إعادة إحياء مطلب منطقة الحظر الجوي

فادي القاضي: خبير حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط.

camera iconفادي القاضي: خبير حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط.

tag icon ع ع ع

فادي القاضي

تأخر أم لم يتأخر اقتراح فرض منطقة للحظر الجوي على لسان أحد أرفع المسؤولين الغربيين، لا يُغيرُ من جوهر الإشكالية القائمة، وهو في الواقع لا يتعلق تحديدًا بقبول الفكرة من زاوية المبدأ، أم رفضها بشكل قاطع. ولعل اقتراح المستشارة الألمانية ميركل بفرض هذا الحظر يُشكلُ بحد ذاته بادرةً تستحق من الفاعلين في الأوساط السورية المدنية والسياسية التقاطها، بمعزل عن الإشكاليات المُصاحبة للفكرة.

ويقع لُبّ الإشكال في مسألتين، هما بالضرورة متداخلتان مع بعضهما البعض، تتمثل الأولى في تنفيذ منطقة الحظر، والأساس الذي من المفترض أن يُبنى عليه التنفيذ هو، نظريًا، قرارٌ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقضي بإنشاء هذه المنطقة، وعلى قاعدة أن قرارات هذا المجلس محكومةٌ بتوافق، وليس بالضرورة اتفاق، القوى العظمى الخمس على تمرير القرار، وفي الحدود الدنيا عدم معارضته، فمن الصعب أن نتخيل حاليًا أن قرارًا كهذا سيصل إلى أروقة المجلس من دون أن يتم بناء قاعدة التوافق عليه بين القوى الخمس بشكل مُسبق، وبالتحديد مع روسيا.

والمسألة الثانية، هي أن التنفيذ، وعلى فرض أن قرارًا لمجلس الأمن قد صدر بهذا الشأن، سيتصاحب مع آلية لردع أو منع الخروقات لمنطقة الحظر العتيدة، وهو أيضًا ما يبدو معقدًا لدرجة كبيرة بالنظر إلى المشهد الدولي والإقليمي الحالي. لا تملك الأمم المتحدة جيوشًا لتحريكها ولا منصات إطلاق صواريخ أو مضادات للطائرات أو حتى طائرات لتعقب أي حراك جوي يخرق الحظر المفروض. وفي السابق، وفي سياق الحظر الجوي الذي فرضه قرار للأمم المتحدة فوق أجواء البوسنة والهرسك والذي امتد من 12 نيسان 1993 لغاية 20 كانون الأول 1995، فقد لعبت قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الدور الأساس في فرض رقابة على المجال الجوي، باستخدام أساطيل قوات الدول التابعة للحلف، جوًا وبحرًا، وباستخدام الصواريخ وغيرها.

لكن، بعض دول حلف الناتو ذاتها منخرطةٌ في القصف الجوي على بعض مناطق سوريا في سياق التحالف الدولي ضد داعش، وهي مسألةٌ من شأنها جعل معظم القوى التي من شأنها أن تملك القوة والجاهزية لتنفيذ القرار، خارج إطار مواصفات “الحياد” مع أن ذلك لا ينبغي أن يكون شرطًا أو عائقًا، إلا أنه بالفعل يُعقدُ الأمور، إذا أخذنا، مثلًا، بعين الاعتبار التوافق على رقعة الحظر ومكانها وأين تبدأ وتنتهي، وأين تمر طائرات روسيا، وأين لا تمر طائرات أمريكا، وهكذا.

لكن، منطقة الحظر الجوي التي يجب على السوريين التمسك بها في الوقت الحالي، هي بالضبط من مواصفات تلك التي تحدثت عنها ميركل، أي منطقة للحماية، وملاذ آمن لمئات الآلاف من الذين يفرون من قصف بوتين والأسد، أو حتى القصف التركي، أو الأمريكي على مناطق أخرى، وهي بالضرورة أيضًا منطقة تصلح لإسناد العمل الإغاثي والإنساني وبالتحديد الطبي منه، كما يجب التفكير، بتقديري، بضرورة أن تكون المنطقة نفسها منزوعة السلاح، حتى لو خضعت لسيطرة تنظيم أو فصيل ما، ويجب ألا يكون هناك أي حضور عسكري يُعرّض المدنيين للخطر في منطقة الحظر الجوي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة