من مذكرات معتقل أحنّ إليك أمي..

no image
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 68 – الأحد 9-6-2013
4
يحدّثنا أحد المفرج عنهم عن حال صديقه المعتقل، الذي تعرّض للتعذيب والضرب المبرحين، حتى أُنهك جسده وخرّ يصارع الموت والألم وذكرياته مع عائلته وأصدقائه، إذ أملى علينا يومها وصية لأمه نقلتها لها عندما زرتها فور خروجي من بين أيدي الطغاة هناك في مكان لا أتمناه لأحد حتى أعدائي، إذ نطق صديقي المعتقل الشهيد:
أمي الغالية:
صدقيني لو كنتُ قربك الآن لقبّلت يديك مئة مرة ويزيد، ولهمست في أذنك أنني أحبك، ولاعتذرت منك عن كل مرة أخطأت فيها بحقك، وكم كانت هذه المرات كثيرة…
اعذريني غاليتي فقد أوجعتك في حياتي، وها أنا ذا سبب دموعك الملائكية هذه، مع أنني حزين على بكائك الآن، ولكن تأكدي أن دموعك هذه تسقي بذور السكينة في قبري، وتنعش روحي التي تطير لتعانق روح أبي الشهيد.
آلمتك أثناء حملك بي، ثم الولادة فالرضاعة، إلى أن كبرت أمام عينيك فكبرت أخطائي أمامك وتقصيري في حقك.
فرحتِ بدخولي الجامعة، وفرحتِ بتحضيري للدراسات العليا، وكنت تتمنين حضور زفافي، ولكن شاء المولى أن تزفني الملائكة لا أنتِ… إلى حوريتي في الجنة، لا إلى فتاة أحببتِها فأردتيها زوجة لي…
ومع ذلك أتألم لألمك وأذكر أنني بكيت من قلبي في اليوم الثالث لاعتقالي، عندما زارني طيفك، فإذا به يستحثّني على ذرف الدموع علها تعانق دموعك، فتصل نديّة لخدك، وتمسح عنك آلام انتظاري.
اعذريني غاليتي… ربما لم أكن أهلًا لأن تكوني أهلي، وربما لا أستحق دمعة من عينيك اللتين أسجد للباري أمام جمال تكوينهما، وكذلك لا أستحق لحظة نسجتِ فيها أحلامك لمستقبلي، فإذا بي أنقض غزلك.

أمي الحنون..
لو عادت بي الحياة أدراجها يومًا، ربما لن أسقي بذور سكينتك، وربما سأزيد آلامك ولن أحقق أحلامك بي، ولكن ثقي أنني سأرسم على وجهك قبلة عند كل خطوة أخطوها، وسأستلّ من فتات أحلامك بي آمالًا أقتات منها، علّك تسعدين بي لحظتها.
أمي… أحنّ إليك… أحنّ إلى يديك المنمشتين من قسوة الدهر وقسوتي وإخوتي عليكِ، أحنّ إلى فنجان قهوة معك..
أمي… أنا صغير أمامك، ولم أكبر يومًا إلا بكِ ولأجلكِ، فأرجوكِ أن تواصلي زيارة قبري، وأن تزرعي عليه وردًا وياسمينًا، وأن تسقيه بمياه ندية لا بدموعك الطاهرة كي لا أتألم لألمك.
أرجوكِ حدثي إخوتي وأبناءهم بالخير عني، واقرئي القرآن ورتليه لأجلي، كي تنتعش ذاكرتي، واسقِ العطشى ماء من صبرك لأرتوي في قبري، وأطعمي الجائع، وألبسي العاري، علّني أشهد بذلك منافع، فيذكرك المولى ويذكرني في الملأ الأعلى عند خاصته وأصفيائه.
أمي الغالية… سامحيني… ولا تنسيني من دعائك…
ابنك الذي آلمه فراقك.. وأضناه ألمك…




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة