دون دراسة لأثرها في السوق

الاستيراد والتصدير لدى حكومة النظام.. قرارات “ارتجالية” متناقضة  

محافظ اللاذقية عامر إسماعيل هلال خلال جولة في أراضٍٍ زراعية بقرية السرسكية - 25 من تشرين الثاني 2023 (محافظة اللاذقية)

camera iconمحافظ اللاذقية عامر إسماعيل هلال خلال جولة في أراضٍٍ زراعية بقرية السرسكية - 25 من تشرين الثاني 2023 (محافظة اللاذقية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

اتخذت حكومة النظام السوري مؤخرًا العديد من القرارات المتناقضة المتعلقة بمسألة استيراد وتصدير المنتجات المستهلكة محليًا، بشكل أثر في أسعارها وحجم توفرها بالسوق المحلية.

في 14 من شباط الماضي، قررت الحكومة السماح باستيراد 30 ألف طن من بطاطا الطعام لفترة مؤقتة تقارب الشهرين، بعد قلة توفر المادة في الأسواق المحلية، وتضاعف أسعارها.

وتضمن القرار حينها أيضًا السماح باستيراد كمية ألف طن من مادة الثوم، بغض النظر عن بلد المنشأ، على أن ترد الكمية خلال موعد أقصاه 45 يومًا من تاريخ القرار.

قرارات الاستيراد للمادتين سبقها قبل أشهر قراران منفصلان تضمنا السماح بتصدير مادتي البطاطا والثوم، دون أي اعتبار حكومي لنتائج القرارات المتناقضة.

“ارتجالية”.. لا أدوات لتقدير الحاجة

الأستاذ المشارك في كلية إدارة الاقتصاد بجامعة “ماردين” التركية، الاقتصادي السوري الدكتور عبد الناصر الجاسم، قال إن القرارات التي تتخذها حكومة النظام فيما يتعلق بالتصدير والاستيراد هي قرارات ارتجالية عشوائية وغير مدروسة.

وفق ما يعتقده الجاسم في حديث إلى عنب بلدي، تحاول الحكومة عبر هذه القرارات الاستفادة من أي فرصة لإدخال العملة الصعبة إلى خزينتها، بغض النظر عن دراسة مدى احتياج السوق المحلية للمنتجات التي تشملها القرارات من جهة، أو الأثر الذي تحدثه في السوق المحلية من جهة أخرى.

معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية، شادي جوهرة، صرح مطلع العام الحالي، أن سياسة وزارة الاقتصاد بالنسبة للاستيراد هي تأمين مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وزيادة فرص العمل، من أجل تخفيض عجز الميزان التجاري، وتخفيض الطلب على القطع الأجنبي.

وانتهى عام 2023 بتحقيق انخفاض في قيمة مستوردات القطاعين العام والخاص بنسبة 27% مقارنة بعام 2022، وبقيمة إجمالية بلغت أكثر من 3.2 مليار يورو، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام، الصادرة في 10 من كانون الثاني الماضي.

بالمقابل، ازدادت نسبة الصادرات خلال عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه بنسبة 60%، وبقيمة إجمالية لصادرات القطاعين العام والخاص تزيد على 900 مليون يورو، ليكون حجم العجز في الميزان التجاري نحو 2.3 مليار يورو لعام 2023.

ويرى الدكتور عبد الناصر الجاسم، أنه ليس من أولويات حكومة النظام تلبية احتياجات المواطنين، بل تتمثل أولويتها بتأمين استمرارية دعم آلة المواجهة والاستمرار كنظام فقط، دون وجود أي اعتبار لديها للاهتمام بمستوى معيشة المواطن.

وفسر الجاسم التراجع عن القرارات المتعلقة بمسألة التصدير بالظروف “الموقفية الآنية”، وبعض الضغوط المحلية البسيطة، لافتًا إلى أن هناك مشكلة حقيقية في تقدير حاجات السوق، بسبب عدم وجود أي أدوات حقيقية للقياس في ظل ظروف غياب الإحصاء والأرقام الحقيقية، وبالتالي يجري اتخاذ القرار دون الاستناد إلى رقم حقيقي وتقديرات صحيحة.

المواطنون متأثرون

خلال الفترة الأخيرة، شهدت أسعار البطاطا والثوم ارتفاعًا غير مسبوق في الأسواق المحلية، إذ وصل سعر كيلو الثوم لنحو 85 ألف ليرة، والبطاطا إلى 10 آلاف للكيلو الواحد.
تترك هذه القرارات غير المدروسة أثرًا سلبيًا كبيرًا على المواطنين ومستوى معيشتهم، لأن دخلهم بالأساس ضعيف ولا يكفي لسد 10% من احتياجاتهم.

ومع بداية العام الحالي، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة”، حاجز 12 مليون ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو سبعة ملايين و500 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.

بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب بعد أحدث زيادة لها مطلع شباط الماضي، 278 ألفًا و910 ليرات سورية، ما يعادل 19 دولارًا أمريكيًا مقارنة مع سعر الصرف وقت تحرير التقرير، إذ سجل سعر الدولار الأمريكي في دمشق 14050 ليرة سورية للشراء و14200 للمبيع، حسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بمتابعة أسعار الذهب والعملات الأجنبية.

“حفر وتنزيل” على مزاج التجار

أشار تقرير نشر في صحيفة “البعث” الحكومية، نهاية شباط الماضي، إلى حديث لم يتم نسبه لمصادر واضحة، أن مادة الثوم تم سحبها من السوق في بداية الموسم وتخزينها ليُعاد طرحها بعد تجفيف الأسواق تحت عنوان “مستورد”، بهدف الوصول إلى سعر مناسب للتجار.

وعلى غرار مادة الثوم، يجري التعامل مع العديد من المواد الأخرى، وفق التقرير، متسائلًا أنه “إلى متى يتم تفصيل القرارات الاقتصادية (حفر وتنزيل) على مقاس بعض التجار، وهل يمكن أن يكون هذا الأمر بالفعل سوء تخطيط، يتكرر كل عام”.

الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، تحدث عن قرارات حكومية مبنية على بيانات مغلوطة، إذ تعطي الحكومة توقعات لإنتاج مواد معينة قبل أن تنزل إلى الأسواق، تكون عبارة عن بيانات لا تستند إلى واقع حقيقي، ولا يوجد على أرض الواقع من يتابع هذا الموضوع، فالقرار يصدر على أنه قرار مكتبي، والبيانات غير دقيقة ولكنها أقرب إلى الصحة، وفق قوله.

الأمن الغذائي في أدنى مستوياته

تعد سوريا واحدة من بين الدول الست الأدنى في مستويات الأمن الغذائي بالعالم، وبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي 12.1 مليون شخص (أكثر من نصف السكان)، و2.9 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.

المفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين، قالت في تقرير صادر عنها نهاية شباط الماضي، إنه وفقًا للنظرة العامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2024 في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، وبزيادة بلغت 9% على العام السابق.


اقرأ أيضًا: سوريا من الجوع نحو المجاعة

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة