“البيضا” و”رأس النبع”.. مجازر لا تنسى في ذكراها الثامنة

جثث قتلى مجزرة البيضا في بانياس على يد قوات الدفاع الوطني وحزب الله وقوات النظام السوري - 2 أيار 2013 (تعديل عنب بلدي)

camera iconجثث قتلى مجزرة البيضا في بانياس على يد قوات الدفاع الوطني وحزب الله وقوات النظام السوري - 2 أيار 2013 (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“جهنم”، كانت ما رآه “أبو عدي” حين ساقته قوات النظام ليعدَم برفقة شباب حارته بساحة بلدة البيضا قبل ثماني سنوات، إذ كانت الجثث المتفحمة والمذبوحة مترامية على الأرض، وكان دور الشاب (17 عامًا) قد حان، لولا كلمة من ضابط الأمن.

خلال يومي 2 و3 من أيار عام 2013، شهدت بلدة البيضا، التي يبلغ عدد سكانها قرابة سبعة آلاف نسمة، مع حي رأس النبع في مدينة بانياس الساحلية التي تبعد عشرة كيلومترات شمالًا عنها، مجزرة احتارت في توثيقها الجهات الحقوقية.

وتباينت أعداد القتلى المؤكدين لدى تلك الجهات، وتراوحت ما بين 300 و450 وفق لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، و248 وفق تقرير “هيومن رايتس ووتش”، و495 وفق إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في حين يصر الناجون على أن الأعداد الحقيقية لها كانت أعلى بكثير.

الموت القادم مع الصباح

حوالي الساعة السابعة صباحًا، دخلت أرتال قوات النظام و”الدفاع الوطني” و”حزب الله” إلى بلدة البيضا، بعد ساعات مما زعمت الجهات الحكومية أنه كمين أودى بحياة ستة جنود كانوا بمهمة للبحث عن “الإرهابيين”، إثر انتزاع قوى الأمن اعترافات من أحد السكان بوجود عناصر منشقين مختبئين في المنطقة، حسبما ذكر تقرير “هيومن رايتس ووتش”.

سمع “أبو عدي”، أحد الناجين من المجزرة، أصوات تقدم قوات النظام، ورأى من منزله المطل على الساحة كيف تجمعوا وبدؤوا بإطلاق النار “الكثيف”، قبل بدء الاقتحام، الذي ساقوا خلاله الرجال وبعض النساء والأطفال للإعدام، وأحرقوا البيوت وفجروا السيارات.

اختبأ الشاب قبل وصول القوات المقتحِمة إلى بيته، لكنه لم ينجُ، إذ عثر عليه عناصر الأمن ووُجهت إليه طلقة أصابت رقبته مخلفة جرحًا بسيطًا، وساقوه، في أثناء توجيههم الإهانات لعائلته والركلات والضربات له، نحو ساحة البلدة التي كانت قد تحولت إلى مسرح للإعدام.

ظن “أبو عدي” أنه ميت مرتين، مرة في الساحة والأخرى على أطراف البلدة حين اقتاده العناصر مع بقية شباب حيه من جديد لتصفيتهم، وفي كل مرة كان صوت الضابط الآمر بتركهم هو ما نجاه، “تركنا ننجو بحجة أننا سنتعامل معه”، في حين كان السبب الحقيقي هو معرفته لأحد أفراد المجموعة، كما قال الشاب، مشيرًا إلى أن أغلب عناصر القوات المقتحِمة كانوا من القرى المتاخمة للبلدة والتي يسكنها أبناء الطائفة العلوية.

لم يكد “أبو عدي” يصدق ما شاهده وهو عائد إلى المنزل، بعد أن قضى النهار مختبئًا بانتظار رحيل قوات النظام من البلدة، “حين خرجنا شاهدنا أمورًا لا ترى بالأفلام، كانت كالكذب، فالمحال والجثث المحترقة والشباب المعدومون، كان منظرًا رهيبًا جدًا”، على حد وصفه.

يستذكر “أبو عدي” كيف استقبلته جارته “أم علاء” لتسأله عن ابنها العريس، التي كانت تعد حلوى زفافه صباح ذلك اليوم، والذي رآه ميتًا “بطريقة بشعة” على بعد 200 متر عن منزله، وكيف وجد في البيت أم جاره الشاب الوحيد، الذي قتلته قوات “الدفاع الوطني” على مرأى والده قبل أن يُقتل الأب أيضًا، “حدثت قصص رهيبة جدًا، نحن من القلائل الذين نجوا”.

مع حلول الليل، خرج من تبقى من الرجال لدفن الموتى، لكن ذلك كان “مستحيلًا” على حد وصف “أبو عدي”، إذ كانت الأعداد كبيرة جدًا، مع استمرار تهديد دوريات قوى الأمن التي تجول في المنطقة، إلى أن انتهى المطاف بالقتلى في مقابر جماعية.

لم تنتهِ مأساة البيضا ذلك اليوم، إذ وصلت أنباء عن نية اقتحام جديدة في الصباح، خرجت على إثرها العديد من العائلات لاجئة إلى الغابات القريبة، التي وجدت ضمنها جثثًا جديدة لرجال ونساء وأطفال كانوا قد حاولوا الهرب وتعرضوا للقنص خلال النهار.

عاودت قوات الأمن اقتحام البيضا فعلًا، وتزامن ذلك مع دخولها إلى حي رأس النبع في بانياس، لترتكب مجزرة جديدة بحق عائلات بأكملها، وتلحق من حاول الهرب حتى شاطئ البحر، “نجونا بأعجوبة، رغم تمشيطهم منطقة واسعة، كنا نهرب ونحن نراهم خلفنا حتى وصلنا إلى قرية مسيحية بقينا فيها فترة من الزمن قبل أن نتمكن من المغادرة”، قال الشاب المقيم الآن في إدلب لعنب بلدي.

ردود دولية بلا تحركات فعلية

طالب “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في الذكرى الثامنة للمجزرة، بملاحقة ومحاسبة المجرمين المسؤولين، عما كان قد وصفه بـ”الإبادة” حين حدوثه، ولم تصدر سوى البيانات والإدانات منذ ذلك الحين.

لم تكن مهمة تسليط الضوء على ما حصل في بانياس صعبة على الجهات الحقوقية، مع إسراع وسائل الإعلام الحكومية لنشر صور من أسمتهم بـ”الإرهابيين”، وهي تعلن “تطهير” الجيش المنطقة منهم، وإعادة بلدة البيضا “آمنة” كما كانت.

سارع البيت الأبيض، الذي كانت أقوى تصريحاته في ذلك الحين تدور في فلك استخدام الأسلحة الكيماوية، التي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، بـ”الخط الأحمر”، والذي لم يكن لتخطيه بعد أشهر أثر يذكر أيضًا، لإصدار بيان للتعبير عن “الانزعاج” من أنباء “الهجمات المروعة” على البلدة الساحلية، مع التأكيد على وقوف واشنطن “مع الشعب السوري”.

من جهته، تجاهل النظام تلك التهم، مع اكتفاء وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية، علي حيدر، بوصف ما حصل، في لقاء مع صحيفة “The Wall Street Journal”، في 30 من حزيران ذلك العام، بـ”بعض الأخطاء التي قد تكون ارتكبت”، مشيرًا إلى أن لجانًا حكومية تجري تحقيقات حول الموضوع.

في تحقيق آخر، أكدت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الصادر في أيلول من عام 2013، مسؤولية النظام عما حصل في البلدة وحي رأس النبع، دون مواجهته أي تبعات فعلية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة