تعا تفرج

أخلاق حلمنتيشية

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

ذكرتُ، في أكثر من موضع، أن الأخلاق التي ينادي بها الإخوة العربان، والمسلمون، لا تصلح لبناء الدول. الرأيُ، عندي، أن الدولة الحديثة علمانية، ديمقراطية، بالضرورة، تُبنى بدستور، وقوانين مأخوذة من مبادئ حقوق الإنسان، تحمي الفرد، وتحقق التداول السلمي للسلطة، وسواء أكان المواطن فيها أخلاقيًا أو غير أخلاقي، سينصاع للقانون، ويلتزم بالنظام، على الرغم من الذين خلفوه.

الذين يسردون عليك أغاريد أمير الشعراء أحمد شوقي عن الأخلاق، وربطها باستمرار الدول، أو زوالها، ولا سيما قوله “وإنما الأممُ الأخلاق ما بقيتْ، فإن همو ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا”، يفعلون ذلك بحكم العادة، فلو سألتَ أيًا منهم عن تعريف الأخلاق، لارتبك، وتأتأ، ثم قال: قصدي، الأخلاق الحميدة، وهو، بالطبع، لا يعرف ما تعنيه “الحميدة” أيضًا، وسوف تزيد من ارتباكه عندما تطلب منه تقديم أمثلة محددة عنها.

المشكلة في الأخلاق التي تنادي بها تلك الأقوام، ليست ثابتة ولا مستقرة، ففي الستينيات من القرن الماضي، مثلًا، كانت أخلاق المتشددين في الدين، ترفض الفرجة على التلفزيون، وأطلقوا عليه اسم “المفسديون”، ولكن، ما مضى سوى زمن قصير حتى صاروا يتسابقون لتركيب الهوائيات على أسطحة منازلهم، ويذيعون فتاواهم الجديدة، بأن الفرجة على البرامج الدينية في التلفزيون لا تفسد الأخلاق، ولكنهم ذعروا عندما بدأت الصحون (الدشات) تظهر على أسطحة البنايات، مترافقة مع موجة قوية من الأقاويل بأن المحطات الكثيرة التي يتضمنها الستلايت قادرة على إفساد الملايين من الناس خلال زمن قياسي، فبدأوا يشنون حملة كبيرة على الدشات، والدَشّاشين، وفي أثناء ذلك كان الفضول لمشاهدة ذلك العالم الستلايتي الفسيح يفتك بهم، فأصدروا تعليلاتهم بأن الإنسان العاقل، الذي يريد أن يحافظ على دينه، يستطيع أن يركب صحنًا وستلايت، ويتفرج على القنوات الدينية، والمسلسلات التاريخية التي تمجد الصحابة، ويستغني عن المحطات الخليعة، وهنا، يا صاحبي، استجدت في مجتمعاتنا أخلاق جديدة، تتجلى في أنك تدخل إلى متجر لأحد هؤلاء، فترى شاشة التلفاز مثبتة على قناة “اقرأ”، ولا أنت ولا غيرك تعرفون على أي القنوات يتفرج هذا الرجل، ليلًا، في غرفة النوم، وهناك خُلُق آخر، ظهر في تلك الآونة، وهي أن الآباء كانوا يشفرون القنوات “المشبوهة”، ويحتفظون بكلمات السر لأنفسهم، بينما يستفيد الأبناء من المعلوماتية المتطورة في فك التشفيرات كلها، والفرجة على نفس القنوات التي يتفرج عليها آباؤهم، وما حدا أحسن من حدا!

يبدو الحديث عن الأخلاق، في كثير من الأحيان، باردًا، ومملًا، لأن الأخلاق، عندنا، تقترن بالوعظ، ولكنها عامرة بالتناقض، وبالكذب، وفقدان المصداقية، والتسويغ الساذج، مثلما يفعل الأب الذي يضرب ابنه المدخن، والذريعة أنه، أي الأب، تضرر كثيرًا من التدخين، ووصل إلى مرحلة لا يستطيع تركه بسبب الإدمان، أو الأم التي تعلم ابنتها الصدق، وإذا قرع الباب تقول لها: إذا حدا سأل عني أنا مو هون، ما بدي أستقبل حدا، والأغرب من هؤلاء الواعظ الذي يقول: الغرب تخلق بأخلاقنا فتطور، ونحن تخلقنا بأخلاقه فتخلفنا. طيب، ما رأيك، شيخي، أن نتخلق بأخلاقهم، الآن، طالما أنها تؤدي إلى التطور؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة