أيام الكرز .. غناء جمعي قبل الكارثة وبعدها

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

تعود حالة حضور الشخصية السورية المحاصرة والقابعة تحت القصف، لتكون بطلة أي شريط سوري يخرج من سوريا، ليجوب مهرجانات عالمية، أو ليقع موقع النقد والدراسة، من خلال فيلم أيام الكرز للتوأم محمد وأحمد ملص، الذي التقطت مشاهده في مدينة معرة النعمان، حيث تسودها أجواء رمضان ومونديال عام 2014، الفيلم الذي حاز مؤخرًا على جائزة في مهرجان “MEDITERAN FILM FESTIVAL”  في البوسنة والهرسك، والذي يعرض حتى يومنا هذا في مهرجانات وعروض سينما عالمية.

يتيح الفيلم لكامل شخصياته، وهم شبان وأطفال من معرة النعمان، الوقوف أمام الكاميرا للغناء بصوت عال، والرقص في البيوت المهدمة، أو في الشوارع، وإلقاء الشعر الذي يتغنى بالثورة والثوار، بعيدًا عن أي قصة مضبوطة، أو أي حكاية يريد الفيلم أن يحكيها، هو بطبيعة الحال لا يقدم قصة، إنما يسير بكاميرا متنقلة في أحياء ومحال ومنازل المدينة، ليتيح لمن شاء الحديث. فلا يخرج عن كونه تقريرًا تلفزيونيًا مطولًا، يرصد أجواء رمضان الذي طالما احتفى به السوريون في مختلف بقاع بلادهم، إنما للاحتفال هنا طعم خاص، طعم مرير في الحصار والقصف الذي يستهدف المدينة.

يجلس شاب في مقتبل العمر، يوحي جسمه ووجهه بأنه ما زال طفلًا، ليتحدث عن الفرق التي يشجعها في المونديال، ويقدم رؤيته السياسية والرياضية، بطريقة لا تخلو من الكوميديا والتناقض، بينما يصر في كثير من الجمل على موقعه كقيادي، يأمر وينهي، ومن الواضح أنه قد خاض ما خاضه كعسكري في الجيش الحر، سلطة عسكرية ما تتيح له هذا الحديث. بينما يختلف ظهور أقرانه عنه، فهم فقط يريدون الغناء بصوت مرتفع، والتنفس في سماء المدينة التي لا تغادرها الطائرات إلا للتذخير.

عجالة واضحة تم التقاط الصور فيها، وترتيب عشوائي لها في جسد الفيلم، صور متقطعة، كاميرات غير ثابتة، مشاهد بعضها مجاني، قد يكون المبرر فيها وضع المدينة الأمني، وعدم قدرة المصور على تثبيت كاميراته أينما شاء، إلا أن ذلك يؤطر الفيلم في سياق أنه مادة خام التقطت في مدينة تعاني الأمرين في الحرب، لم يحمل المشرفون عليه مشروعًا واضحًا، سوى مشروع التصوير في المدينة.. ماذا نريد أن نصور؟ ما فكرة الفيلم؟ هذه أسئلة غير مطروحة ولا تحمل إجابات في الفيلم، إنما هي رغبة واضحة بنقل مشاهد عديدة، يكفي وضع الكاميرا أمامها كي تعبّر عن فنيتها وإنسانيتها في مواقع عدة.

سواتر ترابية أمام الكافتيريا التي يحضر فيها جمهور الشبان والأطفال مباريات كأس العالم، كلهم مسرورون بخسارة إيران وروسيا حليفي النظام السوري الذي يقصف المدينة، وكذا ببروز نجم الفريق الجزائري العربي، الذي سيجد من يشجعه لكونه عربيًا مسلمًا، ومن لا يميل إليه بسبب موقف الجزائر السياسي من القضية السورية.

لا رحلة عميقة تذهب فيها الكاميرا في المكان والشخصيات، إنما هي تأوهات شبان يعرفون أن الموت يحاصرهم في كل مكان، لذا يفضلون الغناء والرقص، بعضهم أعزل وآخرون يحملون السلاح، لم يروِ أحدهم قصته أبدًا، باستثناء شاب أقصى طموحاته هو قبول والد حبيبته أن يزوجه إياها، يبدو ذلك أعمق قيمة إنسانية في الشريط. ببراءة طموح الشاب وتكراره الحديث عن حلمه، وسخرية رفاقه منه فيما بعد.

أيام الكرز، وقبله العشرات وبعده أيضًا، من الكاميرات التي دخلت الشمال السوري، فتابعت حياة سكانها، قليلة هي الكاميرات التي استطاعت تتبع الحكاية، والخوض عميقًا فيها، والانطلاق من الخاص إلى العام، بينما بقيت العشرات على أطراف الحكايات، تتلقف كل ما يمر أمامها من مشاهد.. تدرك تلك الكاميرات إدراكًا عميقًا أن مجرد انتصابها في مدينة كهذه سيخرج بشريط سينمائي يمكن أن يجوب الدنيا، لكونه شريطًا خارجًا من أكثر الأماكن خطورة في المعمورة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة