التعليم الإعلامي في سوريا.. بأستاذين و20 دكتورًا

camera iconمبنى كلية الإعلام بجامعة دمشق 2015 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور عبد النور

أستاذان وما لا يزيد عن 20 مدرسًا حاصلين على شهادة الدكتوراه في الإعلام، هو كل حصدته سوريا بعد 50 عامًا على دخول خطط التعليم الإعلامي إلى مناهج جامعة دمشق.

أما آلاف الخريجين من حملة شهادة الدبلوم، ومئات الحاصلين على درجة الماجستير فلم يجدوا فرصًا لإتمام تعليمهم العالي، الذي كان مشروطًا بالبعثات العلمية إلى مصر أو فرنسا في أفضل الأحوال، وفي الغالب لم يجدوا فرص عمل مرتبطة باختصاصهم، وآثروا الاتجاه إلى العمل في مجالات أخرى.

ولعل المؤشرات السابقة تسلط الضوء على تردي واقع التعليم الإعلامي في سوريا، الذي بقي مختبئًا لمدة طويلة خلف عنوان “الآداب والعلوم الإنسانية”، ومحكومًا بتعالي سوق العمل المحدودة على الاختصاصيين، إضافة إلى تراجع مستوى الحريات العامة بما يجعل من الصحفي “إما بوقًا أو عميلًا”.

بدأ تدريس الإعلام في سوريا عام 1969، من خلال “معهد التدريب الإعلامي” في جامعة دمشق، وبعد ثماني سنوات افتتح قسم الصحافة ضمن كلية “الآداب والعلوم الإنسانية”، ليستقطب آلاف الطلاب من كافة المحافظات السورية حتى عام 2010، الذي شهد افتتاح كليّة الإعلام الأولى في سوريا.

“المبنى الأحمر” هو ما اصطلحه طلاب جامعة دمشق، في إشارة إلى مبنى كلية الإعلام المحدثة، الذي تميّز بتصميم مختلف وقاعات واسعة ومجهزة، وملحق ببناء آخر يضم مخابر حواسيب واستديوهات للتدريب على التقديم والإنتاج التلفزيوني والإذاعي.

الشكل العام لبناء الكلية الجديدة وبناء التدريب، إضافة إلى أقسام الاختصاصات المستحدثة، أسهم في رفع توقعات طلاب الكلية الجدد من المحتوى الذي سيتم تلقيه، ونوعيّة التدريب الذي ينتظرهم، لكن الأعوام التالية كانت مخيبة للآمال على كافة الأصعدة.

التعليم الإعلامي بعد الثورة..

من نظري بحت إلى عملي مجرّد

شكّلت الثورة السورية انعطافًا كبيرًا في واقع الإعلام السوري، بالنظر إلى الانفجار في وسائل الإعلام الجديدة، وهو ما ترافق مع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والحديث عن نوع جديد من الصحافة.

ورغم أن كلية الإعلام في دمشق كانت قد أطلقت قبل عام على بداية الثورة قسم “الإعلام الإلكتروني” لتواكب التطور الإعلامي، إلا أن تفاعلها كان سلبيًا مع المتغيرات الطارئة على المستوى المحلي، سواء من الناحية العملية المتمثلة بالمناهج المتوفرة وآليات التدريب، أو من الناحية المبدئية المتمثلة في “الدعوة المبطنة إلى تقييد الحرية وتوجيه الولاء”.

ولم تكن الكلية الجديدة بصدد التخلّص من عبء الالتزام بخطاب النظام، ولم تكن مستعدّة لذلك أساسًا، كما عجزت عن حصر توجهاتها بالناحية العلمية، للالتفاف على ثنائية الإعلام والنظام.

إضافة إلى كلية الإعلام، انطلق في العام 2012، برنامج الإعلام في الجامعة الافتراضية السورية الحكومية “SVU”، الذي صُمم لاستيعاب مئات الطلاب ممن لم يحالفهم الحظ بدخول الكلية.

لكن مناهج البرنامج لم تختلف عن مناهج الكلية كثيرًا، عدا عن أنها ركّزت على الجانب النظري أكثر، لاعتمادها “التعليم عن بعد”.

على الجانب الآخر، كان آلاف الشبان والشابات السوريين قد انخرطوا في العمل الإعلامي تلبية لاحتياجات الثورة، بخبرات بسيطة غير مبنية على أسس علمية أو مهنية، ليصبحوا بعد أعوام قليلة صحفيين من أبناء مدارس العمل الميداني أو ورشات التدريب التي عكفت منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية على تقديمها لإشباع طاقة الشباب الثائر.

وبذلك تأسست في سوريا مدرستا إعلام غير متكاملتين، الأولى مبنية على الجانب النظري والتجييش السياسي في دمشق، والأخرى مبنية على الخبرة المكتسبة ذاتيًا والانخراط في الجوانب العملية المجرّدة في مناطق المعارضة.

وحاولت المدرستان تدارك الخلل، إما بدورات التأهيل الإعلامي في مناطق نفوذ النظام، أو عبر إنشاء معاهد إعلام في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، إلا أن ذلك لم يغير من واقع التعليم الإعلامي خلال السنوات السبع الماضية.

أربعة أقسام.. ونهلة عيسى

في العام الأول لدخول كلية الإعلام بجامعة دمشق، يفرز الطلاب إلى أربعة أقسام، ينظر إليها بعين الطبقية، فمن يحظى بفرصة الالتحاق بقسم “الإذاعة والتلفزيون” يكون صاحب التقدير الأعلى، أما طلاب قسم “الإعلام الإلكتروني” فهم “التكنولوجيون الأقل حظًا”، ويشار إلى طلاب قسم “العلاقات العامة والإعلان” على أنهم دخيلون على الكلية، أما عن طلاب “قسم الصحافة” فهم وفق الرؤية السائدة “دقة قديمة”.

وتبقى هذه المعايير محصورة في مجتمع الكلية، ولا تشكل فارقًا في مرحلة ما بعد التخرج، إذ يتلقى طلاب جميع الأقسام مواد مشتركة كـ “التحرير الصحفي، والمونتاج، ومناهج البحث، والنظريات الإعلامية”.

فيما يتركز التباين حول الجوانب العملية المرتبطة بكل اختصاص كـ “التصوير، والتقديم، وتصميم المواقع الإلكترونية، وتخطيط الصحف”، وهو ما لا يتم التركيز عليه، نتيجة منح مركز التدريب الملحق بالكلية لتلفزيون “الإخبارية السورية” الحكومي، وعزله عن الطلاب بسياج حديدي.

الدكتور يحيى العريضي، أول عميد لكلية الإعلام بجامعة دمشق، أكد لعنب بلدي، أن السبب المباشر لاستقالته كان مرتبطًا بقضية المخابر واستديوهات التدريب، إذ اختلف مع رئيس جامعة دمشق، الذي كان يريد منح مبنى التدريب لإحدى الشركات التي عرضت مقابل ذلك 12 مليون ليرة سورية.

وكان العريضي، الذي يشغل حاليًا منصب عضو “الهيئة العليا للتفاوض” في المعارضة، استقال بعد إتمامه عامًا واحدًا في عمادة الكلية، أي في نهاية العام الدراسي 2010- 2011، ليخرج بعدها من سوريا معلنًا معارضته للنظام السوري.

خرجت كلية الإعلام منذ افتتاحها ثلاث دفعات، لا تتجاوز في مجملها 300 طالب وطالبة، بسبب تراجع عدد الطلاب بعد انطلاق الثورة، إضافة إلى تقييد أعداد المقبولين في الكلية أساسًا بنحو 200 لكل دفعة، وهو عدد قليل جدًا بالمقارنة مع قسم الصحافة سابقًا.

وتعد كلية الإعلام من أكثر الكليات التي شهدت استنزافًا طلابيًا، الأمر الذي يرجعه الكثير من الطلاب إلى التشديد الأمني المفروض على الكلية، ودور النائب العلمي لعمادة الكلية، نهلة عيسى، في تسليم عشرات الطلاب لأفرع الأمن، وهو ما أكده العريضي لعنب بلدي.

ولعبت عيسى، منذ افتتاح الكلية وحتى الآن، دور “ضابط الأمن المتحكم في الكلية”، واحتفظت بمنصب إداري يساعدها على ممارسة سلطتها دون احتلال الواجهة، كنائب للعريضي والعمداء الثلاثة الذين تعاقبوا بعده.

ويشير العريضي إلى أن العلاقة بين المدرّسين في الكلية، ومن ضمنهم عيسى، تعتريها الكثير من المشاكل، وهو ما وضعه بداية افتتاحها في منصب العميد، رغم أنه أستاذ في فقه اللغة الإنكليزية، درّس في قسم الصحافة بالاستناد إلى خبرته القديمة في العمل التلفزيوني.

ويؤكد أحد طلاب الكلية، رفض الكشف عن اسمه لمخاوف أمنية، لعنب بلدي أن كلية الإعلام تشبه اليوم “وكرًا للشبيحة”، مؤكّدًا أن قسمًا من الطلاب يعملون إلى جانب نهلة عيسى في كتابة التقارير وتسليم زملائهم لأفرع الأمن.

ويضيف الطالب أن بقية المدرّسين في الكلية يملكون صلاحيات محدودة ضمن الكلية على المستوى الإداري، ما يسبب خللًا ينعكس في نظرة الطلاب إلى الجامعة ككل.

فيما يؤكد أن طلاب الإعلام الموالين للنظام يستقون خبراتهم العملية من دورات التأهيل التي توفرها بعض المراكز الحكومية أو وسائل الإعلام الموالية للنظام، ما يوفر لهم فرص عمل فيها.

أما الطلاب الذي يفضلون فصل أنفسهم عن مؤسسات النظام، فيتوجب عليهم إما السفر والعمل في الخارج، أو التخلي عن شهاداتهم والبحث عن عمل آخر.

معهدان وكلية للإعلام في إدلب بلا كوادر

دون الاستناد إلى قاعدة أكاديمية، استطاع عشرات الصحفيين والناشطين الإعلاميين السوريين التأسيس لحالة الانفجار الإعلامي، التي ارتبطت شراراتها بانطلاق الثورة السورية والحاجة لخلق بديل إعلامي للمكنات الإعلامية المعدودة التي كان يوجهها النظام السوري وفق رؤاه.

لكن هؤلاء الصحفيين الذين رفدوا مئات المؤسسات الإعلامية الجديدة، اصطدموا مرات عدّة بحاجز نقص الخبرة وعدم استنادها إلى علم ومنهجيات تضبطها وتوجهها، كما افتقدوا وجود استشاريين ومشرفين ومدربين محليين.

ووفق ذلك توجهت جامعات عدّة تنشط في مناطق المعارضة السورية إلى الاتجاه نحو التعليم الأكاديمي الإعلامي، لتعويض جزء من الخبرة العلمية التي نقصت العمل الإعلامي خلال الثورة السورية.

وشهد العام 2015 افتتاح قسم الإعلام في كلية “أوكسفورد” في إدلب، تلاه في عام 2016 افتتاح معهدي الإعلام في جامعتي حلب.

المدرّس في معاهد الإعلام ضمن مناطق سيطرة المعارضة، الأستاذ أحمد عاصي، تحدّث لعنب بلدي عن الآليات التدريسية والكوادر والمناهج التي يعتمدها معهدا الإعلام في جامعتي حلب وإدلب.

وأشار عاصي إلى أن الهدف منها هو “تعليم الطالب تقنيات الإعلام”، موضحًا “الطالب الذي يتخرج ليس صحفيًا بل يتعلم الجانب التقني، كالإخراج الإذاعي والتلفزيوني والمونتاج والتصميم، وجزئيات من علوم التحرير”.

ورغم قصر مدة الدراسة في المعهدين (سنتان فقط)، فإن ذلك يجبر المدرّسين على الالتزام بالمناهج العملية وتقليل الجوانب النظرية، ما يجعل منها استمرارًا، بشكل أو بآخر، لدورات التأهيل والتدريب الإعلامي، إذ يوضح عاصي أن نسبة المواد العملية ضمن خطة المعهدين “تصل 70% وأكثر”.

ومع حداثة عهد المعهدين فإنهما يعانيان من شحّ في المعدات والأدوات المهمة للتدريب، كأجهزة الحواسيب والكاميرات، ما يجعل تأهيل الطلاب عمليًا فيهما “دون المستوى المطلوب”.

ويعتمد المعهدان في مقرراتهما على تجميع بعض المناهج من جامعتي دمشق والقاهرة، أو من جامعات أردنية، وفق عاصي، الذي أكد عدم قدرة المدرسين في الكلية على إنتاج مقررات خاصة، نظرًا لكونهم مجازين، ولا يوجد بينهم حملة شهادات عليا (ماجستير أو دكتوراه).

أما بالنسبة لجامعة “أوكسفورد” (معتمدة من قبل جامعة أوكسفورد اليمنية)، فأشار عاصي إلى أن “الخطة الدراسية مشابهة لخطة الجامعة الأصلية في اليمن، ووفق ذلك فالمواد أعمق من المواد التي تدرس في معهدي حلب وإدلب”.

ولذلك فإن “شهادة خريج أوكسفورد أفضل من شهادة خريج المعهد، لكونه يدرس أربع سنوات، فيما يدرس طلاب المعاهد سنتين فقط”.

محمد الخطيب، وهو طالب سنة ثانية ضمن “المعهد التقاني للإعلام- جامعة إدلب”، يقيّم وضع المعهد من حيث التخديم، وأهليته لتدريب الطلاب، على أنه ليس سيئًا وليس بالمستوى المطلوب.

لكنه يشير إلى أن التحول إلى الجوانب العملية أكثر في السنة الثانية للدراسة في المعهد يجعل الأمر أفضل.

وحول الرسوم المطلوبة للالتحاق بالمعهد، يقول محمد إنها تصل 100 دولار (نحو 450 ألف ليرة سورية)، بإمكان الطالب دفعها عن طريق أقساط، أما التعليم الموازي فتصل رسومه إلى  150دولارًا، يمكن تقسيطها أيضًا.

ولا يتجاوز مجمل عدد الطلاب في معهدي “تقانة الإعلام” بجامعتي وحلب وإدلب 150 طالبًا، سيتم تخريج قسم منهم هذا العام، فيما سيشهد العام الدراسي المقبل تخريج أول دفعة لطلاب الإعلام من جامعة “أوكسفورد”.

ولعلّ أبرز المشاكل التي تواجه الطلاب الراغبين بدراسة الإعلام في مناطق المعارضة صعوبة الانتقال من مناطق الريف إلى المدينة حيث جامعة إدلب، أو إلى مقر معهد الإعلام بجامعة حلب، الواقع في ريف إدلب.

محمد الخطيب، وهو من أبناء مدينة كفر نبل في ريف إدلب الجنوبي، أكد لعنب بلدي أن الطلاب يجدون صعوبة في المواصلات، إضافة إلى عدم تقديم أي دعم لهم من الناحية المادية، وعدم توفير سكن جامعي.

ويتوقع المدرّس أحمد عاصي أن يشهد وضع المعهدين تحسنًا خلال الفترات المقبلة، ولا سيما معهد “تقانة الإعلام” في جامعة إدلب، الذي يجري التحضير لتحويله إلى قسم ضمن كلية “العلوم السياسية”.

وتسعى الجامعة من خلال خطوة كهذه إلى تحسين وضع الطلاب، ورفع قيمة شهاداتهم، إلا أن الأمر مايزال في عداد التصورات المستقبلية، مع صعوبة إطلاق قسم كهذا ضمن الإمكانيات الموجودة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة