قصي.. ليس مجرد “أبو عبدو الحلبي”

tag icon ع ع ع

حسن مطلق – عنب بلدي

ربما ليس من باب الصدفة تسلسل سيناريو حلقات “أم عبدو الحلبية”، لتبدأ وتنتهي بمشهدٍ حزين للطفلة رشا، يظهرها سارحة حينًا ودامعة العين حينًا آخر، فها هو “زوجها” وصديقها وملهمها عمود البيت وسندها، رحل دون رجعة تاركًا بصمات موجعة، حُفرت في ذاكرة كثيرين من أهالي حلب وسوريا، لن ينسوا حواراته ولا ابتسامته.

هو بطل الجزء الأول من مسلسل عرف به بـ “أبو عبدو الحلبي”، وحاز على إعجاب مئات الآلاف ممن تابعوه على “يوتيوب”، درس في مدرسة عبد الرحمن الغافقي، إلى أن اقتحمت الثورة السورية حياته في عامه العاشر، وهنا تغير واقعه ليخطفه الموت شهيدًا على طريق الكاستيلو خلال محاولته عبوره في الثامن من تموز هذا العام.

الفنان الثائر المسعف وعامل الإغاثة، لم يوقفه عمره الصغير عن خوض كل التجارب السابقة، كان مبدعًا فيها كما يصفه القائمون على تدريبه، هو الطبيب الطفل حامل شهادة الإسعاف من مشفى القدس في حلب، الذي ربما تشتاق بقايا جدرانه لضحكاته، بعد أن قصفه النظام وفتت لبناته في نيسان الماضي، كما فتت قلب أم قصي على رحيله.

الطفل قصي عبطيني (يوتيوب)

لم يستطع قصي أن يشهد عيد ميلاده الـ 15، فرحل قبل موعده بـ 13 يومًا، كانت كفيلة بأن تنزل دمعة أمه وأبيه وأخويه وأخته، فهو ضحكة منزلهم الكائن في حي صلاح الدين، كما كانوا يطلقون عليه، مرح ودود لطيف، إلا أنه ملاك فنان في السماء الآن.

دخل “مدلّل أبويه” معترك التمثيل في الصف السابع، وكانت مدرسة عبد القادر شاشو شاهدة على عشرات اللقطات من مسرحيات مصغرة مثّلها مع رفاقه على مسرحها، إلا أن الثورة دعته للتمثيل في المهرجانات السنوية، ليتوج رحلته القصيرة بمسلسله الأول والأخير.

لم تكن رشا (أم عبدو) تعلم حين نطقت عبارة “حرام أكون رجال لكنت ما تركت الجبهات، ضليت عم رابط لننتصر على الظلام الله لايوفقن”، في سابع حلقات المسلسل، أنها ستبكي “رجلها” مرات، بعدما فقدت من رافقها ثلاثين حلقة، وكان الزوج والأب والرفيق لها.

وربما لن ينسى والد قصي الخمسيني، فهد عبطيني، ضحكات قصي حين أخبر “أم عبدو” بوجود فأرة تحتها، حين شاورته في أمر تشكيل كتيبة نسائية في حلب، فهو يعاني ألم الفراق، كما يقول، إلا أنه فخور بقصي الذي لطالما وصفه وتغنى بصفاته كونه ذكيًا وسريع البديهة.

قطع كهربائية ربما لا تجد أم قصي وقتًا لاستخدامها الآن، تخفي تحتها طبقة غبار تغطيها بصمات يد “أبو عبدو الحلبي”، الشاب النشيط كما تقول والدته، إذ لم تسلم قطعة من عبثه محاولًا إصلاحها بشتى الوسائل، إلا أنه كان يقفز فرحًا بعودتها للعمل بعد ساعات من معركة معها تتكلل بالنجاح أخيرًا.

يرجو الحلبيون أن “ينعم قصي بالحرية في ملاذه الأخير”، بحسب ما رصدت عنب بلدي في صفحاتهم على مواقع التواصل، معتقدين أنه يمثّل آلافًا من أطفال سوريا الذين غادروها فداءً لثورة الحرية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة