إبراهيم هنانو.. الذي اعتقله الفرنسيون بسبع تهم وخرج منها براءة

السياسي السوري إبراهيم هنانو - (تعديل عنب بلدي)

camera iconالسياسي السوري إبراهيم هنانو - (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

في أيلول عام 1920، قرر ثوار الانتفاضة السورية ضد الانتداب الفرنسي مع “زعيم الثورة” آنذاك، إبراهيم هنانو، الاجتماع في قرية إسقاط شمال غربي مدينة إدلب، لمناقشة مجريات العمل العسكري ضد السلطات الفرنسية هناك، فوصل الخبر إلى مختار القرية الذي أخبر سلطات الانتداب بالاجتماع، وكانت تملك حامية عسكرية بمنطقة حارم في غربي إدلب.

علمت نساء قرية إسقاط بوصول الحامية فجر اليوم التالي، فنبهت الثوار الذين استفاقوا على تلك المباغتة، فبدأت معركة استمرت لساعتين، خسر فيها الثوار ثلاثة من عناصرهم، بينما قُتل حينها رئيس الحامية الذي وُجدت رسالة المختار في جيبه، فعوقب المختار بسبب تلك الرسالة بإعدامه.

بعد ذلك ذهب هنانو إلى تركيا والتقى بقائد الفيلق الثاني التركي، صلاح الدين عادل بك، الذي وافق على مد الثوار العرب بالسلاح لمواجهة الانتداب الفرنسي.

وكانت السلطات العسكرية التركية تقاتل الفرنسيين في كيليكيا جنوب شرقي تركيا، وبحسب ما اعتقده الجانب التركي، فإن دعم الثوار السوريين يمكن أن يخفف الضغط على جبهة كيليكيا.

دعم تركي لهنانو

لم تكتفِ السلطات التركية بدعم هنانو بالسلاح فقط، بل أرسلت قوة تركية بضباطها وجنودها ووضعتها تحت إمرة إبراهيم هنانو، فكثر السلاح وبدأ الخناق يضيق على الفرنسيين الذين بدؤوا يعترفون بأنهم يواجهون قوة عسكرية منظمة، وفق ما ذكره الكاتب السوري فاضل السباعي في كتابه “الزعيم إبراهيم هنانو“.

وبحسب الكتاب، فإن العمليات العسكرية في مناطق سيطرة الثوار كانت منظمة إداريًا، فكانت الضرائب تُجمع وتُدفع منها رواتب المقاتلين وفق الرتبة العسكرية، ولا يُترك المجال مفتوحًا للاعتماد على التمويل الخارجي، بل كان الاعتماد على الموارد المتاحة مع رقابة صارمة على أي انتهاك أو إخلال بالأمن وأموال الناس، وفق ما شرحه الكتاب لتلك الفترة.

واقعة قلبت طاولة الأحداث

في تلك الأثناء، هاجم قائد القوات التركية العاملة تحت سيطرة هنانو، عاصم بك، بالقنابل قرية الصقيلبية التي كانت ذات أغلبية مسيحية قرب محافظة حماة، “ثم توجه لنهب القرية“، فاستغل الانتداب الفرنسي هذه الواقعة للإساءة لصورة الثورة والثوار، فقرر نجيب عويد رفيق هنانو في المعسكر إعدام عاصم بك فورًا دون النظر لأي نتائج أخرى.

وتغير الموقف التركي بعد هذه الواقعة من موقف داعم للثورة، إلى موقف مساعد للفرنسيين على إخمادها، فامتنعت عن بيع السلاح، وتوافدت الحاميات الفرنسية المنتشرة في كيليكيا والإسكندرون لدعم قوات الجيش الفرنسي في قمع الثورة بحلب وريفها.

اعتقال هنانو في 13 من آب

وفي ظل هذه المعطيات قرر هنانو في 12 من تموز عام 1921 أن يغادر المنطقة بصحبة 55 جنديًا باتجاه مدينة السلمية في ريف حماة، ثم غادر، في 10 من آب، إلى الأردن لزيارة القدس، وهناك كان الفرنسيون عقدوا مع القائد الإنجليزي في فلسطين اتفاقية لـ”تبادل المجرمين”، وكان هدفها اعتقال هنانو، وهذا ما حصل في 13 من آب 1921، أمام فندق “القدس” محل إقامة هنانو.

هز خبر اعتقال هنانو الشارع العربي في فلسطين والأردن، فانتفضوا ضد السلطات الإنجليزية في القدس، فسارعت السلطات الإنجليزية بإرساله إلى بيروت ثم إلى حلب لتسليمه للانتداب الفرنسي من أجل تجنب تفاقم الأوضاع الأمنية.

هنانو في سجن “خان اسطنبول”

هكذا كان يعرف السجن العسكري في حلب الذي أودع هنانو فيه، الذي وصل إليه مغلولًا بالسلاسل.

وكان النائب العسكري في ذلك الوقت، “الكابتن استاك”، قد طلب من هنانو اختيار محامي دفاع، فرد هنانو عليه محلفًا إياه “بشرفه العسكري” لو أنه مكان هنانو فمن سيختار؟ فأجابه “استاك” بأنه سيختار المحامي السوري فتح الله الصقال، الذي لم يتجاوز عمره حينها 27 عامًا.

تلقى الصقال دراسته في مدرسة الحقوق الفرنسية بمصر، ثم التحق بكلية “إكس” الفرنسية ونال الشهادة العليا بتفوق و”كانت ثقافته عميقة“.

وافق هنانو على المحامي الشاب واجتمع معه في زنزانته، وكان اليوم الأول في محاكمة هنانو في 15 من آذار عام 1922، في مبنى “السراي العتيقة” شمالي قلعة “حلب”.

التهم السبع

وجهت المحكمة لهنانو سبع تهم، تمثلت بـ:

1- تشكيل عصابة من الأشقياء (وإليها استندت بقية التهم).

2- تهمة قتل مختار قرية إسقاط وابنه غندور المسؤولين عن إبلاغ الحامية الفرنسية عن وجود الثوار، الذي نفذه نجيب عويد واعتبر هنانو مسؤولًا عنه.

3- تهمة قتل أحمد كردية المتهم بالتجسس، التي اعتبرت النيابة أن هنانو شريك فيها.

4- نهب قرية سرمين في أثناء إحدى المعارك دون أن تعرف هوية السالبين.

5- مصادرة بعض العربات التركية قرب مدينة تفتناز، وكانت تقل مؤونة وخرافًا للفرنسيين.

6- ادعى مختار قرية كونلي أن نجيب عويد هدد بقتله ونسف قريته إذا استمر بالتعاون مع الفرنسيين.

7- قلع الثوار لبعض قضبان سكة الحديد بين بيروت وحلب لقطع الإمداد عن الجيش الفرنسي.

المحاكمة

بدأت المحاكمة التي تراسها خمسة من الضباط العسكريين، وسط إجراءات أمنية مشددة، وكان رئيس المحكمة “من أشد الحانقين (الحاقدين) على هنانو الذي صرح بأنه يرغب بإعدامه، وهو ما لم يتقبله أحد الأعضاء وهو الكابتن لوكلير، الأمر الذي كان تعبيرًا عن عدالة المسلك القضائي”، بحسب مذكرات الصقال.

واستمرت المحكامة التي شغلت الرأي العام حينها عشرة أيام، وكانت الجلسات تُعقد صباحًا ومساء وفق مذكرات الصقال، وقال النائب العام الفرنسي في الجلسة الأخيرة “لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه السبع، لطلبتُ بإعدامه سبع مرات”.

وبدأ الصقال مرافعته حينها مخاطبًا القضاة الفرنسيين، “في هذه الساعة الخطيرة التي تتأرجح فيها حياة الرجل (هنانو)، يجب أن يتلاشى من هذا المكان كل ميل وهوى، لأنكم بجلوسكم منذ برهة على هذه المنصة قد فقدتم صفتكم العسكرية الفرنسية، ولم تحتفظوا إلا بصفة القضاة الحياديين، عليكم أيها السادة أن تسكتوا جميع الأصوات ما عدا صوت الضمير الذي يجب أن يسود هنا لأنه وحده يستطيع أن يحكم من دون حقد ولا وجل”.

ثم تابع الصقال واصفًا هنانو، “إن الرجل الماثل أمامكم ليس بالرجل الذي وصفه النائب العام، لأن من يناضل من أجل حرية بلاده ومن يعمل في سبيل هدف سامٍ دون أن يخشى التضحية بحياته وبأمواله ليقينه أنه على حق وسداد، لا يستحق أن يُلقى على هذا المقعد”.

المحامي فتح الله الصقال

المحامي فتح الله الصقال

وبختام المرافعة، قال الصقال إن “هنانو قام بثورته مدفوعًا بعاطفة وطنية نبيلة تماثل العاطفة التي هزت فرنسا من أقصاها إلى أقصاها حينما احتلت ألمانيا عام 1914 بعض البلاد الفرنسية، فأبى الفرنسيون أن تُداس أرض الوطن، وهبوا يقاتلون ويستبسلون في الكفاح، حتى خرجت فرنسا من حومة النضال منتصرة ظافرة بعد أن ضحت بمليونين من شبابها، وبعد أن أمست كثير من مدنها الزاهرة أطلالًا دوارس. إن الوطنية ليست وقفًا على فرنسا وأبنائها، وإنما هي عاطفة طبيعية متغلغلة في أعماق النفوس، وتشعر بها كل أمة من أمم الأرض ومنها الأمة السورية”.

نتج عن مرافعة الصقال إعلان رئيس المحكمة براءة هنانو، وسُمع في قاعة المحكمة التصفيق الحاد بالتزامن مع هتاف الناس في باحة “السراي” مرددة “عاشت سوريا حرة، عاش إبراهيم هنانو”.

خرج هنانو من السجن في ظل القضاء الفرنسي، ليواصل نضاله ضد الانتداب الفرنسي حتى وفاته عام 1935 في منطقة كفر تخاريم بمحافظة إدلب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة