الانتخابات الفرنسية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

ننظر، نحن السوريين، إلى الانتخابات كحدث غير حقيقي وغير مجرّب، فلا النظام بمخابراته وبجبهته الوطنية التقدمية، ولا فصائل المعارضة بمرجعياتها المتناثرة، يعترفون بحق المواطن بالاختيار، فهل يراقب اللاجئون السوريون الانتخابات الرئاسية الفرنسية باهتمام، أم يعتبرونها حدثًا يثير الرعب، سواء عبر ذكرياتهم عن انتخابات الأسد، أو عبر تهديد اليمين المتطرف للأجانب؟

بدأت الحملة الانتخابية الفرنسية في أيلول عام 2021 مع تصريحات إريك زمور بالمطالبة بطرد المهاجرين والتضييق عليهم، وإجبار المجنسين منهم على تبديل أسماء فرنسية بأسمائهم، كما كان معمولًا به قبل ثمانينيات القرن الماضي، وتخصص زمور ببث الكراهية ضد المسلمين، وضد المهاجرين بطريقة بارعة في الإثارة، ولكنها لم تثمر إلا عن 7.2% من أصوات الناخبين، في الدور الأول الذي تم في 10 من نيسان الحالي، وتقدم فيه الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، بنسبة 28%، وهي أعلى نسبة بين المرشحين الـ12، تلته في المرتبة الثانية مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف بنسبة 23%، بينما فشل المرشح “الاشتراكي” المتطرف ميلانشون في التغلب عليها وحصل على نسبة تقارب 22%.

الأحد المقبل، 24 من نيسان الحالي، سيتم الاختيار بين الرئيس المنتهية ولايته (ماكرون)، وبين مارين لوبان التي ورثت حزبها عن والدها وخففت من تطرف أفكاره التي صارت غير مقبولة في الأوساط الفرنسية، مثل التهوين من الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، وأفكاره المتطرفة عن حرب الجزائر والمناداة بالوطنية المنغلقة. ومع ذلك فإن أوساط اليسار في الداخل الفرنسي والاتحاد الأوروبي وألمانيا خاصة تنظر بقلق إلى صعود لوبان.

أما الرئيس ماكرون فإنه تحدّر من الحزب “الاشتراكي”، إذ كان وزيرًا للاقتصاد أيام الرئيس الاشتراكي السابق هولاند، ولكنه انقلب على الحزب وأسس حزبه الخاص “إلى الأمام”، الذي يعتبر من أحزاب الوسط، ويحاول أن يجتذب إليه الشباب ويحرّضهم ضد الأحزاب التقليدية التي حكمت فرنسا خلال العقود الماضية من الجمهورية الخامسة التي ابتدأت مع دستور 1958 وبرئاسة ديغول، الذي أسهم بتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني 1945.

وخلال الأيام القليلة المقبلة، سيتم التنافس بكل قوة على منصب الرئيس، وهذا التنافس لا تتدخل فيه أجهزة المخابرات، ولا الجيش، ولا دوائر الدولة، كما هي الحال في دولة الأسدين اللذين استنزفا الاقتصاد في حملاتهما الاستعراضية المقررة نتائجها سلفًا من قبل أجهزة السلطة المختلفة، مستهترَين برأي المواطن، وبإرادته التي لا يقيمان لها وزنًا، مستعينَين باستغلال أجهزة الدولة، وبالمذابح، وباستقدام القوى الأجنبية لإعانتهما على السيطرة على البلاد، كما فعل بشار الأسد بتسليم البلاد للروس والإيرانيين عبر اتفاقات ومعاهدات لن يدرك أحد نتائجها الكارثية إلا بعد مرور سنوات.

يميل الرأي العام الفرنسي إلى اليمين واليمين المتطرف خلال هذه الحملة، وكان فوز ميلانشون “الاشتراكي” بنسبة 22% مفاجئًا لكل من تابع الحملة الانتخابية، ربما لأنه استطاع استقطاب أصوات المسلمين والمهاجرين، خاصة أن ميلانشون كان يتصدى للتوجه اليميني المتطرف، ويدافع عن المهاجرين وعن المسلمين، ويرفض تعميم تهم الإرهاب على فئة أو شريحة من الفرنسيين مهما كانت أصول الإرهابي أو المتطرف الذي يقوم بعمل شنيع.

يعاني الرئيس ماكرون من تشويش في أدائه بين اليمين واليسار، ويحمل إرث احتجاجات “السترات الصفراء”، والعلاقة المتناقضة مع المسلمين، وهذا ما تسبّب في مقاطعة البضائع الفرنسية في عدة دول. ويحمل إرث إضرابات متعددة، من أشهرها إضرابات المواصلات التي كانت شديدة الحدّة، وكذلك لم يحل قضايا مثل تحديد سن التقاعد، وانتشار مافيات الحشيش، بالإضافة إلى نتائج أزمة “كورونا” التي أثّرت على الاقتصاد الفرنسي وخفّضت مستوى معيشة المواطن وقدرته الشرائية.

لكن الرئيس ماكرون استطاع تخفيض نسبة البطالة من 10% إلى 7.6%، واستطاع أن يدير سياسة أوروبية متوازنة، وعمّق العلاقات مع المستشارة الألمانية السابقة ميركل، وحاول ترسيخ استقلال أوروبا عن الحماية الأمريكية، وكان له دور في محاولات وقف الحرب في أوكرانيا، لكن بوتين رفض مقترحاته المتعددة، وأصرّ على الاستمرار بغزو أوكرانيا مستعيدًا مذابحه في سوريا وفي الشيشان.

الخطأ الذي ارتكبه ماكرون أنه قلّل الاهتمام بالحملة الانتخابية وبالهموم الداخلية للمواطنين، بحجة الحرب في أوكرانيا، وضرورة ملاحقة التطورات التي ستؤثر على أوروبا كلها، وعلى فرنسا مستقبلًا، رغم تأكيده أن بوتين يكنّ الاحترام لفرنسا، كما صرح لاحقًا لوسائل الإعلام بعد فوزه الحرج في الدور الأول.

بالإضافة إلى قضية الموقف من الأجانب والمهاجرين، ننظر، نحن السوريين، إلى الحملة الانتخابية بانبهار من تنوع الأفكار والسياسات، وعدم تدخل أجهزة الدولة والجيش لمصلحة الرئيس، وفتح وسائل الإعلام أمام كل المرشحين مهما كانت أفكارهم، ومهما كانت قدراتهم المالية، علمًا أن المرشح يستطيع استرداد تكاليف الحملة الانتخابية التي قام بها، إذا حصل على حد أدنى قدره 5% من أصوات الناخبين.

الانتخابات الفرنسية ستنجلي نتائجها الأحد المقبل، ولكن الانتخابات في سوريا لن تحصل في السنوات المقبلة ما دام النظام يستعين بـ”الشبيحة” وبالمحتلين الأجانب للحفاظ على الرئيس ابن الرئيس، وما دام كثير من فصائل المعارضة تفتقر إلى الممارسة الديمقراطية عبر شعارات احتكار الإسلام، أو احتكار الدفاع عن الخصوصية الوطنية، أو القومية، أو المذهبية.

الممارسة الديمقراطية ليست مجرد تقليد للغرب، بل هي “تُشعر من يمارس حق الانتخاب بأنه شخص حر وصاحب إرادة ورأي، وله دوره في بلده مهما كان بسيطًا عبر ممارسة هذا الحق”، كما يقول الدكتور محمد أمين ميداني أستاذ حقوق الإنسان في جامعة “ستراسبورغ”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة