المنشقون ضدّ حرب بوتين على أوكرانيا.. هل يتصدّع الكرملين؟

camera iconالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومسؤولون روس وأفراد من عائلة الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسن، يحضرون مراسم جنازة يلتسن في كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو- 25 من نيسان 2007 (رويترز)

tag icon ع ع ع

منذ بداية “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط الماضي، صعّدت الحكومة الروسية ضغوطها على منتقدي الغزو المحليين، إذ حذّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 16 من آذار الماضي، من أنه سيطهر روسيا من “الحثالة والخونة” الذين اتهمهم بالعمل في الخفاء لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، موجهًا رسالته لرافضي الحرب التي أعلنها على أوكرانيا.

أدان عدد من الشخصيات العامة “غزو” أوكرانيا، وتركوا مناصبهم في المؤسسات والشركات التي تديرها الدولة، في واحد من أكثر الأمور لفتًا للانتباه، وأظهر حجم الانقسامات في الرتب الروسية الرسمية في معارضة الحرب.

أي شعب، ولا سيما الشعب الروسي، سيكون قادرًا دائمًا على إخبار الوطنيين عن الحثالة والخونة، وبصقهم مثل الذبابة التي طارت بطريق الخطأ في أفواههم، أنا مقتنع بأن هذا التطهير الذاتي الطبيعي والضروري للمجتمع لن يؤدي إلا إلى تقوية بلدنا وتضامننا وتماسكنا واستعدادنا لمواجهة أي تحدٍّ.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

 

“استقالة سياسية نادرة”

بوريس بونداريف، مستشار في البعثة الروسية الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، وعمل في مجال الحد من التسلح، قال، “ذهبت إلى البعثة مثل أي صباح آخر، يوم الاثنين (23 من أيار الماضي)، وأرسلت خطاب استقالتي وخرجت من هناك”.

وعزا بونداريف استقالته لخلافه مع “غزو” روسيا لأوكرانيا، وأن حجم الكارثة دفعه إلى القيام بذلك، وتُعد استقالته واحدة من الحالات السياسية النادرة التي حدثت خلال الحرب.

عقب استقالته، كتب بونداريف على موقع “لينكد إن”، “درست لأكون دبلوماسيًا، وكنت دبلوماسيًا لمدة 20 عامًا “، مشيرًا إلى مخاوفه بشأن “الغزو” إلى جانب كبار موظفي السفارة، قائلًا، “طُلب مني أن أُبقي فمي مغلقًا حتى أتجنب العواقب”.

وأضاف أن “وزارة الخارجية الروسية أصبحت بيتي وعائلتي، لكنني ببساطة لم يعد بإمكاني المشاركة في هذا العار الدموي الذي لا طائل منه، ولا داعي له على الإطلاق”، حسب تعبيره.

وكانت أوكرانيا حثّت الدبلوماسيين الروس على الاستقالة في مناقشة لمجلس حقوق الإنسان في آذار الماضي، في حين توقّع بونداريف ألا يتبعه الآخرون، قائلًا، “أخشى أنني الوحيد”.

رحبت المتحدثة باسم المعارض السياسي الروسي أليكسي نافالني، المسجون في روسيا، كيرا يارمش، باستقالة بونداريف، وكتبت عبر حسابها في “تويتر”، “يبدو أن هناك شخصًا واحدًا نزيهًا في وزارة الخارجية”.

حجر الاقتصاد

في أكبر احتجاج لشخصية روسية ضد “الغزو”، استقال مهندس الإصلاحات الاقتصادية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، وأحد الأشخاص البارزين في عهد يلتسن، أناتولي تشوبايس (66 عامًا)، من منصبه في آذار الماضي، كمبعوث خاص للكرملين.

ووفقًا لمصادر تحدثت إلى وكالة الأنباء “رويترز“، بشرط عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، فإن تشوبايس غادر البلاد بسبب الصراع في أوكرانيا، ولا ينوي العودة إلى روسيا.

شغل تشوبايس مناصب رفيعة المستوى لما يقرب من ثلاثة عقود، بدءًا من عهد بوريس يلتسن، أول زعيم في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، كرئيس أركان الرئيس حينها، بالإضافة إلى شغله أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء من 1994 إلى 1998، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.

وفي عهد بوتين، تولى تشوبايس مناصب عليا في الشركات الحكومية الكبرى إلى أن عيّنه بوتين مبعوثًا للتنمية المستدامة العام الماضي.

كان تشوبايس واحدًا من مجموعة صغيرة من الاقتصاديين المؤثرين في عهد إيجور جيدار (سياسي واقتصادي روسي، شغل منصب رئيس وزراء روسيا سابقًا)، الذين حاولوا ترسيخ التحول في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي ألقى بعشرات الملايين من مواطني الاتحاد السابق في براثن الفقر.

وكان أحد أبرز الروس في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي الفوضوية مباشرة، وصفه أعداؤه بأنه “سيد الدمى في الكرملين”، الذي باع أصول قوة عظمى سابقة لمجموعة صغيرة من الأوليغارشية في عمليات الخصخصة بالتسعينيات، كما يُعرف باسم مهندس الخصخصة.

إقرأ أيضًا: الأوليغارشيون الروس.. بعوض نما على مستنقع الاتحاد السوفييتي

لكن بالنسبة لأنصاره، كان تشوبايس بطلًا حارب لإنشاء سوق في روسيا، ومنعها من الانزلاق إلى حرب أهلية، عندما كانت المشكلات تلوح في الأفق، وهو من قلائل حقبة التسعينيات الذين ظلوا في حكومة بوتين، وحافظوا على علاقات وثيقة مع المسؤولين الغربيين، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبيرغ“.

في عهد يلتسن منتصف التسعينيات، ورد أن تشوبايس أوصى الإدارة بمنح بوتين أول وظيفة له في الكرملين بدائرة الممتلكات الرئاسية، ما صنع فارقًا في مسيرة بوتين المهنية، كما رحب في البداية بصعوده إلى السلطة في نهاية ذلك العقد.

في السنوات الأخيرة، واصل تشوبايس الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي، وكان أحد أبرز الليبراليين المرتبطين بالحكومة الروسية، وبعد وقت قصير من “الغزو”، كتب تشوبايس أنه منذ وفاة جيدار عام 2009، مرت حقبة كاملة، مضيفًا، “يبدو أن جيدار فهم المخاطر الاستراتيجية أفضل مني، وكنت مخطئًا”.

في كتابه الصادر عام 2006، “موت الإمبراطورية”، حذر جيدار من إغراءات الحنين الإمبراطوري إلى الاتحاد السوفييتي الذي رآه ينمو في عهد بوتين، قائلًا، “ليس من الصعب إقناع المجتمع بأن الدولة التي انهارت فجأة يمكن إعادة بنائها بالسرعة نفسها. هذا وهم وخطير”.

حجر الشطرنج

انتقد أركادي دفوركوفيتش، رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج (FIDE)، “غزو” بلاده لأوكرانيا، في تصريحات أدلى بها لمجلة “Mother Jones” الأمريكية، في 14 من آذار الماضي، وتعرض لانتقادات من الحزب الحاكم في الكرملين.

وكان دفوركوفيتش كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الروسي الثالث، ديمتري ميدفيديف، خلال فترة رئاسته من 2008 إلى 2012، كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء الروسي حتى 2018.

“الحروب هي أسوأ الأشياء التي قد يواجهها المرء في الحياة، أي حرب، في أي مكان، الحروب لا تقتل فقط أرواحًا لا تقدّر بثمن، الحروب تقتل الآمال والتطلعات، وتجمّد العلاقات والصلات وتدمرها، بما في ذلك هذه الحرب” في إشارة إلى الحرب الروسية- الأوكرانية، بحسب ما قاله دفوركوفيتش.

وأوضح دفوركوفيتش أن اتحاد الشطرنج كان “يتأكد من عدم وجود أنشطة شطرنج رسمية في روسيا أو بيلاروسيا، وأنه لا يُسمح للاعبين بتمثيل روسيا أو بيلاروسيا في الأحداث الرسمية أو المصنفة حتى تنتهي الحرب ويعود اللاعبون الأوكرانيون إلى الشطرنج”.

بعد يومين من تصريحات دفوركوفيتش، طالب مسؤول كبير في حزب “روسيا المتحدة” بإقالته من منصب رئيس مؤسسة “سكولكوفو” للابتكار المدعومة من الدولة، لكن المؤسسة ذكرت أن دفوركوفيتش قرر التنحي بنفسه بعد ذلك بنحو أسبوع.

حلقة الوصل الأخيرة

خلال نيسان الماضي، استقال صهر الزعيم الروسي السابق بوريس يلتسن، فالنتين يوماشيف، من منصبه كمستشار للكرملين، والذي كان له الفضل الأكبر في مساعدة الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، في الوصول إلى السلطة.

وعن سبب مغادرته، أجابت النائبة الأولى للمدير التنفيذي لمركز “بوريس يلتسن” الرئاسي، ليودميلا تلين، قائلة، “لقد كانت مبادرته”، وكان يوماشيف عضوًا في مجلس الأمناء بالمؤسسة، وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز“.

كان يوماشيف مستشارًا غير مدفوع الأجر، وله تأثير محدود على صنع القرار لدى بوتين، لكن رحيله أزال إحدى الروابط الأخيرة داخل إدارة بوتين بحكم يلتسن، وهي فترة من الإصلاحات الليبرالية، وانفتاح روسيا على الغرب.

تحت حكم يلتسن، الذي كان رئيسًا لروسيا من 1991 إلى 1999، عمل يوماشيف مستشارًا للكرملين، ثم رئيسًا لموظفي الكرملين فيما بعد، وهو متزوج من ابنة يلتسن، تاتيانا.

تولى يوماشيف الإدارة الرئاسية في عام 1997 عندما تمت ترقية بوتين، الذي كان حينها جاسوسًا سابقًا في جهاز المخابرات السوفييتية (كي جي بي)، ليصبح نائب رئيس أركان الكرملين، وعُيّن بوتين قبلها بعام في منصب إداري متوسط بالكرملين.

شكّل منصب بوتين، كنائب رئيس لأركان الكرملين، ركيزة أساسية للمضي نحو سُدّة القيادة، ليتربع على عرش الكرملين، بفوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2000، عقب تنحي يلتسن عن الحكم بسبب مرضه.

رغم أن سياسات بوتين اختلفت عن القيم التي اعتنقها يلتسن، خلال فترة حكمه 22 عامًا، حافظ الرئيس الروسي على علاقاته بالعائلة الأولى السابقة.

ففي كانون الثاني 2020، زار بوتين ابنة يلتسن، تاتيانا، وزوجة يوماشيف، في منزلها لتهنئتها بعيد ميلادها، وفقًا لموقع الكرملين على الإنترنت.

لكنها ومع بداية “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط الماضي، نشرت تاتيانا على حسابها في “فيسبوك” صورة للعلم الأوكراني مع عبارة “لا للحرب”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة