“معمول” العيد.. تقليد وسهرة عائلية ومصدر دخل في إدلب

رجل يحضر "معمول" العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

camera iconرجل يحضر "معمول" العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

تجتمع فاطمة مع أقاربها في إدلب لتحضير “المعمول” الخاص بعيد الفطر، رغبة في إسعاد الأطفال الذين لا يدركون حجم المأساة من واقع اقتصادي ومعيشي متردٍ، عمّقها الزلزال الذي ضرب المنطقة مؤخرًا، وينتظرون أن يحمل العيد بعض الفرح والسرور.

قالت فاطمة درويش (26 عامًا) مهجرة تقيم في مدينة إدلب، إنها اعتادت الاجتماع مع أخواتها وبنات خالاتها في منزل العائلة الواقع في مدينة إدلب في أحد أيام العشر الأواخر من كل رمضان لتحضير “معمول” العيد.

تجلب كل واحدة منهن المواد الأساسية لتحضير الأصناف التي ترغب بها أسرتها، ويجتمعن سوية كتقليد منتظر من تقاليد شهر رمضان، يتبادلن أطراف الحديث ويتعاوَن في إنجاز “المعمول”، في سهرة عائلية محببة وطقوس “حميمية”، وفق ما قالته فاطمة لعنب بلدي.

لم يكن الاجتماع هذا العام كسابقه، إذ لا تزال آثار الزلزال ووقع الكارثة حاضرة في أذهان ومعالم المدينة، منتزعًا البهجة من قلوب الأهالي.

“معمول” مع غصة

وأضافت فاطمة، أنها وأقاربها لم يكن لديهم الرغبة الكبيرة بصناعة “المعمول”، وتقديم الضيافة ككل عام، فكل مواطن في الشمال السوري فقد عزيزًا على قلبه من أسرته أو أحد أقاربه أو من أصدقائه المقربين، في كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط الماضي.

بعد حديث ونقاش مع أفراد الأسرة قررت السيدة صناعة المعمول، واجتمعت مع أقاربها في منزل العائلة، وكانت التحضيرات بكميات أقل بكثير من كل عام، بهدف إدخال البهجة والسرور على قلوب الأطفال الصغار الذين ينتظرون هذه المناسبة السعيدة بعد عناء الصيام ولا يدركون حجم الألم الذي يقاسيه الكبار، وفق فاطمة.

تضيف سلوى عبدون (40 عامًا)، ربة منزل تقيم في مدينة إدلب، أنه لا بد من تجاوز “المحنة” رغم الألم الكبير، والسعي لإدخال الفرحة لقلوب الأطفال الصغار حتى لا تترك الحادثة آثارًا سلبية في نفوسهم.

من جانبه قال الستيني عبد الرحيم صطيف، إن اجتماع العائلات لصناعة المعمول يعد أحد التقاليد المنتظرة التي تحافظ عليها معظم العائلات، وأسرته على وجه الخصوص، وقبل الأعياد يجتمع جميع أفراد أسرته، من بناته وأبنائه وزوجاتهم، لخلق جو أُسري حميمي، تطغى عليه أحاديث ونقاشات متنوعة.

رجل يحضر "معمول" العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

رجل يحضر “معمول” العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

تهجير وغلاء يتركان بصمة

يعاني الأهالي في الشمال السوري من الفقر والعوز وظروف معيشية قاسية أثرت بشكل كبير في جميع مناحي الحياة، وعلى الحاجات الأساسية فيها، ولم يعد بإمكان معظم الأهالي صناعة “المعمول” بجودته السابقة، واستبدلوا بعض المواد الأساسية بمواد أخرى، إضافة لنقص بعض المعدات.

محمد عثمان (49 عامًا) مهجر يقيم في مدينة إدلب، قال في حديثه لعنب بلدي، “في منزلنا القديم في حمص كنا نملك أصنافًا متعددة من قوالب صناعة (المعمول) وفرن غاز ذي نوعية جيدة، يمكننا من خبز جميع أصناف الحلويات بما فيها (المعمول) بأنواعه المختلفة”.

وعن المواد اللازمة لصناعة المعمول يقول محمد الخير، إنه اعتاد على شراء أفضل أصناف العجوة اللازمة لصناعة “المعمول”، وتوصية رعاة الأغنام على أفضل أنواع السمن العربي.

ويضيف المهجر، أن الأحوال تبدّلت منذ سنوات ولم تعد الإمكانيات متوفرة، لشراء السمن العربي حيث وصل سعر كمية قليلة إلى 150 ليرة تركية، أي ما يعادل أجرة عامل ليومين أو أكثر، وحتى قوالب صنع “المعمول” لديه هي بلاستيكية “متواضعة”، ولا يملك فرنًا في منزله.

طقوس في الأفران العامة

تشكل الأفران العامة التي تحضر الحلويات في مدينة إدلب، فضاء لالتقاء الأهالي والأشخاص قبيل عيد الفطر، وتصبح عادة حمل أطباق “المعمول” وأصناف أخرى في شوارع إدلب في طريقها إلى الأفران ظاهرة عامة.

محمود الشامي (38 عامًأ) مهجر يقيم في مدينة إدلب، اعتبر أن فرن الغاز والمعدات اللازمة هي العقبة الأكبر أمام معظم العائلات، من أجل صناعة “معمول” العيد، لذلك اتجه الأهالي لصناعة “المعمول” في المنزل وخبزه في أفران الحلويات بأجور معينة.

عبد الله خضير الذي يدير فرن حلويات في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي إنه يبيع جميع أصناف حلويات العيد، منها البرازق و”البتيفور ومعمول العجوة والغربية” ويستقبل طلبات المواطنين المختلفة كخبز “المعمول” وغيرها.

وتابع مدير الفرن أن معظم الأهالي في إدلب يفضّلون، صناعة حلويات العيد في المنزل لكنهم لا يملكون أفران لخبزها، مشيرًا إلى أن بعض العائلات تحضر صنفًا، وبعضها صنفان، وتشتري أصنافًا أخرى من الفرن لصعوبة إعدادها كـ”الغريبة والبتيفور”.

وأوضح خضير أن متوسط أسعار أصناف “المعمول” بمختلف أنواعها يتراوح ما بين 60 و70 ليرة تركية للكيلوجرام الواحد، أما تكلفة خبز “المعمول” المنزلي في الفرن تصل لـ15 ليرة تركية.

تحضيرات "معمول" العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

تحضيرات “معمول” العيد في أحد الأفران بمدينة إدلب شمالي سوريا- 20 من نيسان 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

مصدر دخل

تعمل بعض الأرامل اللاتي لا يجدن من يعيلهم في مساعدة السيدات في أعمال المنزل كمساعدتهم في إعداد الأطعمة التي تحتاج لجهد كبير ومن هذه الأعمال صناعة “المعمول”، إذ تجد النساء في فترة الأعياد فرصة لتحقيق دخل مادي بسيط يساعدهن في تيسير أمورهن.

أم خالد (تحفظت على ذكر اسمها الصريح لأسباب اجتماعية)، قتل زوجها في إحدى جبهات الرباط قبل أعوام، وتعيل أربعة أطفال، بلغ أكبرهم 15 عامًا، قالت إنها تستقبل طلبات السيدات الموظفات أو المريضات، من أجل مساعدتهن في إعداد الأطعمة التي تحتاج وقتًا طويلًا، كـ”محشي الأرز”، وقبيل العيد يزداد الطلب على إعداد “المعمول”.

وتابعت أم خالد في حديثها لعنب بلدي، أن معظم العائلات تفضل صناعة “معمول” العيد في المنزل، ولا ترغب بشرائه جاهزًا، وتستقبل السيدة طلبات التحضير حسب رغبة العائلات، منها تجلب معدات “المعمول” ومواد حشوه من “المكسرات والجوز والعجوة والسمن”، وبعض العائلات تكتفي بتحديد الأصناف التي ترغب بها والكميات، وتشتري أم خالد المواد وتحضر “المعمول”.

وعن تكاليف صناعة “المعمول” المنزلي، قالت أم خالد إن أجرة صناعة كيلوجرام من المعمول تبلغ 35 ليرة تركية، كأتعاب دون أي مدفوعات ودون حساب مواد التصنيع.

جهاد فتاح (41 عامًا) مواطن يقيم في إدلب، قال لعنب بلدي، أنه لا يفضل المعمول الجاهز، ويرغب كل عام بصناعة “المعمول” على ذوقه الخاص ورغبة الأسرة، ولأسباب خاصة لا تستطيع زوجته صناعة “المعمول” في المنزل.

تواصل جهاد مع إحدى السيدات اللواتي يصنعن “المعمول” في منزلهن وأخبرها عن المواصفات التي تفضلها عائلته، واشترى نوع السمن الذي يفضل والمكسرات التي يرغب بها، وأخبر السيدة عن المقادير اللازمة، واتفق معها على موعد تسليم قبل العيد بيوم.

اقرأ أيضًا: “البالة” وتزيينها.. وجهة الراغبين بشراء كسوة العيد في إدلب


شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة