خريطة موجزة في عيد الأضحى

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

يحتفل السوريون بعيد الأضحى بشكل رئيس على “واتساب” وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن تمزّق النسيج الاجتماعي السوري، وتباعدت مكوّناته بشكل مفجع، وصار عليهم اختراع حلوى إلكترونية للعيد.

في العيد الماضي، سافرنا مئة كيلومتر من أجل أن نتقاسم ضيافة العيد في مهجرنا البعيد مع أحد أقاربنا، لأن اليوم الأول من العيد كان يوم دوام، ولم يزرنا أحد من الأصدقاء لتبادل المباركات في العيد.

وفي الداخل السوري، تشكو العائلات السورية من هموم العيد وعدم القدرة على شراء ثياب جديدة في ظل ارتفاع الأسعار الذي أفقر السوريين بسبب استمرار نظام الأسد الذي يستعبد البلاد.

يأتي عيد الأضحى هذا العام ولا يزال السوري هو الضحية التي تمتد عليها سكاكين النحر من كل القوى المتصارعة، والاحتلالات التي تتاجر بقضية السوريين، اعتبارًا من محاربة “الإرهاب”، و”محور الممانعة” الإيراني، وادعاءات حماية الإسلام، وشعارات التكفير، والتخوين، وما إلى ذلك من مواضيع صارت خارج اهتمام السوريين أمام مسألة الجوع التي تستعبد السوري وتبقيه محرومًا من حقوقه كإنسان.

يأتي عيد الأضحى ولا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستعرة، وقد حجبت جزءًا من الاهتمام العالمي بالقضية السورية، وتحاول روسيا استعمال سوريا والسوريين في وقود حربها الغاشمة، سواء بتجنيد السوريين في صفوف المقاتلين الانفصاليين في شرقي أوكرانيا، أو باعتبار سوريا مستعمرة تستفيد روسيا من موانيها ومن قواتها هناك، وتعتبرها مكانًا لتخزين المسروقات الروسية من أوكرانيا كالقمح والذرة الصفراء، وغيرهما من المواد التي تم “تعفيشها” من المدن التي احتلتها روسيا وانفصاليوها في شرقي وجنوبي أوكرانيا.

تسعى روسيا إلى منع دخول المساعدات إلى الشمال السوري، عبر إعاقة التصويت على تمديد قرار الأمم المتحدة المتضمن تقديم المساعدات للسوريين عبر الحدود، وتحاول منع المساعدات عن المتمردين على نظام الأسد، وإعادة الهاربين من قبضة النظام إلى فروع المخابرات التي لا تشبع من جثث السوريين، ولكن روسيا اليوم أضعف مما كانت قبل دخولها الحرب في أوكرانيا، ولا تستطيع التبجح بمحاربة “الإرهاب” بعد أن قامت بحربها الإرهابية ضد الأوكرانيين، ووقف العالم ضدها، بينما كان يتجاهل حربها ضد السوريين.

ولعل عيد الأضحى أوقف بشكل مؤقت تحديد مواعيد الاجتياح التركي في الشريط الحدودي، خاصة بعد المكاسب التي حصلت عليها تركيا نتيجة موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، وتثبيت اعتباراتها الأمنية ضد حزب “البي كي كي” الذي يعتبر منظمة إرهابية في الحلف المذكور، ولكنه ينال الدعم من “الناتو” في احتلال قواته للشمال والجزيرة السورية تحت مسميات وشعارات متعددة من “قوات حماية المرأة” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وشعارات محاربة “داعش”، وغيرها من الشعارات التي تتجاهل الواقع غير المنصف للعرب في تلك المناطق، وطموح الحزب المذكور لتحويل أكراد سوريا وسكان الجزيرة إلى جيش مستقبلي لمحاربة تركيا ونشر الحقد ضدها في استمرارية لحروب تركية- كردية لا تزال ممتدة منذ عقود طويلة.

مع كل ذلك، لا يزال السوريون يصنعون كعك العيد ويستقبلون بعضهم بفرح، ويتبادلون المباركات مع ذويهم المهاجرين في أصقاع الأرض المختلفة بكل أمل في اجتماع الأهل والأصدقاء في مقبل الأيام، ومهما كان اعتقادهم بشدة بُعدها، ويطمح الكبار في السن للذهاب إلى الحج في العيد المقبل، رغم قلة ذات اليد التي تحوّل ذلك الطموح إلى مجرد حلم جميل.

تتناثر عائلاتنا ولا نستطيع الاقتراب من أجزائها المبعثرة، ولا تستطيع شبكات التواصل الاجتماعي الحلول محل التقارب المكاني الذي كان يغمرنا بفرح تلك الأيام التي كنا فيها قريبين من بعضنا، ولن تستطيع تلك الشبكات جعل الأجيال الجديدة من أبنائنا على تواصل حقيقي في المشاعر والأفكار والطموح، فقد باعدت بيننا المسافات واللغات والدول التي تفرض شروطها اللامتناهية على السوريين، وتصل قسوة الشروط إلى منع زيارة السوريين لبعضهم داخل الدولة الواحدة بكل أسف.

يدعم السوريون بعضهم بعضًا بالحوالات الخارجية، ويخففون من معاناة الأطفال والنساء والفقراء، وتعود البسمة إلى الوجوه الحزينة والمكتئبة خلال العيد، وتدعم تلك الفرحة المعونات التي تقدمها المنظمات الدولية والتي تعبّر عن تضامن العالم مع السوريين، وترفض تركهم وحيدين وجائعين بانتظار الوصول إلى حل دولي يعيد الدولة السورية للشعب السوري، ويخفف من الخراب الذي تديره ميليشيات الأسد.

عندما كنا أطفالًا، وفي أيام العيد، كنا نظن أن يوم العيد يجعلنا أطول وأكبر مما كنا، ونراجع قياس طولنا قرب النافذة أو الباب، ونبشّر أنفسنا بأننا صرنا أكبر وأطول، ولعلنا في أيام العيد هذه نصبح أكبر وأكثر فاعلية، من أجل أن نجبر العالم على وقف مأساتنا، ووضع حلول عادلة تُنصف تضحياتنا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة