الأسد تحت القصف شمالًا وجنوبًا.. “الحليف” يشاهد

دمشق

camera iconسماء دمشق ليلًا خلال تعرضها لقصف إسرائيلي- 20 من تموز 2020

tag icon ع ع ع

قابلت إسرائيل تمدد إيران العسكري في سوريا، بعد 2011، بضربات جوية تستهدف مواقع في الأراضي السورية، وفق روايتها، وذلك دون اعتراض روسي أو موقف حازم، يمنع عن “حليفها” النظام السوري قصفًا تحوّل إلى روتين خارج إطار المفاجأة.

وإذا كان الاستهداف الإسرائيلي مربوطًا بالتمدد الإيراني، فهو يستهدف مواقع سورية، ويوقع قتلى في صفوف قوات النظام أحيانًا.

كما أن الضربات الجوية التركية التي تستهدف مواقع في شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر “الإدارة الذاتية”، تسفر عن قتلى من قوات النظام في بعض الأحيان، على مرأى ومسمع من الروس.

كوّن ذلك حالة “إحراج” أمام تذمّر سوريين ضمن مناطق سيطرة النظام (عبر وسائل التواصل الاجتماعي) بعد كل قصف، من صمت “الحليف”، وغياب الرد.

بدأت روسيا، في 30 من أيلول 2015، تدخلها العسكري في الملف السوري، مغيرة معالم المعركة على الأرض، وقوّمت عبر حضورها الميداني الحضور العسكري للنظام السوري، بعدما كان في الرمق الأخير، إثر فقدانه السيطرة على مساحات واسعة من سوريا، لمصلحة تمدد جماعات المعارضة المسلحة.

وخلال هذه التدخل الذي كانت فاتورته نحو سبعة آلاف قتيل مدني حتى مطلع تشرين الثاني الحالي، وفق إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، و100 ألف طلعة جوية روسية حتى آب 2021، وتجريب أكثر من 231 نوعًا من الأسلحة في سوريا، كرّست موسكو عملياتها ضد المعارضة السورية، دون التفات للضربات الجوية التي تستهدف النظام السوري من أكثر من اتجاه.

إسرائيل نشطة

أحدث الاستهدافات الإسرائيلية حتى إعداد هذه المادة، كان القصف الذي استهدف، في 19 من تشرين الثاني الحالي، مناطق سورية من فوق البحر المتوسط، من اتجاه بانياس، وطال نقاطًا في المنطقة الوسطى والساحلية، موقعًا أربعة قتلى من قوات النظام السوري، وفق ما أعلنته الوكالة السورية للأنباء (سانا).

هذا القصف سبقه بأقل من أسبوع، تعرّض مطار “الشعيرات” العسكري، جنوب شرقي حمص، لاستهداف جوي صاروخي في 13 من الشهر نفسه.

وبرر مركز “ألما” الإسرائيلي، عبر “تويتر”، هذا القصف بأن مطار “الشعيرات” يشكّل محطة متقدمة لتخزين الأسلحة التي يجري نقلها عبر المسار البري لتهريب الأسلحة الإيرانية.

وبلغ عدد المواقع التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية في سوريا حتى بداية أيلول الماضي 51 موقعًا، منها مطارا “حلب” و”دمشق”، ومواقع قريبة من ميناء “طرطوس”، وعلى مركز البحوث العلمية في مصياف.

وشهدت الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأهداف العسكرية التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية، بزيادة نسبتها 22.5% مقارنة بالمدة نفسها من 2021، وفق دراسة لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة“، في 7 من أيلول الماضي.

وبدلًا من إيقاف الضربات الإسرائيلية بالسياسة أو المضادات الروسية، انخرطت موسكو في “آلية تفادي التضارب” بالأجواء السورية مع الجانب الإسرائيلي، للحيلولة دون اشتباك غير مقصود خلال الضربات الإسرائيلية المكافحة للانتشار الإيراني، لكن هذا التنسيق أخذ بالتراجع على مدار الأشهر الماضية، متأثرًا بالموقف الإسرائيلي المنحاز نسبيًا إلى المعسكر الغربي، وفق دراسة تحليلية لمركز “جسور للدراسات”، صدرت في 23 من نيسان الماضي.

رسائل روسية

وفق بيان لقاعدة “حميميم” في سوريا، فإن أربع مقاتلات تكتيكية للقوات الجوية المسلحة الإسرائيلية من طراز “F-16″، نفّذت دون عبور الحدود السورية ضربة بصواريخ موجهة في منطقة الكسوة بمحافظة دمشق، وجرى تدمير ثمانية صواريخ بوسائل الدفاع الجوي روسية الصنع، التي تستخدمها القوات المسلحة السورية، وفق ما نقلته قناة “روسيا اليوم”، في 9 من شباط الماضي، عن نائب مدير “حميميم”، أوليغ جورافليوف.

وفي اليوم نفسه، ذكرت هيئة البث الإذاعي الإسرائيلي (مكان)، أن الجيش الروسي في قاعدة “حميميم” باللاذقية، شغّل أنظمة دفاع إلكترونية متطورة تزامنًا مع القصف الإسرائيلي على ريف دمشق.

وبحسب “مكان”، فإن أنظمة الدفاع الإلكترونية عطّلت نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في المنطقة، موضحة في الوقت نفسه أن نطاق تغطية هذه المنظومات الدفاعية الروسية تطال شرق المتوسط، وأن تفعيلها يحول دون هبوط طائرات في المطارات الإسرائيلية.

وفي 31 من كانون الثاني الماضي، تحدث تقرير إسرائيلي عن تسبب النشاط العسكري الروسي في سوريا بتعطيل نظام “GPS” في المجال الجوي الإسرائيلي، ما قد يعرّض الرحلات الجوية التي تهبط في مطار “بن غوريون” للخطر.

التحركات العسكرية الروسية رافقتها تصريحات سياسية روسية، دانت “بشدة” الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، ودعت إلى وقفها.

جاء ذلك على لسان السفير الروسي لدى سوريا، ألكسندر يفيموف، وفق تصريحاته لوكالة “سبوتنيك” الروسية، اعتبر خلالها أن هذه الضربات الجوية تؤدي إلى تعقيد الوضع في المنطقة ككل.

القصف أنواع

الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، أوضح أنه لا يمكن وضع القصف التركي والقصف الإسرائيلي ضمن الأراضي السورية في منظور واحد من وجهة النظر الروسية، كما أن الصمت حيال ضربات أي من الطرفين لا يشكّل موقفًا موحدًا أو منطلقًا ثابتًا لدى موسكو.

وبالنسبة للموقف من القصف الإسرائيلي، فالصمت الروسي حياله ليس جديدًا، لكن تباينًا بين روسيا وإسرائيل برز خلال العام الحالي بسبب دعم إسرائيل لأوكرانيا في صراعها مع روسيا.

وأضاف جبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن الانخراط الإيراني إلى جانب روسيا في أكرانيا حفّز إسرائيل على تصعيد ضرباتها بشكل أكبر، فاختبار طائرات مسيّرة إيرانية بشكل عملي في أوكرانيا يعتبر مشكلة أمنية جدّية بالنسبة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، فالإسرائيليون يستشعرون انشغالًا روسيًا في أوكرانيا يمنع موسكو من الرد على مسألة القصف.

وبسبب هذا التباين، اتجهت إسرائيل لفض تفاهمات مسبقة كانت أبرمتها مع روسيا، ومنها عدم استهداف بنى تحتية تشغلها موسكو أو رممتها وأعادت تأهيلها كالمطارات، وعدم استهداف مواقع عسكرية سورية، باعتبار أن كثيرًا من تلك المواقع يوجد فيها ضباط وعسكريون روس، ما قد يولّد احتكاكًا مباشرًا بين روسيا وإسرائيل، لكن إسرائيل تجاهلت كل ذلك، بما يزيد حالة التباين بين الطرفين، وفق تحليل الخبير في الشأن الروسي.

الطيران التركي حاضر

أطلقت تركيا، في 20 من تشرين الثاني الحالي، عملية “المخلب- السيف” الجوية مستهدفة مناطق في شمالي العراق وسوريا، كانت تُستخدم “قاعدة من قبل الإرهابيين في هجماتهم ضد تركيا”.

وتسببت العملية بمقتل وجرح عدد من قوات النظام في المنطقة، إذ قالت وكالة “هاوار” المقربة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إن هناك 15 مفقودًا ومصابًا من قوات النظام السوري، في قصف تركي على منطقة شوارغة، بينما ذكرت وكالة “نورث برس”، عبر “فيس بوك”، أن 15 عنصرًا من قوات النظام السوري بين قتيل وجريح بغارات تركية استهدفت ريف حلب الشمالي.

من جانبها، اكتفت “سانا” بالنقل عن مصدر عسكري، أن عددًا من العسكريين قُتلوا نتيجة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية في ريف حلب الشمالي وريف الحسكة، دون تحديد عدد القتلى.

الرئيس التركي

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يستمع بحضور قائدين عسكريين إلى إحاطة من وزير الدفاع، خلوصي أكار، حول العملية الجوية قبل إعطاء الأمر بتنفيذها- 20 من تشرين الثاني 2022 (الرئاسة التركية/ تويتر)

“وكالية” لا تحالف

الكاتب والباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، أوضح لعنب بلدي أن العلاقة بين الروس والنظام السوري خارجة عن إطار التحالف، وإن كان النظام يغلّفها بهذا المصطلح، لكن موسكو تعتبرها علاقة تبعية “وكالية”، كونها أنقذت النظام السوري من السقوط، وفي الوقت نفسه، فإن لدى روسيا تحالفات إقليمية فيما يتعلق بالملف السوري.

وبحسب قدور، فإن استمرار تركيا بشن ضربات جوية فقط دون عملية برية، سيتيح لها حرية عمل شبه مطلقة في الأجواء السورية، على اعتبار أن المناطق التي تستهدفها تتركز على الشريط الحدودي، والدفاعات الجوية للنظام غير قادرة على تغطية تلك المناطق بالكامل، خاصة مع نقل منظومات دفاعية جوية من الشمال السوري نحو المنطقة الوسطى والجنوب السوري، في وقت سابق، كونها مناطق تتعرض لضربات إسرائيلية بشكل متكرر.

من جهته، لفت الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر إلى حالة عدم الرضا الروسي عن العملية التركية، لافتًا في الوقت نفسه إلى وجود حالة تشابك مصالح بين موسكو وأنقرة في العديد من الملفات، كالملف الأوكراني، فرغم ميل تركيا نحو أوكرانيا بالتسليح وغير ذلك، فإنها في الوقت نفسه لعبت دور وساطة مهمًا للغاية في ملف إمدادات القمح، والمفاوضات السابقة بين موسكو وكييف.

وأمام هذه المعطيات، فموسكو مهتمة بعدم تخريب هذه العلاقة، رغم تباين المواقف، فهي لا ترغب بعملية تركية برية في سوريا حتى لا تعيد رسم خرائط النفوذ في سوريا، وهذا ما يفسر موقفها الحذر، الذي يتجلى بالحديث عن الحوار كبوابة لحل الخلافات حيال مسألة العملية العسكرية التركية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة