داعش والبوصلة

camera iconلافتة لأنصار تنظيم "الدولة" بعد "إعلان الخلافة" حزيران 2014، في حلب.

tag icon ع ع ع

أحمد الشامي

في اللغة العسكرية هناك ما يسمى ببنك الأهداف، وهو مجموعة المواقع والأفراد المطلوب مهاجمتها لدى وقوع مواجهة مع طرف معاد.

حتى التنظيمات البربرية مثل “داعش” تحتاج لبنك الأهداف هذا، فمن غير المعقول القيام بعملية انتحارية لتفجير منزل سكني مهجور أو اغتيال شخص غير ذي أهمية.

من يتابع غزوات “الدواعش” لابد له من أن يطرح السؤال التالي: من أين تستقي داعش بنك أهدافها؟ ومن هو الذي يحدد هذه الأهداف؟ هل لدى داعش بوصلة أو حتى خريطة؟

بدأت داعش باغتيال الصحفيين الأمريكيين، والذي جلب القصف الأمريكي. أين هي الحكمة من هكذا خيار بربري؟

يبدو الدواعش وكأنهم يبحثون “بسراج وفتيلة” عن أعداء جدد، كأن داعش تعاني من قلة الأهداف وتبحث عن معارك دفعًا للملل! لم ير الدواعش لا جحافل حزب “نصر الله” ولا فيلق القدس ولا “الزينبيين”. كل همهم تلخص في اصطياد صحفيين وعمال إغاثة وجز أعناقهم، إضافة إلى صلب بعض “المرتدين” من المدخنين.

لدى داعش على ما يبدو فائض في بنك الأهداف، فليس في الشام “جيش نصيري” كافر، ولا عدو روسي تجب مقاتلته ولاحواجز عسكرية أو مواقع تعكر صفو “سيدنا البغدادي”، لذلك قام الرجل بتصدير “أهدافه”، وها هي خيراته تطول كل من لم يقتل السنة ولم يسفك دماءهم.

عشية مؤتمر “فيينا”، وحين تشددت فرنسا في مطالبتها برحيل الأسد، قام بعض المعتوهين بتفجير أنفسهم في شوارع “باريس” وقتل المارة والشبان في نواد موسيقية، لإرسال رسالة إلى السلطات الفرنسية مؤداها أن “البغدادي لن يرضى أن تُمس شعرة من رأس الأسد…”.

حين يجرؤ الأتراك على إسقاط طائرة روسية معتدية تدك المدنيين في الشام، يهب الدواعش لتفجير أنفسهم في شوارع المدن التركية.

مؤخرًا، قام “داعشي” معتوه بتفجير نفسه وسط مجموعة من السياح الألمان في اسطنبول، “عصفوران بحجر واحد”، هكذا يرد “البغدادي” على السيدة “ميركل” التي استقبلت السوريين كبشر ويضر بالسياحة في تركيا التي تؤوي ملايين السوريين.

لو كان “بوتين” والأسد والولي الفقيه يقدمون “طلبيات” لسيدنا البغدادي لما طلبوا غير ما يمنحهم الرجل.

في النهاية، داعش هي تركيبة استخباراتية دولية، هكذا هو عالم الاستخبارات القذر والغابة التي نعيش فيها، والمسماة زورًا بالمجتمع الدولي. في داعش أمراء يتلقون أوامرهم من “القرداحي”، وآخرون يسمعون كلمة بوتين والولي الفقيه، وهكذا دواليك وكل شيء بثمنه.

لكن، ماذا عن الذين يفجرون أنفسهم ليموتوا منتحرين “بالمجان” كرمى لعيون عصابة من قطاع الطرق والأفاقين من الدواعش وصيصان القاعدة؟

ما الذي يدفع شابًا مسلمًا للانتحار عبثًا؟

هذا الشاب عانى الأهوال ليصل إلى أوروبا، وحصل على بطاقة مرور أو إقامة تسمح  له بالعيش الكريم وبحقوق مساوية للأوروبيين، فلماذا يختار صاحبنا أن يتحول إلى قاتل ومنتحر؟ بغض النظر عن الخطاب الفارغ بخصوص “الرد على اضطهاد السنة في بلاد لا تضطهد المسلمين…”، ألا يدرك الرجل أنه سيموت “ببلاش” دون شرف أو كرامة، فشتان بين من يموت وهو يقتل الأبرياء وبين من يستشهد في الثغور وهو يقاتل زبانية الأسد؟

أمراء داعش يؤدون مهمات كلفتهم بها جهات استخباراتية تمولهم وتوجه تحركاتهم، ولن يقوم هؤلاء بعمليات انتحارية أو استشهادية، فهم يفضلون أن يكون “شرف الشهادة” من نصيب المغرر بهم.

يبقى أن هؤلاء المغرر بهم هم أبناؤنا وهم ضحايا ثقافة الموت والانحطاط، ثقافة القتل والانتحار العبثيين، الثقافة التي تعتمد الفتاوى الجوفاء والنقل الأعمى وتجافي العقل والمنطق.

هؤلاء البسطاء ومحدودو الأفق فقدوا بوصلتهم وعقلهم، على عكس داعش، الذي يفعل بالضبط ما يأمره به سادته في حلف الشياطين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة