no image
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 63 – الأحد 5-5-2013

هوشيار – قامشلو
كان فرانكل طبيبًا يدير مشفى للأمراض النفسية والعصبية قبل أن يتم اعتقاله ويساق إلى معسكرات الاعتقال النازية في الحرب العالمية الثانية، تعرض كل أفراد عائلة فرانكل للاعتقال ومن ثم القتل باستثناء شقيقته، كان فرانكل كغيره معرضًا للموت والقتل في كل لحظة، فأي إظهار للضعف في معسكرات الاعتقال يشير بأنك لم تعد قادرًا للتسخير والقيام بالمهام الشاقة وبالتالي يرمى بك في غرف الغاز وتقتل، في مثل هذه الظروف القاسية يضع فرانكل أسس نظريته (العلاج بالمعنى) كعالم نفس وكإنسان خبر ظروف قاهرة.4

يتمحور جوهر النظرية حول أن الانسان يمر بحتميات ثلاثة (الألم – المرض – الموت) فإن استطاع الإنسان أن يجعل لهذه الحتميات معان وقيم كان قادرًا أن يتخطاها ويخرج منها ويتكيف في حياته بل قد يصبح أفضل مما كان، أي يزداد خبرة ووعيًا وحكمة، وإن لم يجعل للمواقف والأحداث معان وقيم، تعرض للسقوط والمرض ومن ثم الخسارة ..

هكذا يرى فرانكل بأن المعاني والقيم التي نعطيها للأمور تخلق إرادات وتحفزنا للعمل والنهوض المرة تلو الأخرى، (إرادة المعنى) هو أول مبدأ يطرحه فرانكل في نظريته، فطالما أنك إنسان تقوم بدور ما في هذه الحياة، فإن ذلك يخضع لمبدأ المعنى الذي وضعه فرانكل، وبالتالي حياتك ذات قيمة مؤثرة وتستحق المعاناة، وفي نفس السياق يقول «نيتشه»: (من يمتلك سببًا يعيش من أجله فإنه يستطيع غالبًا أن يتحمل بأية طريقة وبأية حال).

ما تحدث عنه فرانكل نعثر عليه بغزارة في مفاهيمنا الدينية، بل ونجد قيم ومعان أعمق مما يطرحه فرانكل في نظريته لا يسعنا المجال هنا للخوض فيها، ولكن نستطيع أن نلمس آثارها هنا أو هناك، فهي ذخيرة كامنة تعمل مفعولها متى ما وضعت في سياقها السليم، نستطيع أن نأتي بالثورة السورية كمثال حي لإسقاط المعاني المستقاة من هذه المفاهيم، قد يستغرب المتابع من هذا التحدي الذي فرضه الشعب على العالم ببقائه مصرًا على حقوقه رغم تساقط براميل المتفجرات وصواريخ السكود، وإذا حاولنا أن ننظر إلى القيم والمعاني الأولية التي تحفز الثوار ستجد معان متعددة غنية (الواجب، التسامي فوق الذات، الشهادة، الوفاء للشهداء، التخلص من الظلم، الحرية، الكرامة، الحق، العدالة…. الخ)

ولا تنتهي قائمة المعاني والقيم، ما يهمنا هو أنه لا بد من وجود معان سامية للمعاناة والتضحية المبذولة لكي يستمر الإنسان في عطائه ونشاطه.
ولنرى كيف تعبر إحدى الأمهات في رثائها لابنها الشهيد لحظة تشييعه فالكلمات خرجت بشكل عفوي:
بحمى الرحمن يا بطل
بوركت يا شبل المحن
هذا مكانك يا بطل
كما عرفتك منذ الصغر
نار وبارود وناقوس خطر
الحق بمن سبقوك لمجد المحن

الأم هنا تعبر عن توديع مطمئن لابنها البكر، فهو بطل وشهيد، وهذه مرتبة المجد الذي استحقها، شعور بالفخر ناتج عن المعنى الذي أعطته الأم لهذه التضحية.
إلى هنا ستدور في خلدنا أسئلة؟ ما هي المعاني المناسبة لأحداث حياتي؟ كيف أصل إليها؟
الجواب بسيط: ليس بالضرورة أن تجد معان جاهزة أو تنسخها من الآخرين، كل ما عليك فعله هو أن تحدد كيفية استخراج المعاني لخط حياتك، خط حياتك أنت، لكل إنسان خصوصية وبصمة سيجد فيها معان مناسبة لما يمر به، هناك أسئلة مفتاحية تساعد على الوصول لكيفية استخراج المعاني، أسئلة وجودية كبرى ستعتمد عليها.

وهذه بعض النماذج من الأسئلة:
ما معنى الحياة بالنسبة إلينا؟
ماذا تتوقع الحياة منا وليس ما نتوقعه نحن منها؟
هل هناك مهمات تنتظرنا؟
هل هناك أدوار لم نقم بها؟
هل هناك وعود لم نوف بها بعد؟
هل هناك من بانتظارك؟
هل قدمت أفضل ما لديك إلى الآن؟
هل ما تعانيه هو الأسوأ؟ أم كان من الممكن أن يحصل الأخطر؟
هل وهل وهل…؟

كلما كثرت هذه الأسئلة وجد الإنسان معان لحياته، وأهداف لوجوده، وأدوار يعيشها ومسؤوليات يحددها كإنسان حر واع وبالتالي تبدأ المعاناة تأخذ معنى والتضحية تصبح هادفة وذات قيمة، وتصبح المبادرة سمة ملازمة لحركة الإنسان في الحياة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة