اتحاد الصحفيين السوريين.. تقرير حريات كاشف

tag icon ع ع ع

علي عيد

مؤخرًا احتفلت الصحافة الحكومية السورية بـ”تقرير الحريات الصحفية لعام 2023″، الذي ربما خجل “اتحاد الصحفيين السوريين” من نشره على موقعه الرسمي، بينما تصدى الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) للمهمة، ووضع رابطًا على موقعه الرسمي، مع تصريحات تشيد بإصدار التقرير لكنه حثّ “الحكومة السورية على إزالة جميع المواد والقوانين التي يمكن استخدامها لتوقيف الصحفيين والإعلاميين وحبسهم بسبب عملهم المهني من كل القوانين السارية في سوريا”.

هناك مسائل لافتة في تقرير “اتحاد الصحفيين السوريين” وموقف الفيدرالية الدولية منه.

أول ما يلفت النظر، أن “الاتحاد” تجرأ على انتقاد الجهات الحكومية والبيئة التشريعية فيما يخص تعديل قانون الإعلام 108 لعام 2011، عبر شطب بنود تخص “حصانة” الصحفيين، وربما تكون الفقرة الخاصة بهذا الانتقاد، والتي لا تتعدى 10 أسطر من أصل نحو 29 صفحة، مؤشرًا على محاولات يبذلها “الاتحاد” بالتعاون مع الفيدرالية الدولية (الاتحاد الدولي للصحفيين).

يقول التقرير في فقرة خاصة حول “دور الدولة في الإعلام مستقبلًا”، إن “الديمقراطية بدت غائبة عن إعلامنا”، وهي إشارة جريئة تدفع إلى العمل أكثر على المكاشفة حول كوارث البيئة التشريعية وكذلك انعدام الحريات، وعجز الصحفي عن الوصول إلى مصادر المعلومات، ووجود موانع لصحافة المساءلة وكشف الفساد في البلاد.

مع سعيه لإصلاح البيئة التشريعية، وهو أمر مشكوك بقدرة “اتحاد الصحفيين” على إنجازه بسبب سيطرة أجهزة الأمن والحزب (حزب البعث العربي الاشتراكي) على مفاصل الحياة العامة، إذ لا يمكن السماح بدور موازٍ للمجتمع المدني أو للنقابات المهنية، هذا إذا تجاوزنا تحكم تلك الجهات بعمل المنظمات والنقابات، فالمادة الثالثة من الباب الأول في قانون “اتحاد الصحفيين السوريين” تقول حرفيًا، “يؤمن الاتحاد بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية ويلتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته”.

بالعودة إلى الجانب التقني في “تقرير الحريات”، في توثيق الانتهاكات، يظهر مستوى الإنكار أو العجز عن تحميل الجهات الرسمية أدنى قدر من المسؤولية حيال انتهاكات ارتكبتها بحق صحفيين، عبر القتل أو الاحتجاز في أفرع الأمن أو التضييق على الحريات الصحفية.

كمثال على هذا الإنكار، يشير التقرير إلى حالتي قتل تم توثيقهما، الأول للصحفي فراس الأحمد، مراسل قناة “سما” في محافظة درعا بعبوة ناسفة، زرعها “إرهابيون”، ولا يشير التقرير إلى هوية هؤلاء “الإرهابيين”، لكنه يتجنب عبر اللغة المستخدمة تبرئة الجهات الرسمية، التي تدير معظم الجماعات المنفلتة في الجنوب السوري عبر شعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية، إذ تخوض تلك المجموعات حربًا فيما بينها للسيطرة على سوق المخدرات.

كما يتحدث التقرير عن شخص آخر، وهو عبد الغني أبو شعر، الذي قتل في تفجير حفل تخريج الطلاب الضباط داخل الكلية الحربية في 5 من تشرين الأول 2023، ويسمي التقرير “أبو شعر” كصحفي، علمًا أنه سائق مركبة عسكرية (سائق حربي)، ولا بأس أن تدافع المنظمات حتى عن مقدمي الخدمة الجانبيين، ولعله واجب، دون إعطاء صفات ومنح ألقاب بهدف الترويج.

حمل اتحاد الصحفيين “التنظيمات الإرهابية المسلحة” مسؤولية مقتل الصحفيين، فيما لم تظهر التحقيقات حتى اللحظة الجهة المسؤولة عن تفجير حفل تخرج الكلية الحربية، إذ تشير التحليلات التي لا يعتدّ بها إلى إمكانية أن تكون إيران وأذرعها مسؤولة عن هذا التفجير.

وفي الحالتين السابقتين يبدو أن هناك انحيازًا سياسيًا في الاتهام، كما أن هناك حكمًا مسبقًا بشأن هوية المتورطين دون دليل، وهذا من العيوب التي تنسف مصداقية أي تقرير توثيقي.

وفي نفس السياق، يتجاهل التقرير حالتي قتل وقعتا في العام نفسه، الأولى مقتل الناشط الإعلامي محمود الحربي (الكفري)، بريف درعا الشرقي في 10 من تشرين الثاني 2023، برصاص مجموعة مسلحة، قالت “رابطة الصحفيين السوريين” إنها “تتبع للنظام السوري”.

وقبلها بشهر، وثقت منظمات حقوقية مقتل الناشط الإعلامي محمد عثمان، بعد إصابته بقصف مدفعي لقوات “الحكومة السورية” استهدف مدينة إدلب.

مع ضعف التقرير، لا ينبغي إنكار أهمية وجود محاولات للتغيير، غير مضمونة النتائج، كما ينبغي في الوقت نفسه عدم تمرير أي معلومات تضليلية تقدم صك براءة لأجهزة الأمن والمخابرات وقوات الجيش التابعة لحكومة دمشق ونظامها السياسي الأمني، لأن في ذلك تورطًا في جريمة دعم الإفلات من العقاب لقتلة الصحفيين، وهذا ليس إنكارًا لوجود أطراف أخرى ترتكب انتهاكات خطيرة في مختلف المناطق، وهو ما تظهره تقارير المنظمات المدافعة عن الصحفيين وعن الحريات.

وربما على الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، بذل جهود أكبر للكشف عن الانتهاكات، وتسمية الجهات المسؤولة عنها دون مواربة.

كرئيس لرابطة الصحفيين السوريين (سابقًا)، كنت أحد المشاركين في المؤتمر العام (الكونجرس) الـ30 للاتحاد الدولي للصحفيين الذي احتضنته تونس في حزيران 2019. يومها كان رئيس “اتحاد الصحفيين السوريين” حاضرًا، وقلت أمام وفود 180 دولة مشاركة، إنني تمنيت لو أحتضن زملائي القادمين من دمشق، لكنني أخشى عواقب ذلك حين عودتهم.

سألت رئيس “اتحاد الصحفيين العرب”، ناجي البغوري (وقتها)، والوفد الذي رافقه إلى دمشق حيث اجتمعوا مع بشار الأسد، “متى تزورون زعيم كوريا الشمالية باسم حرية الصحافة؟”، غضب البعض وصفّق الكثيرون، لكنني كناشط من أجل حرية الصحافة والحريات العامة في سوريا والعالم، ما زلت أسأل مثل الكثيرين، هل تمر محاسبة قتلة الصحفيين من بوابة لقاء القتلة أو إغفال تذكيرهم بما فعلوه ويفعلونه كل يوم؟ وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة