الأسد.. جثة سياسية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تصريحات قائد “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، قبل عدة أيام عن اعتبار الأسد جثة سياسية، أثارت ردود فعل مختلفة لدى السوريين، بينما بقيت العواصم العربية مصرة على التعاطي مع الأسد وتبادل الزيارات معه، وسط رفض شامل من السوريين المعارضين.

المقابلة الجريئة لسمير جعجع تداولتها القنوات والتجمعات السورية المعارضة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي تفوقت في نشرها، رغم الأجواء العنصرية التي تطال اللاجئين السوريين من قبل أتباع “حزب الله” ومناصريه الذين يعتبرون إيران أقرب إليهم من سوريا، بالإضافة إلى أيتام “حلف الأقليات” الذين فشلت تحالفاتهم مع الأسد الذي أصبح جثة سياسية كما يقول قائد “القوات اللبنانية”.

إذا اعتبرنا أن آخر فعل سياسي حقيقي وفعّال قام به النظام بعد استدعاء الميليشيات الإيرانية هو استدعاء القوات الفاشية الروسية في العام 2015، فإن نظام الأسد تقاعد عن الفعل السياسي وسلّم راياته ومفاوضاته لإيران وروسيا، وانشغل مؤيدوه بالاصطفاف مع روسيا أو إيران، أو الاهتمام بتغيير محافظ حمص.

جيش الأسد، الذي يعتبره النظام ركيزته الأساسية في دعم المواقف السياسية، انقسم بين المحتلين الإيراني والروسي، إذ التحق جيش “النمر” بروسيا، وفرقة ماهر الأسد بإيران، أما بقية الفرق التي اجتاحت المدن السورية ودمّرتها، فإن وزنها العسكري والوطني صار في الحضيض.

وأجهزة المخابرات بدورها تم تقاسمها بين الإيرانيين والروس، وتنوعت طرق التعذيب التي يمارسونها على المعتقلين السوريين، واعتبارهم مجرد ورقة سياسية مؤجلة تنفع الروس والإيرانيين في مفاوضات الحل، إن حصلت، بالإضافة إلى بروز نوعيات جديدة بالتصفيات الجسدية تجلّت في درعا والسويداء وبقية المدن التي بقيت في مزرعة الأسد.

الجانب الصناعي الرافد لأي موقف سياسي قد يتخذه النظام تحول بدوره تحولًا نوعيًا إلى صناعة “الكبتاجون”، الذي يدرّ المليارات على عائلة الأسد، بالإضافة إلى استعماله من قبل الجانب الإيراني للضغط على الأردن والسعودية، اللتين يتدفق إليهما “الكبتاجون” بقوة سلاح الميليشيات والمخابرات وبحماية الجيش السوري.

أما الجانب الجغرافي الذي يمثّل جزءًا مهمًا من السيادة الوطنية والسياسية، فإن “سوريا الأسد” التي ورّثها الأسد الأب لابنه لم يعد نصفها بحوزته، فقد تم انتزاعها من قبل “الجيش الحر” والأتراك والأمريكيين وميليشيات “قسد”، وخسر النظام المحاصيل الزراعية الاستراتيجية ومعظم حقول البترول.

وفي الجانب الذي لا يزال تحت حكم النظام، فقد استولى الروس على المرافئ والثروات الباطنية، كما استولت إيران على نصف مجرى نهر “الفرات” من البوكمال باتجاه الميادين وحتى ريف الرقة غرب الفرات، بالإضافة إلى استيلائها على بلدات وأحياء في كل المدن السورية، وحسب صحيفة “الوطن” التي نقلت الكلام عن وزير الأشغال الإيراني الذي زار الأسد مؤخرًا، استولت إيران على أراضٍ سورية جديدة مقابل ديونها على النظام.

في الجانب السكاني قُتل أكثر من مليون سوري على أيدي قوات النظام وأعوانه، واعتقل واختفى أكثر من مئتي ألف، بالإضافة إلى أن نصف السوريين إما نازحون في الداخل وإما لاجئون في الخارج.

حصيلة الموات السياسي الذي تسبب به بشار الأسد أوسع من ذلك، فقد انتشرت المحاكم الدولية التي تتوعده وتتوعد مسؤوليه الكبار في مختلف المحافل الدولية من ألمانيا إلى فرنسا إلى هولندا إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العزلة الدولية التي شملت معظم دول العالم، ولم تترك لبشار الأسد إلا القدرة على زيارة عدة دول، على رأسها كوريا الشمالية وإيران وروسيا وعدد من الدول الفاشلة التي تتسابق في المواصفات مع نظامه.

الدول العربية، والدول الخليجية خاصة، تحاول الآن التعامل مع بشار الأسد كوضع راهن، وربما كجثة سياسية. وقد شهدنا الزيارة المفاجئة لوزير خارجية السعودية إلى دمشق التي كانت ضمن مشروع التحاور مع إيران، بالإضافة إلى الوفد البرلماني العربي ووزراء عدد من الأنظمة الفاشلة لدمشق، بحجة الزلزال، حيث تضامنوا مع النظام الميؤوس منه، ولم يتعاملوا مع الشعب السوري أو مع ضحايا الزلزال إلا بمساعدات استولى عليها النظام، ووزع معظمها على مؤيديه وميليشياته التي لم تعد الحرب تدرّ عليهم الكثير من المكاسب.

تركيا أيضًا تعلن كل يوم أن رئيسها سيتقابل قريبًا مع الأسد، ولكن إيران لا تزال رافضة لذلك، رغم إرادة روسيا المتهالكة على صنع نوع من الإجراء السياسي الذي يحاكي ما فعلته الصين عندما جمعت السعودية وإيران بعد سنوات من الحرب الكلامية والسياسية بينهما، وأعادت علاقاتهما الدبلوماسية بين ليلة وضحاها.

وكما قال جعجع، فإن النظام عاجز وفي حالة موات، ولم يقم بأي خطوة سياسية يغيّر فيها سياسته الداخلية أو الخارجية، ولم يصدر أي مبادرة حقيقية للمّ شمل السوريين إلا في المعتقلات، ولا يزال الأسد يعتنق سياسة التكبر على الشعب السوري، ويعلن إعلامه الشعارات الطائفية في حكم البلاد، مثل شعار “حلف الأقليات”، وشعار السيطرة الطائفية على المخابرات والجيش، وكأنما بشار الأسد مقيم مع جثة أبيه التي لا تزال تحكم سوريا إلى اليوم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة