تعا تفرج

قتل المواهب العربية والإسلامية

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

كانت المجتمعات الغربية، في العصور الوسطى، تضطهد العلماء، والمخترعين، وأصحابَ نظريات التطور. لم تترك الكنيسة التي كانت تسيطر على كل شيء في أوروبا عالمًا إلا وآذته جسميًا، ونفسيًا، ومعنويًا، أو أجبرته على التراجع عن أفكاره صاغرًا، وإن لم يتراجع فلا أسهل من قتله، والتمثيل بجثته.

ولكن، أتى يوم على تلك المجتمعات، أدركت فيه أن سلطة الكنيسة يجب إبعادها عن الفضاء المشترك العام، على أن تحل محلها دولة عَلمانية، تحترم الجميع، وتخدم الجميع دون تمييز، ويجري تداول السلطة فيها سلميًا، وبآليات ديمقراطية. وبعد حروب، وصراعات، ودماء، وتضحيات، وتجارب، وكتب، ومؤلفات، استطاعوا التحرر من سلطة الكنيسة، ووضعوا قدمهم في بداية سلم التطور، وبدأوا يبنون حضارتهم على: العلم، ومكافأة العلماء والمخترعين، وحرية التفكير والعمل (دعه يعمل دعه يمر)، وتحرير المرأة، وتحرير العبيد، والصحافة، والمطابع… وذهب رجال الدين إلى الكنيسة، وأصبح عملهم يقتصر على المراسم، والأعمال الخيرية.

المتنورون في المجتمعات العربية بدأوا يتطلعون، منذ مطلع القرن الـ20، إلى اللحاق بركب تلك الأمم التي تحضرت، وتطورت، ولكنهم، مع الأسف الشديد، عانوا أكثر بكثير من معاناة نظرائهم الغربيين، فقاسم أمين، مثلًا، مع أنه فقيه إسلامي ملتزم، ذاق الأمرين لأنه قال بضرورة تحرير المرأة، فهذه المنطقة محرمة، مع العلم بأن دعوته لتحرير المرأة كانت صغيرة، ومتحفظة، وخجولة، حتى إنه كان من أنصار تحجب المرأة، ولم يعترض على تعدد الزوجات، ومع ذلك قامت عليه القيامة، وصار بعض المشايخ يقتحمون داره، ويقولون له: يا عدو الدين، هل ترضى لامرأتك وبناتك أن يتحررن؟

وفي تلك الحقبة، ظهر رجلان عالمان مصريان من الطراز الكبير، أولُهما شيخ أزهري اسمه علي عبد الرازق، نشر، في سنة 1925، كتابه المهم جدًا، “الإسلام وأصول الحكم”، الذي توصل فيه، بعد تعمق في دراسة القرآن، والأحاديث، وكتب الفقه، والسيرة، إلى أن الإسلام لم يضع أي نظام للحكم، وأكبر دليل على ذلك حادثة “سقيفة بني ساعدة” التي اجتمع فيها كبارُ الصحابة، وجثمان النبي لم يُدفن بعد، وتباحثوا في من سيتولى الحكم بعده، واختلف المهاجرون والأنصار حول أحقية كل منهما بذلك، والقرآن الذي لم يفرط فيه من شيء، لم يأتِ بآية واحدة تتحدث عن الحكم.

إثر صدور الكتاب، قامت قيامة الإسلاميين عليه، لم يتركوا وسيلة لمحاربته إلا واتبعوها، وفي سنة 1966، قبل وفاته بستة أشهر، كان يحاوره صحفي من مجلة “روز اليوسف”، وقال له: ما رأيك، أستاذ علي، أن نعيد طباعة كتابك “الإسلام وأصول الحكم”؟ فقال له: إذا فعلتَها، والله أرفع عليك قضية في المحكمة!

وثانيهما، الأديب الكبير، عميد الأدب العربي، طه حسين، الذي درس في “السوربون”، وأصدر، في الحقبة ذاتها كتابه في الشعر الجاهلي، واعتبر فيه أن معظم ذلك الشعر نُحِلَ في العصور الإسلامية، ونُسب إلى شعراء الجاهلية، ووقتها لم يقتصر “الشباب” على شتمه، ومعارضته، بل أقاموا عليه دعوى قضائية، ولولا أن أسعفه الحظ بنائب عام محترم، اسمه محمد نور، لذهب في خبر كان المحذوف. فتأمل!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة