تعا تفرج

كبة وسنبوسك وحافظ الأسد

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

نشرت صحيفة “عنب بلدي” فيديو، يصوّر رجلًا يحكي كيف تعلم صناعة الكبة من المسلسلات التلفزيونية، وصار يبيعها في دكانه، وأنه، كما يقول، نجح في هذا، والحمد لله.

لو أنك نظرت إلى هذا الموضوع، من مختلف الجهات، لوجدته طريفًا. فمن الواضح، بداية، أن الرجل أخطأ التعبير، لأن المسلسلات التلفزيونية لا تعلم صناعة الكبب، ولا أي طبخة أخرى، فهذا يحتاج إلى وقت قد يتجاوز مدة الحلقة، ولا يجوز لكاتب السيناريو أن يحكي في مسلسله عن امرأة تصنع لأسرتها كبة، إلا إذا كان لهذا الأمر علاقة بالخط الدرامي، وهو يكتفي، عادة، بكتابة لقطات سريعة ومتلاحقة، لنقع البرغل، ورشه بالماء، وسحقه في الماكينة، وتحضير الحشوة، وكل لقطة تستغرق ثانية أو ثانيتين، ثم يرينا الأسرة حول طاولة الطعام تلتهم الكبة التي تشتريها مديرية الإنتاج جاهزة من أحد المطاعم، وتُحضرها إلى مكان التصوير.

رجل الفيديو يقصد، على ما أظن، أنه تعلم صناعة الكبة من عالم “يوتيوب”، فهناك مئات الألوف من المواقع والقنوات التي تعرض أشياء من هذا القبيل، وبعضها يشرح عملية صناعة الكبة بالتفصيل الممل. وهنا يمكننا الانتقال إلى فكرة أخرى، هي أنه إنسان يستحق التحية، لأنه مكافح، استفاد من معطيات العصر الحالي، “يوتيوب”، فأدخل في سياق عمله نشاطًا يدر عليه ربحًا إضافيًا، ولكنه، من جهة أخرى، لم يضف إلى صناعة الكبب أي شيء، فالكبة موجودة في المطبخ السوري منذ زمن طويل، وقد جرى تطويرها وإضافة أنواع جديدة إليها، كالكبة بسماقية، والكبة بلبنية، والكبة بسفرجلية. والمساهمة الحلبية في الكبب لا تخفى على أحد، بدليل قولهم، في الأمثال المسجوعة، إن حلب أم المحاشي والكبب، وهذا ما ضايق متحضرين منهم زعموا أن هذا يقلل من شأن مدينتهم، فقالوا، على القافية ذاتها، إن حلب أم المعالي والرتب.

والحقيقة أن الكبة من المأكولات الفاخرة، والمكلفة ماليًا، وتحضيرها يتطلب استنفار القسم النسائي من الأسرة، مع الاستعانة بالجارات في أغلب الأحيان، ويستهلك من وقتهن الكثير، وهذا يؤشر على البطالة النسائية عندنا، ويدعونا للتساؤل: أين ستجد المرأة الأوروبية، التي تستيقظ قبل مسكة الإبريق لتذهب إلى عملها، وتعود مع غياب الشمس، وقتًا لصناعة الكبب، والسنبوسك، والشيشبرك، والأقراص المورقة، والكرابيج؟

حكى لنا سجين سوري، أمضى 16 سنة في سجن “تدمر” تبع حافظ الأسد، عن أنواع المأكولات التي يؤتى بها للمساجين، والطرفان، أعني السجان والسجين، يعلمان أنها نوع من التعذيب الإضافي، ففي الصباح يكون الفطور بطاطا مسلوقة، وعلى الغداء برغل وبطاطا، وطبخ البطاطا يكون بفرم الحبات بترابها، في حلة كبيرة، ولا يضاف إليها دبس البندورة، فالتراب العالق بها كفيل بأن يصبغها في أثناء الطبخ باللون الأحمر، والبرغل الذي يوضع بجانبها دون تقلاية، والعشاء بطاطا مقلية بزيت فرامل!

بعد خروج هذا السجين، بالسلامة، كنا نحن، أقاربَه، نولم له من أكثر الأكلات تكلفة وجهدًا، وفي مقدمتها الكبب، وكنت أجلس بجواره، وأسأله، همسًا: حافظ الأسد ما كان يعمل لكم كبب في “تدمر”؟ فيبتسم بمرارة، ويهمس: الله يحرق نفسه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة