الصدمة النفسية عند الأطفال السوريين

no image
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 74 – الأحد 21-7-2013
طاقات كامنة واحتياجات ملّحة
حنان اللكود
3
تراقب سماح أخاها الصغير أويس الذي لا يتوقف عن الصراخ كلما وضعته أمه جانبًا، لتقوم بإحدى احتياجات المنزل، فتحمله مؤقتًا في محاولة عابثة لإقناعه بالعدول عن معركته اليومية التي لا تنتهي إلا عند عودته إلى يدي أمه.
سماح طفلة في الثانية عشرة من عمرها فقدت من وزنها الكثير عندما غابت عنها شهيتها للطعام، فأصبحت لا تكترث حتى للمأكولات اللذيذة التي يحبها الأطفال ويفرحون لمجرد رؤيتها، ثم انزوت في زاوية الغرفة الجماعية التي تنام فيها مع أمها وزوجة عمها وخالتها وجدّتها وعشرة أطفال، في صفوف متراصة كأعواد الكبريت في العلبة الصغيرة، ليستيقظوا صباحًا على شجار خالتها مع ابنتها هبة ذات السبعة أعوام وقد بللت فراشها ليلًا، لتبدأ مرحلة التنظيف والتعقيم التي تقض مضجع الجدّة الوسواسية في نظافتها وطهارة مكانها وأشيائها.
ما أكثر الأطفال الذين يشابهون حال أويس وسماح وهبة، ويعانون من مشاكل نفسية بمظاهر مختلفة من الأعراض التي تدل على اضطرابات الصدمة عند الأطفال، بعد تعرضهم لكافة أشكال العنف خلال سنتين ونصف من الحرب على الشعب السوري.
مما يدعو للاطمئنان أن مجتمعًا يحمل في ذاته مقومات حياته النفسية في قوته وتماسكه، مستمر حتى الآن في مقاومة عنف حاقد مفرط، يملك استعدادًا كبيرًا لترميم ما نتج عن ثورته من جراحات وآلام، ولكنه يفتقد إلى المعرفة العلمية في المواضيع النفسية والتدرب على الآليات النفسية لإعادة تأهيل النفس والفكر في مواجهة ما يحدث؛ فأن يبدأ الأمر باكتشاف حالة الطفل المصدوم إلى مرحلة تحويل الحالة إلى المختص ثم التزام الدواء والعلاج والدعم النفسي الاجتماعي للطفل، من أهم ما ينبغي أن ينتشر في ثقافة المجتمع السوري داخل سوريا وخارجها.
وإن ما يفتقده أطفال سوريا هو المؤسسات الخدمية النفسية الاحترافية ذات المرجعية العلمية والخبرة العملية. فبالرغم من أن استنفار منظمات الطفولة ومجموعات ثورية كثيرة للعمل في الدعم النفسي، يبشر بمستقبل العمل التأهيلي لضحايا العنف والحرب من الأطفال، إلا أنه مازال جهودًا فرديةً على المستوى العلمي والعملي، في مقابل الاحتياجات الضخمة التي يحتاجها عدد كبير من الأطفال السوريين، والأهم أنها تحتاج إلى تطوير تنظيمي بحيث تشمل جميع الأطفال المهجرين داخل سوريا وخارجها، بالإضافة إلى التزام منهج علمي مضبوط في تقديم الدعم النفسي الصحيح بطريقة دقيقة، ومتابعة تقييم الحالات وتوثيقها بالتقارير، حتى الوصول إلى مرحلة الشفاء الكامل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة