مجنّدون تصبح إجازتهم مفتوحة !! يُتوّجون بها شهداء.

tag icon ع ع ع

روت أمهات داريا بدماء أبنائهن الشهداء قصصًا اختلفت باختلاف عمر الشهيد، وطريقة استشهاده، فكان منهم من ارتقى للباري إثر تواجده في ساحات الحرية، بحثًا عن كرامته المهدورة، ليتلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن تستقر رصاصات قنّاص في جسده الطاهر، ومنهم قضى نحبه تحت التعذيب إثر اعتقاله في أحد فروع الأمن، وكثر أولئك الشباب المؤمن بعقيدته، إذ أقسم أن يحمي شعبه، ولا يخون الأمانة، فرفض أوامر رؤسائه بإطلاق النار على المتظاهرين أثناء تأديته الخدمة العسكرية، لتكون هذه الرصاصات ثمن أخذه ذاك القرار، وليُكافأ بأن تغرس في صدره هو، وغيرهم من ذهب لإسعاف جرحى ليصبح هو جريح رصاصات غادر تودي بحياته، وآخرون خرجوا لتشييع شهداء الحرية لينال أجر خروجه في الجنازة من الباري بأن يكون تشييعه هو في اليوم التالي.

ومما لفت انتباهي أثناء سماعي لتلكم القصص تسجيل أكثر من حالة استشهاد لشباب كانوا يؤدون خدمة العلم الإلزامية، وفي وقت مستقطع من دوامهم، وأثناء إجازة لهم لزيارة ذويهم فإذا بتلكم الإجازة تتحول إلى إجازة مفتوحة يُتوجون أثناءها شهداء.

وتستحضر إحدى الأمهات قول الباري {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } سورة لقمان34،إذ اختار الله أن يُؤجّل وقت قدوم ملك الموت للقاء ابني حتى يصل إلى داره، بين أهله وإخوانه، إنها روح ابني الطيبة التي أبت إلا أن تُشيّع في شوارع ألف أن يسير بها في طفولته، وهاهو الآن يباهي الله به ملائكته وهو يتوّجه شهيداً في تلكم الشوارع نفسها.

وأذكر أن هذي الحال تكررت مع أكثر من أم وهي تروي لي قصة استشهاد ابنها، ومن هؤلاء الشهداء وليد خولاني الذي استشهد في الجمعة العظيمة 22نيسان2011م، ومحمود وهبي الذي انتقل لجوار المولى في 14 آب 2011م،

وتروي أخرى أن ابنها تعرض لطلق ناري أثناء خدمته العسكرية، ولكنه رفض أن يموت هناك، فقد وجد نفسه غريبًا بين أناس لا يدركون الحق، ولا يريد أن يموت غريبًا فآثر أن يمتص ألم جراحه حتى يصل إلى بيته رافعًا رأس أهله، إذ أصبحوا أهل الشهيد.

غريب أمر وطني كل ساحاته تتحول إلى ساحات موت، يفر الشاب بجسده من آلة الغدر العمياء في الجيش الأسدي، ليأخذ قسطًا من الراحة بين أهله، فإذا بساحة أخرى تنتظره، وإذا بإجازته تصبح مفتوحة، وعسى النهاية قريبة والفرج عاجل.

إذ ذكرت هذه الأم أن ابنها أصبح يتململ في الآونة الأخيرة من الذهاب للجيش، وكان يخبرها أنهم يرون الموت بأعينهم كل يوم مئة مرة أو يزيد، وهو كل مرة يدعو الله أن يميته بين أهله، في حضن أمه، فهو يريد أن يخبرها أنها أحسنت تربيته، وأنه أدّى الأمانة، ولم يخضع للأوامر بإطلاق النار، أراد أن ترفع أمه رأسها به، وكان يخاف أن يعود إليها على الأكتاف قبل أن يشكرها أجر ما ربت، ولكن شاء المولى أن يستجيب لأمانيه، وأن أعبق برائحة دمه، وأنحني على جبينه لأقبّله ألف قبلة علني لا أقوم بعدها.

صبرًا أمهات سوريا، إذ باتت الواحدة منهن تعرف أن ابنها سيموت لا محالة فأصبح همهن الدعاء بأن يموت قريبًا منهن، وأن يخرجن لتشييعه، وأن يوارى التراب عليه في قبر قريب من داره،فلا تنقطع رائحته عنهن أبدًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة