تعا تفرج

لا تتمسك بالأخلاق يا ولدي

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

لا بد أن يتبادر إلى ذهن من يقرأ عنوان هذه الزاوية أنني أدعو للميوعة. وأكاد أجزم أن من يقول ذلك لا يعرف ما هي الميوعة أصلًا، وإذا حاصرته بالسؤال عن معناها، قد يتخلص منك بقوله متأتئًا: يعني، الميوعة شيء، شيء، يعني.. عكس الأخلاق!

هنا يصبح بإمكانك أن تُربك هذا الإنسان، فتسأله سؤالًا بسيطًا: وما الأخلاق؟ فيقول لك، وقد باغته السؤال: آ؟ الأخلاق هي.. الأخلاق.. ثم يقول بنزق: حل عن سماي، هل تحتاج الأخلاق إلى تعريف؟ أقول: نعم، يا صاحبي، الأخلاق تحتاج إلى تعريف، وإنه لمن السذاجة، أو من الغدر، أن تنصح الناس بأن يتمسكوا بالأخلاق، دون أن تشرح لهم مقصدك، أو تخبرهم عن نوعية أخلاقك.

سؤال آخر سأطرحه على جنابك: هل الأخلاق شيء جيد؟ ستقول لي: طبعًا. وهنا أسألك: لماذا وُجد مصطلح “مكارم الأخلاق” إذًا؟ الجواب، ببساطة، أن هذا المصطلح وُجد للتمييز بين الأخلاق الكريمة والأخلاق السيئة، أو انعدام الأخلاق، ولا تنسَ أن الأتراك إذا أرادوا أن يشتموا رجلًا يقولون له: “Ahlaksız”، أي “عديم الأخلاق”.

المشكلة الأساسية في الأخلاق أنها تتغير مع الزمن، وتختلف. ذات مرة، كنت مسافرًا إلى هامبورغ في طائرة تركية، وهبطت الطائرة اضطرارًا في فارصوفيا، ولم يكن لدي موبايل ألماني لكي أخبر أسرتي بأنني سأتأخر. لم يقبل أي من الركاب أن يعيرني هاتفه، فهل هؤلاء قوم بخلاء؟ أم أن أخلاقهم سيئة لا يغيثون الملهوف؟ أقول، لا هذه ولا تلك، ولكن حوادث أمنية وجنائية تحصل يوميًا بسبب إعارة الجوال، ما يعني أن خُلُق “إغاثة الملهوف” زال. سأضرب لك مثالًا أقوى من سابقه. مرة، في الثمانينيات، كان ابن خالي عبدو يحرث حقله، ويصيح موال “يا راكب الحمرا كناطير”، وإذا برجل راكض يأتي، ويقول له: دخيلك يا حاج. أريد أن أصل إلى حارم بأقصى سرعة. قال له: أبشر. وفك واحدًا من الكديشين المكدونين على النير، وأركبه وراءه على صهوة الكديش وأوصله إلى حارم، وعاد إلى حقله مكملًا الموال: “سلم على أحباب قلبي قناطير”. وبعد سنتين تقريبًا، جاءت دورية من “الأمن العسكري” واعتقلته، وسيق إلى سجن “تدمر” حيث أمضى 12 سنة، والسبب، كما أخبروه في التحقيق، أن الشخص الذي أوصله إلى حارم من كبار قادة تنظيم “الطليعة المقاتلة”، وكان مطاردًا، وهو أنقذه من الفخ عندما أوصله إلى الحدود التركية.

ثمة حكاية أخرى، حصلت في مصر، تدل على تبدل الأخلاق. رجل أخلاقي جدًا، مرض أبوه، فصحبه إلى الطبيب، والطبيب، بعدما عاينه قرر إحالته إلى المستشفى لكي يعلقوا له سيرومًا، وفي سيارة الأجرة كان السائق يشغل المسجلة على خطبة للشيخ متولي الشعراوي، يَنهى فيها عن معالجة الرجل المسن، قائلًا: سيبوه يموت ويقابل ربنا. فعاد الرجل بوالده إلى البيت، وترك والده يموت دون أن يعالجه. وكان سعيدًا لأنه نفذ وصية الشيخ الشعراوي. وعندما مرض الشعراوي، وذهب للعلاج في لندن، ندم الرجل، وقعد يبكي على والده وقد شعر أنه هو الذي قتله!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة