الانقلابات العسكرية في سوريا

اللواء صلاح جديد والنقيب حافظ الأسد- آذار 1963 ("التاريخ السوري المعاصر")

camera iconاللواء صلاح جديد والنقيب حافظ الأسد- آذار 1963 ("التاريخ السوري المعاصر")

tag icon ع ع ع

السلطة كانت دائمًا مصدر إغراء لكثير من السياسيين والعسكريين على حد سواء، تهافتوا عليها وتعددت طرق الوصول إليها، كما تعددت طرق الاحتفاظ بها، وتجاوز القوانين من أجل الإبقاء عليها في أيادي أشخاص معينين، وقد كانت الانقلابات العسكرية إحدى أقصر الطرق للاستيلاء على السلطة من قبل العسكريين والسياسيين بعد أن يهيئوا  الأجواء لذلك، كون الانقلاب يعتمد على عنصر المفاجأة وعلى العمليات السريعة والمحدودة نسبيا، وعدم توسيع دائرة  المواجهة المسلحة، وإبقائها ضمن إطار محدود، وغالبًا يعتمد على دعم خارجي من خلال الاعتراف بشرعيته وجعله أمرًا واقعًا، من خلال تغيير نظام الحكم السائد في البلاد عن طريق إطاحة الجيش بالحاكم، ليتولى القائد العام للجيش الحكم لتحقيق هدف ما، ربما يرتبط بتحقيق العدل والمساواة، وربما مجرد طمع في الحكم.

غير أن كورزيو مالابارتي يرى في كتابه «تقنيات الانقلاب» أن مفهوم الانقلاب لا ينطبق فقط على العسكريين والسياسيين، بل يشمل حتى القوى المدنية، التي تشارك أيضًا من خلال زعزعة استقرار الحكومة، عن طريق إجراءات تهدف إلى خلق حالة من الفوضى الاجتماعية تمكن وتبرر وصول الانقلابيين إلى السلطة.

وقد شهدت العديد من الدول في العالم انقلابات عسكرية في منتصف القرن الماضي، وبشكل خاص في الدول حديثة الاستقلال بعد خروج الاستعمار، حيث كانت الجيوش هي القوة الوحيدة التي تفردت بالسلطة بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، وخلقت دكتاتوريات عسكرية دامت في حكم تلك البلدان، وبعضها لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.

سوريا كانت من إحدى تلك الدول التي شهدت انقلابات عسكرية متتالية في تاريخها الحديث هزت استقرارها السياسي، حيث في كل مرة يستولي فيها الجيش على الحكم، وتكون الأسباب في معظم الحالات لأطماع شخصية تتعلق برغبة العسكريين بالاستيلاء على الحكم،  غير أن المبررات التي كانوا يقدمونها تتمحور في معظمها حول فساد السلطة، وأوضاع البلاد المتدهورة، لذلك  يضطر الجيش  إلى تسلم زمام الحكم مؤقتًا في البلاد حرصًا على استقلالها وتهيئة حكم ديمقراطي صحيح، نظرًا لأنهم القوة الوحيدة في الدولة التي تمتلك التنظيم والأسلحة والعتاد، بالإضافة إلى ولائهم المنقطع النظير للمؤسسة العسكرية .

بدأت تلك الانقلابات بانقلاب حسني الزعيم في 29 مارس 1949 . وقد تولت بموجبه، القيادة العسكرية بقيادة حسني الزعيم كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية، ثم تولاها هو شخصيًا فيما بعد، كما تولى رئاسة الحكومة التي شكلها وفق مرسوم رئاسي، واحتفظ بحقيبتي الداخلية والدفاع، ثم أجرى في 26 يونيو 1949 استفتاءً شعبيًا كان الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وفاز به بنسبة 99.9%،  وعهد رئاسة الحكومة إلى محسن البرازي.

من ثم حدث انقلاب سامي الحناوي في 14 أغسطس 1949 ، تولى فيه الزعيم سامي الحناوي السلطة بعد أن نفذ حكم الاعدام  بالرئيس حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي.

ثم عهد سامي الحناوي، إلى هاشم الأتاسي بتشكيل الحكومة الجديدة وسلمه الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في نفس يوم الانقلاب، وذلك وفق مرسوم أصدره سامي الحناوي، ومن ثم عهد إليه برئاسة الجمهورية بشكل مؤقت ريثما تجرى انتخابات رئاسية وتشريعية حرة.

ولم يدم انقلاب سامي الحناوي طويلًا، حتى قام الشيشكلي يوم 19 ديسمبر 1949 بانقلاب جديد، وظل الرئيس هاشم أتاسي في رئاسة البلاد فيما يعرف بالحكم المزدوج حتى 28 نوفمبر 1951، حيث نفذ الانقلاب الرابع ليستلم أديب الحكم مباشرة بعد أن اتهم هاشم أتاسي وحزبه (حزب الشعب) بالخيانة ومحاولة عودة الملكية للبلاد.

هكذا أدخلت الانقلابات العسكرية سوريا في لعبة العسكر ومصالحهم وارتباطاتهم الإقليمية والدولية، حيث لم تعرف سوريا الاستقرار السياسي منذ ذلك الحين حتى جاء انقلاب حافظ الأسد واستولى على السلطة واستطاع أن يحيل سوريا الى ملكية خاصة بعد أن تمكن من تصفية كل من يشك بعدم ولائه، معتمدًا على كل من جهاز الجيش والأمن في تنفيذ سياسته، وعلى التوافق مع المصالح الدولية والإقليمية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة