استبدال الليرة السورية بعملة ورقية جديدة… بين الحقيقة والإشاعة

tag icon ع ع ع

استبدال الليرة السورية بعملة ورقية أخرى غير صحيح وغير دقيق ولا يمكن تطبيقه من الناحية الاقتصادية والعلمية والعملية، إذاً متى تلجأ أو تضطر الحكومة إلى استبدال عملتها بشكل كامل؟

إن عملية إلغاء العملة القديمة هو أمر تضطر الدولة مكرهة للجوء إليه في حال الانهيار التام لعملتها من أجل استعادة ثقة الناس بالعملة وتخفيض معدلات التضخم المرتفعة بشكل خيالي. فعلى سبيل المثال، عندما تصبح قيمة الدولار الواحد تعادل مليون ليرة سورية عندها نقول أن استبدال العملة أمر ضروري وواقع لا مفر منه.

• الحالة الأولى: جرت في تركيا، بعد انهيار الليرة التركية بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصادي التركي على مدى عدة عقود. فبعد أن كانت كل عشر ليرات تساوي دولاراً في الستينيات من القرن الماضي أصبحت كل مليون ليرة تركية تساوي دولاراً بعد أن انهارت الليرة مما اضطر البنك المركزي التركي لإلغاء ستة أصفار وأصبح كل مليون ليرة يساوي ليرة واحدة و بذلك أصبح الدولار مساوياً لـ1.40 ليرة تركية.

عندما قررت أوروبا إصدار اليورو كعملة موحدة لأوروبا. فقد حُولت جميع العملات الوطنية إلى يورو. ولكن عملية التحويل استغرقت ثلاث سنوات بدأت بميلاد اليورو في كانون الثاني 1999 إلى كانون الثاني 2002. إذاً تم خلال هذه المدة تحديد سعر التبادل بين اليورو وعملات منطقة اليورو واستُخدم اليورو في الفترة الانتقالية كوحدة حسابية فقط دون أن يدخل حيز التداول الفعليّ في الأسواق. أبصر اليورو النور كعملة متداولة بشكل فعلي في جميع الأسواق الأوروبية المنضمّة إلى منطقة اليورو آنذاك (النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وجمهورية ايرلندا ولكسمبورج وهولندا والبرتغال وإسبانيا) وتم سحب العملات الورقية والقطع المعدنية الوطنية.

ورغم أنّ العملة المتداولة ونسبة النقود خارج المصارف والمكتنزة في البيوت لا تشكل سوء نسبة قليلة جداً في ذلك الوقت فـ75% من الكتلة النقدية مودعة لدى المصارف, مع ذلك استغرق استبدال العملات بشكل نهائي قرابة الثلاث سنوات ورغم تطوّر و تقدّم القطاع المصرفي أيضاً.

فالكلام عن تغير العملة السورية ليس إلا شائعة لا تحمل أي مقومات علمية أو اقتصادية. نعم قيمة الليرة السورية في تراجع وتدهور، لكن لم تصل إلى مرحلة الانهيار بعد ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ المصرف المركزي نفى وجود أي نية لديه لاستبدال الأوراق النقدية المتداولة حالياً بأخرى جديدة. حيث حدد القانون 23 للعام 2002 في المادتين 19 و20 أسُس عملية استبدال العملة.

أمّا على صعيد الإجراءات الإداري والتنظيمي. كيف سيتم سحب كل هذه الكتلة النقديّة المقدرة بـ 600 مليار ليرة سورية من السوق و إبدالها خلال 3 أيام حسب ما ذُكر؟؟ إذا كانت معاملة استخراج سند طابو تحتاج إلى أسبوع وسبعين توقيع؟!. إن عملية الاستبدال لا تتم إلا بموجب مرسوم ولا يمكن أن تقل فترة الاستبدال عن ثلاثة أشهر كما أن القانون 23 لعام 2003 ينص على نشر المرسوم القاضي بعملية الاستبدال في جميع وسائل الإعلام. بينما يقوم مصرف سوريا المركزي من دمشق وخلال خمس سنوات ومنذ بداية عملية السحب بتسديد قيمة الأوراق التي تقدم للتبديل دون أن يتقاضى أي نفقة وينفذ أحكام التقادم على الأوراق التي لا تقدم للتبديل وتعود قيمتها إلى المصرف المركزي.

أيضاً هل نتصوّر تكلفة طباعة هذه الأوراق وإعادة سحب الأوراق القديمة في وقت لات جد الحكومة ما تسد به بطن الشبيحة المتورم .حيث تذكر الدراسات والأبحاث أن تكلفة طباعة الليرة السورية نفس كلفة طباعة الدولار. فتكلفة طباعة الورقة النقدية من فئة الـ(50) ليرة أو(1000) ليرة هي نفس تكلفة طباعة الدولار أو (50) دولار والتي تبلغ 6.2 سنت أي حوالي 5 ليرات سورية.

على صعيد آخر، في حال تقرر فعلاً استبدال العملة القديمة بأوراق نقدية جديدة. ما هو معدل التبديل؟ هل كل ليرة تساوي ليرة؟ إذا كان كذلك فهذا لا يعني تغيير جذري للعملة أما تغيير لون وشكل ولا يحدث أي تغيّر في القيمة الحقيقية لليرة. في حال أصبح سعر الدولار الواحد يعادل 10000ل.س أو 1000000ل.س ممكن أن تكون عملية التغيير مفيدة ومجدية اقتصادياً أما والدولار يساوي قرابة 80-100 ل.س فهذا كلام لا قيمة له.

وأخيراً..

هل من الممكن أو المتوقع أن تصل الأمور إلى الحد الذي يتطلب استبدال العملة؟

في المدى القصير من غير المتوقع أن تنهار قيمة الليرة السورية بشكل كبير لتصل إلى المرحلة التي تستوجب معها استبدالها كلياً. فمن المتوقع أن تمر الليرة السورية بمراحل متعددة، تتعرض خلالها إلى موجات من التراجع في سعر صرفها أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، كما حصل منذ عدة أسابيع عندما تخطى سعر الدولار الواحد حاجز الـ 100 ليرة ليعود ويستقر عند حدود الـ 80 ل.س بعد تدخل المركزي في السوق. لكن مع استمرار النظام في الحكم وقصف المناطق الثائرة وصرف ملايين الدولارات لتمويل عملياته العسكرية، بالإضافة إلى تخبط وفشل الإدارة الاقتصادية في إدارة والتعامل مع المستجدات الاقتصادية، سيدخل الاقتصاد السوري مرحلة جديدة من الكساد وسلسلة من الانهيارات في الكيانات الاقتصادية.

آليات مشوهة لضبط الأسعار

قالت وزارة الاقتصاد إنها ستزج بعناصر مدربة لتراقب تطورات الأسواق وتقلبات الأسعار وتضبط التجاوزات للحد من ارتفاع الأسعار حمايةً للمستهلك مع العمل على تشكيل فريق لإعداد قوائم أسعار تأشيرية بشكل أسبوعي لبعض المواد الأساسية بحيث تكون «ملزمة لكل مادة اقتضت الحاجة إلى تسعيرها» وهللت الوزارة بهذه الخطوة متبجحة بأن لديها ما يقارب من 90 عنصر ليتكفلوا بعملية الرقابة وسيتم زيادتهم تدريجياً.

تأتي هذه الخطوة كمن يستجير من الرمضاء بالنار حيث عجزت الوزارة عن لجم ارتفاع الأسعار الذي مس السلع الضرورية بحدة خلال الفترة الماضية بعد الانهيار المفاجئ لليرة أمام الدولار.

وحيث أن الأسعار استجابت بشكل فوري صعوداً لارتفاع الدولار مقابل الليرة حينما وصل إلى حدود 110 ليرات فإن الأسعار بالمقابل لم تستجب مطلقاً لتراجعات الدولار الأخيرة حيث أصبح الدولار اليوم بحدود 82 ليرة وذلك لعدة أسباب تتعلق بعوامل متعددة كالاحتكارات والجشع ونقص المعروض من المواد وارتفاع المطلوب منها والحملات الأمنية المستمرة على نطاق سورية ككل.

إن اللجوء إلى موضوع الرقابة الشخصية (التدخل السلبي) على الأسواق اثبت فشله في كل الاقتصاديات وفي كل الأوقات فهؤلاء المراقبين لا يمكن ضمان نزاهتهم إضافة إلى غياب آلية واضحة لعملهم في السوق فهم -إن كانوا جيدين- سيضبطون السوق حال وجودهم فيه وسيعود الفلتان في الأسعار لدى غيابهم عنه أو ربما سيسبب وجودهم نوع من الاتفاقات مع التجار يدفع ثمنها المستهلك الأخير مجدداً أو ستساعد على تعميق حالة السوق السوداء في كل السلع

وإذا كانت الحكومة عاجزة عن التدخل بشكل إيجابي لضبط الأسعار عبر دخولها كمضارب على تجار السوق بطرحها المواد المتماثلة بالمواصفات والجودة بأسعار منافسة عبر تأمين قنوات استيراد أو إنتاج محلي أقل كلفة أو حتى تحملها جزء من الخسارة عبر صندوق دعم الأسعار المرصود في الموازنة العامة للدولة, فإنها عملياً لا يمكنها إجبار التجار على فعل ما تعجز عنه هي من تسعير بأقل من سعر السوق!.

ويبقى الحل معلقاً بالوضع العام للبلد فإذا ما استمر العلاج الأمني للثورة فإن الاقتصاد سيعاني باستمرار من تصدعات ستؤدي لانهياره ولن ينفع عندها الرقيب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة