ميخائيل غورباتشوف.. “رجل سلام” أنزل راية الاتحاد السوفييتي

tag icon ع ع ع

“في ضوء تطورات الوضع وإعلان إنشاء رابطة الدول المستقلة، قررت إنهاء عملي بصفتي رئيسًا للاتحاد السوفييتي. وأتخذ هذا القرار على أساس مبدئي”.

تردد صدى هذه الكلمات للرئيس ميخائيل غورباتشوف على مسامع العالم، تزامنًا مع إنزال علم الاتحاد السوفييتي عن مبنى “الكرملين” في العاصمة الروسية موسكو.

كان ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، إلا أنه أول رئيس للاتحاد يعلن عن استقالته من منصبه بإرادته الكاملة، عقب سلسلة من التطورات السياسية التي عصفت بأحد أضخم البلدان نهاية القرن الماضي.

وأفاد المستشفى المركزي التابع للرئاسة الروسية في بيان، الثلاثاء 30 من آب، أنه وبعد صراع طويل مع “مرض خطير”، توفي ميخائيل سيرغي غورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، بحسب وسائل إعلام روسية وعالمية.

وفاة الزعيم السوفييتي تركت الباب مفتوحًا أمام شخصية غورباتشوف الجدلية، بين معارضين ومؤيدين له، باعتبار انهيار الاتحاد السوفييتي خلال فترة حكمه، لكن جميع الأطراف اتفقت على أنه كان شخصًا “غيّر مجرى التاريخ”.

“رجل السلام”

مع الإعلان عن وفاة غورباتشوف، توالت التصريحات من مسؤولين ورؤساء دول أوروبيين وروس وأمريكيين، للحديث عن مدى التأثير الذي تركه خلال فترة حكمه نهايات القرن الماضي.

وأعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، عن تعازيه بغورباتشوف، واصفًا إياه بـ”رجل السلام الذي فتح اختياره الطريق أمام الروس نحو الحرية”.

واعتبر ماكرون أن التزام غورباتشوف بـ”السلام” غيّر التاريخ المشترك بين أوروبا وروسيا.

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان حاضرًا على ساحة التعليقات عقب وفاة غورباتشوف، إذ أعلن الناطق باسم “الكرملين”، دميتري بيسكوف، أن بوتين سيعزي أسرة الزعيم السوفييتي السابق عبر برقية رسمية، بحسب قناة “روسيا اليوم“.

ورغم أن فترة حكم غورباتشوف للاتحاد السوفييتي كانت خلال حقبة “الحرب الباردة” بين الاتحاد وأمريكا، كان للرئيس الأمريكي، جو بايدن، تعليق على وفاة الزعيم السوفييتي، إذ أعرب عن أسفه لوفاة غورباتشوف، وامتدح إصلاحاته في أثناء قيادته للاتحاد.

وقال بايدن في بيان، إن تصرفات غورباتشوف كانت نابعة من “قائد نادر لديه من الخيال ما يكفي ليرى أن مستقبلًا مختلفًا ممكن إحداثه، ومن الشجاعة ما يكفي للمخاطرة بمسيرته كلها لتحقيق ذلك”.

وتابع الرئيس الأمريكي أن “النتيجة كانت عالمًا أكثر أمانًا وأكثر حرية لملايين الأشخاص”.

من توقيع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان (يسار) ورئيس الاتحاد اليوفييتي ميخائيل غورباتشوف على الاتفاق النووي عام 1988 (White House Photographic Collection)

من توقيع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان (يسار)، ورئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف على الاتفاق النووي عام 1988 (White House Photographic Collection)

مَن ميخائيل غورباتشوف

ولد غورباتشوف في 2 من نيسان عام 1931 في قرية بريفولنوي بمقاطعة ستافروبول كراي، على حدود روسيا الجنوبية.

وفي ذلك الوقت، قُسّمت بريفولنوي بالتساوي تقريبًا بين العرق الروسي والأوكراني.

وكانت عائلة غورباتشوف من ناحية الأب من أصل روسي، انتقلت إلى بريفولنوي من فارونيش قبل عدة أجيال، بينما كانت عائلته من ناحية الأم من أصل عرقي أوكراني هاجرت من تشرنيغوف، بحسب كتاب “Profiles in Power” الذي روى سيرته الذاتية.

أطلق عليه والداه اسم فيكتور، ولكن بإصرار من والدته المسيحية الأرثوذكسية المتدينة، كانت له معمودية سرية، إذ عمّده جده ليصبح اسمه ميخائيل.

كانت علاقته بوالده سيرغي أندرييفيتش غورباتشوف وثيقة، أما علاقته مع والدته ماريا بانتيليفنا غورباتشيفا فكانت أكثر برودة، بينما كان والداه من الطبقة الفقيرة يعملان فلاحَين.

شغل غورباتشوف منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق بين عامي 1990 و1991، ورئيس الحزب “الشيوعي السوفييتي” بين عامي 1985 و1991.

وكان من أصحاب الفكر الداعي لـ”إعادة البناء” أو “البريسترويكا”، وهو المصطلح الذي تستخدمه فئة من الروس اليوم للإشارة إلى أنه أحد أبرز أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي.

شارك غورباتشوف مع الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، في إنهاء “الحرب الباردة”، وحصل على جائزة “نوبل للسلام” عام 1990 إثرها.

آتت “البريسترويكا” ثمارها في نهاية عام 1991، عندما توارى الاتحاد السوفييتي في صفحات التاريخ بعد توقيع بوريس يلتسن (أول رئيس لجمهورية روسيا الاتحادية) على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.

إنزال راية السوفييت

كان تفكك الاتحاد السوفييتي إشارة إلى انتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، عقب إصدار مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي الإعلان رقم “H-142” معترفًا باستقلال الجمهوريات السوفييتية السابقة، وإنشاء “رابطة الدول المستقلة” (حلّت محل الاتحاد السوفييتي).

رابطة الدول المستقلة” هي منظمة دولية أورو- آسيوية مكوّنة من 12 جمهورية سوفييتية سابقة، ومقرها في عاصمة بيلاروسيا مينسك، وتضم روسيا، وبيلاروسيا، وأوكرانيا، ومولدوفا، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وطاجكستان، وقرغيزستان.

لعبت خطة غورباتشوف التي عُرفت باسم “البريسترويكا” دورًا أساسيًا بانهيار الاتحاد، إذ أعطت دول أوروبا الشرقية حرية تقرير مصيرها، كما لم تتدخل قوات الاتحاد في انهيار جدار “برلين”، ما اعتبر شرارة انهيار الاتحاد.

اقتضت خطة غورباتشوف حينها إيقاف سباق التسلّح مع أمريكا، كونه كبّد الاقتصاد الروسي خسائر فادحة، ومحاولة الإصلاح على صعيد الاقتصاد والحريات وحقوق الشعوب.

طابع بريد "البيريسترويكا"- 1988

طابع بريد “البريسترويكا”- 1988

وفي ظل تسارع الأحداث وفقًا لرؤية غورباتشوف، أعلن نائب الرئيس ووزراء الدفاع والداخلية والأمن والاستخبارات وكبار قيادات القوات المسلحة، أن غورباتشوف صار غير قادر صحيًا على مواصلة مهام منصبه، في إطار ما عُرف باسم “انقلاب آب 1991”.

لفظ الانقلاب آخر أنفاسه في غضون ثلاثة أيام، إذ سارعت أوكرانيا إلى إعلان انفصالها عن الاتحاد السوفييتي في 23 من آب، وهو ما أعقبته سلسلة إعلانات مماثلة لبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وكانت كازاخستان آخرها.

وانتهت أحداثه باعتقال أعضاء “لجنة الدولة لحالة الطوارئ” المحرضين على الانقلاب، وانتحر وزير الداخلية، بوريس بوغو، وتبعه مارشال الاتحاد السوفييتي، سيرغي آخرومييف، وهو مستشار رئيس الاتحاد السوفييتي، ممن اعتبروا أن انهيار الاتحاد “كارثة شخصية”.

لكن مجلس “الدوما” الروسي اتخذ، في 23 من شباط عام 1994، قرارًا بالعفو عن أعضاء اللجنة والإفراج عنهم، كونهم لم يعترفوا بذنبهم، معتبرين أنهم عملوا لـ”الحفاظ على وحدة الدولة”، وحاولوا منع تفككها.

الدبابات السوفييتية في الساحة الحمراء خلال انقلاب 11 آب 1992

الدبابات السوفييتية في الساحة الحمراء خلال انقلاب 11 من آب 1992




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة