناعية عام 1800.

ودخل نهج “العصا والجزرة” العلاقات الدولية لأول مرة بعد مقال نُشر في مجلة “الإيكونوميست” في 11 من كانون الأول 1948، بعد الحرب العالمية الثانية.

تمثّل الجزرة الحافز الذي يعد بالمتعة أو الربح، وتمثّل العصا ضغطًا أو تهديدًا لإحداث الألم أو العقوبة.

استمد بنثام النظرية من القصة القديمة التي تقول إن أفضل طريقة لتحريك الحمار الذي يجر عربة هي أن تضع أمامه جزرة تتدلى بعيدة عن متناوله.

وإذا لم يتحرك يضربه سائق العربة بالعصا من الخلف، فيتحرك إلى الأمام ويجر العربة معه طمعًا في الوصول إلى الجزرة لأكلها.

ومن جهة أخرى ليهرب من الألم الواقع عليه من ضرب العصا، وبهذه الطريقة تعمل نظرية التحفيز والامتثال لتحقيق هدفين، الأول هو الحصول على المنفعة والثواب والمكافأة التي تمثّلها الجزرة، والثاني تجنب الخوف والتهديد والعقاب والعنف والألم الذي تمثّله العصا.

هناك طريقتان أساسيتان لتطبيق هذه الأدوات في السياسة الدولية، يمكن تطبيق “العصا والجزرة” إما في وقت واحد وإما بشكل متسلسل، واحدًا تلو الآخر، كل هذا يتوقف على السياق المحدد السائد في منعطف تاريخي معيّن، وكذلك على النظرة العالمية (الواقعية أو الليبرالية أو البنائية) لصانع القرار المعني.

مهما كانت الطريقة التي تُستخدم بها هذه الأدوات، فإن الهدف النهائي والتحدي يظل كما هو، “كيفية جعل الطرف الآخر يغيّر سياسته بشأن قضية معيّنة بما يتماشى مع ما يرغب فيه الطرف الأول”.

على سبيل المثال، بعد هجمات “11 سبتمبر”، هددت أمريكا باكستان بعقوبات شديدة ما لم تصبح باكستان دولة خط المواجهة لأمريكا في “الحرب على الإرهاب” التي بدأت بعملية “الحرية الدائمة” للإطاحة بحركة “طالبان” في أفغانستان.

في الوقت نفسه، أصبحت باكستان أيضًا مستفيدًا كبيرًا من المساعدات الأمريكية، وخاصة المساعدات العسكرية، التي تجاوزت حاجز الـ20 مليار دولار.

الحمّارون والجزرة

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة “العصا والجزرة” مع كوريا الشمالية لدفعها لنزع السلاح النووي، فوعدتها بالجزرة، وهي رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي تشمل الطعام والطاقة والتجارة تدريجيًا، مقابل إغلاق مصانع الأسلحة النووية كليًا.

وفي المقابل، استمرار استخدام قوة العصا إذا لم تتخلَّ عن برامجها النووية، وذلك بزيادة العقوبات الاقتصادية، وتوسيع نطاق الحصار الاقتصادي، أو اللجوء إلى الضربة العسكرية.

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية وفي أثناء الحرب نفسها، طبّق رئيس الاتحاد السوفييتي سابقًا، جوزيف ستالين، مبدأ “العصا والجزرة” بين دول منطقة النفوذ السوفييتي من أجل إحكام السيطرة عليها.

ووظّف ستالين “البروباغندا” السوفييتية التي تحدثت عن الجزرة المتمثلة في الوعود بإقامة المشاريع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، لحث دول أوروبا الشرقية الواقعة في مجال التأثير السوفييتي على تطبيق معايير الحزب الشيوعي والثبات عليها.

وتمثّلت العصا في التهديد بـ”الغزو” العسكري للدول الرافضة للسيطرة الشيوعية، كما حدث مع دولة تشيكوسلوفاكيا في أيلول عام 1968.

استخدم البريطانيون أيضًا سياسة “العصا والجزرة” في أثناء استعمارهم للهند، فوعدوا الهنود المعتدلين في حركة “Swadeshi” من إقليم البنجال بإشراكهم في مبدأ الإدارة المزدوجة، وتسليم القطاعات الحكومية الخدمية لهم، مثل الزراعة والمجالس المحلية والصحة والتعليم والأشغال العامة، في مقابل أن يحتفظ البريطانيون بالقطاعات المهمة والحساسة، وأن تبقى في أيديهم، مثل المالية والضرائب والحفاظ على القانون والنظام.

ازدادت شعبية المؤيدين لهم، بينما استخدم البريطانيون عصا القوة والبطش في قمع القوميين الوطنيين الخارجين عليهم، وكان الهدف النهائي للبريطانيين بعد قمع الوطنيين، تجاهل المعتدلين أيضًا.

كانت هذه الاستراتيجية ناجحة وأدت إلى الانقسام، إذ وقع كل من المعتدلين والمتطرفين في الفخ، ويشير انقسام سورات إلى أن سياسة “العصا والجزرة” قد جلبت مكاسب غنية للحكومة البريطانية، في الهند.

يمكن تطبيق نهج “العصا والجزرة” كاستعارة على سلوك الصينيين خلال رحلات “كنز مينغ” في القرن الـ15، كانت الجزرة هي الوصول إلى البضائع الصينية من خلال الفرص التجارية، وكانت العصا هي القوة البحرية الساحقة التي يمكن أن يجلبها أسطول الحملة الصينية على الحكام المتمردين.

استندت العلاقات الدبلوماسية إلى تجارة بحرية متبادلة المنفعة ووجود مرئي لقوة بحرية عسكرية صينية في المياه الأجنبية، كان التفوق البحري الصيني عاملًا حاسمًا في هذا التفاعل، وتحديدًا لأنه كان من غير المستحسن المخاطرة بإجراءات عقابية من قبل الأسطول الصيني.

وفي الوقت نفسه، كانت الطبيعة الجديرة بالاهتمام والمربحة لرحلات “كنز مينغ” للدول الأجنبية عاملًا مقنعًا للامتثال.

وفقُا لمعهد “Monahar Parrikar” للدراسات الدفاعية والتحليل، لا يضمن نجاح أي من “العصا والجزرة” باستخدامها بشكل متسلسل أو مجتمع، ولم ينجح استخدام أمريكا “العصا والجزرة” إلى حد كبير، ما يوضح أن الطرف الآخر لديه مصالحه الخاصة، بالإضافة إلى أنه في الواقع قد لا يعتبر الجزر حلوًا بدرجة كافية أو العصا مؤلمة بدرجة كافية أيضًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة