“الحجاب التركي” خيار السوريات للاندماج وتفادي “التلطيش”

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ر. ك

وجدت بعض السوريات أنفسهن في صراعٍ مع الحجاب، بعد خروجهن من سوريا، خاصةً اللاتي لجأن إلى الدول الأوروبية، وقرر عدد منهن نزعه، تفاديًا لأي صعوبات قد تواجههن تحت مسمى التطرف“.

وأخذ الاندماج في تركيا منحىً مختلفًا، فاخترن وضع الحجاب التركي، بدلًا من خلعه، ليمتدّ هذا التغيّر إلى المدن السورية، في ظاهرة أثارت تساؤلات لدى بعض السوريين.

فرضت بلاد اللجوء على السوريين ظروفًا أجبرتهم على تغيير أسلوب حياة اعتادوا اتباعه، وأصبح الاندماج في المجتمعات الجديدة “هاجسًا” لدى كثير من اللاجئين، الذين وضعوا أنفسهم في تحدٍ مع لغات وعادات لا تشبه مجتمعهم بشيء.

الحجاب التركي أفضل للاندماج

“في البداية كنت أضع الحجاب السوري (الأبيض)، وكنت أعتبره شيئًا جميلًا، لأنه يعزز هويتي التي أفتخر فيها”، تقول إيمان مخلوطة لعنب بلدي، وهي فتاة سورية مقيمة في اسطنبول، اختارت وضع الحجاب التركي.

ويتميّز الحجاب السوري بلونه الأبيض من قطعتين، ويعتمد تثبيته على “الدبابيس”، أما التركي فهو ملوّن أو مزخرف ويختلف بطريقة لفّه على الرقبة، السهلة والبسيطة، دون “دبابيس”.

وعند سؤالها عن سبب تغيير رأيها، قالت إيمان إنها وجدت الحجاب التركي مريحًا أكثر من السوري، و”عمليًا أكثر”، كونها تخرج يوميًا من البيت للعمل.

ولكنها أرجعت السبب الرئيسي إلى رغبتها في الاندماج بالمجتمع التركي، وساعدها على ذلك لغتها التركية “الجيدة”.

وأشارت إيمان إلى أن معاملة المواطنين الأتراك تختلف كثيرًا مع السوريات عندما يضعن الحجاب التركي، “عندما أضع الحجاب التركي وأتكلم مع الأتراك يبدون إعجابهم، بأني فتاة سورية وأتكلم لغتهم، وأشبههم بالشكل… لكن الأمر يختلف عندما أرتدي الحجاب السوري، لأن الأتراك يعتقدون أني لن أفهم عليهم، لذلك يتحاشوني ولا يتكلمون معي”.

عنصريةدفعت إلى إخفاء الهوية

أثارت قلة من السوريين في تركيا حفيظة الأتراك، بعد تصرفات “لا أخلاقية” بدرت منهم، وأصبح السوريون بالمقابل يعانون من نظرة “عنصرية” من بعض الأتراك.

وانتشرت أفكار مغلوطة، في الأوساط التركية، عن “همجية” اللاجئين و”جهلهم” بالحضارة، حتى إن بعض الأتراك يرفضون تأجير بيوتهم للسوريين، خوفًا من تخلفهم عن دفع الإيجار أو تخريب البيت.

وأكدت إيمان مخلوطة ذلك بقولها “تختلف نظرة الأتراك لنا عندما يعرفون أننا سوريات، وأشعر دائمًا أنهم يرمقونني في الباصات والطرقات”.

وذكرت موقفًا حدث معها وصديقتها التي كانت ترتدي الحجاب السوري، أثناء ذهابهن للعمل بـ “المتروبوس”، ووصفته بأنه “من أكثر المواقف الذي يحمل قلة أدب وذوق”.

“كنا نجلس في المتروبوس، وكانت تقف بجانبنا امرأة تركية أربعينية، بدأت ترمقنا لأننا لم نجلسها مكاننا”، قالت الفتاة، مضيفةً “بدأت المرأة تشتمنا دون النظر إلينا، ظنًا منها أننا لن نفهم ما تقول، موجهةً أسئلة مفادها: لماذا تركوا بلادهم وأتوا إلى بلادنا”.

ولفتت إيمان أن الأتراك الجالسين في “المتروبوس” تعاطفوا معهما، ووصفوا المرأة بـ “المجنونة”، مؤكدةً على عدم تعميم فكرة “عنصرية” الأتراك، “فهناك شريحة متعاطفة مع السوريين”.

تلطيشمن الشباب السوريين.. والسوريات: نحن

منعطفات في تاريخ الحجاب التركي

كان الحجاب في تركيا، موضع جدل عبر تاريخها الحديث، وعمّق طابع البلاد العلماني من مشكلة عانت منها الفتيات التركيات منذ سنوات.

وشهدت البلاد في فترة الستينيات والسبعينيات، إقبالًا لافتًا من التركيات نحو الحجاب، دفع الحكومة إلى التضييق عليه، خوفًا من أن يتحول إلى رمزٍ سياسي.

إلا أن القرار الرسمي كان في العام 1984، عندما أصدر البرلمان التركي قانونًا يقضي بمنع المحجبات من دخول الحرم الجامعي، ومنع توظيف أي فتاة محجبة في دوائر الدولة، وسط حوادث اعتداء على المحجبات.

ومع ذلك كان هناك تساهلٌ من قبل بعض أساتذة الجامعات، خاصة جنوب البلاد، الذين غضوا النظر عن وجود محجبات في قاعات التدريس.

وظل القرار ساريًا لسنوات عديدة رغم الاحتجاجات الشعبية، إلى حين تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2008، والذي أصدر قرارًا يسمح فيه للجامعيات وموظفات الدولة بارتداء الحجاب.

وأجرى البرلمان تعديلًا دستوريًا على المادة الأولى والثانية من القانون رقم 5735، بالإضافة للمواد رقم 4 و8 و148 من الدستور التركي، أبطل فيها أي قرار يحد من حرية المحجبات.

تركيات

يقطن في تركيا عدد كبير من الشباب السوريين، بعضهم قرر الاستقرار فيها، وآخرون ينتظرون فتح باب الهجرة إلى أوروبا.

وبسبب ظروف العمل السيئة، وانخفاض الرواتب، وعدم وجود قانون يمنح السوريين تصاريح عمل “قانونية”، أصبح ما يقارب 600 ألف لاجئ منهم بدون عمل، بحسب تقارير تركية رسمية.

وأشارت صحف محلية إلى أن 10% فقط من السوريين منخرطون في سوق العمل بشكل نظامي، ما دفع بعض العاطلين عن العمل إلى تمضية أوقاتهم في الطرقات، ومضايقة الفتيات السوريات اللواتي يدل حجابهن عليهن.

“نعم البنات السوريات يتعرضن لمضايقات من بعض الشباب السوريين، الذين لا يتجرأون على مضايقة الفتيات التركيات”، تقول إيمان.

ولذلك تلجأ بعض الشابات إلى تغيير ملامحهنّ وسلوكهن في ارتداء اللباس، حتى يتفادين أي مضايقات.

مشبوهونبعد الاعتداءات الإرهابية

سلمى العطار، مهندسة سورية في تركيا، ترتدي الحجاب التركي، قالت إنها اختارت وضعه لأنه يليق بوجهها أكثر وكنوع من التغيير.

وتطرقت سلمى كسابقتها، إلى معاملة الأتراك، ومضايقات الشباب السوريين للفتيات، وقالت “لا أحب أن أظهر أنني لستُ تركية، لأنهم عندما يرونني سورية يضايقونني”.

كما أشارت إلى الوضع الأمني في تركيا، وتوجيه أصابع الاتهام إلى السوريين ومسؤوليتهم “غير المباشرة” عن “الفلتان الأمني” فيها، وقالت “أصبحنا مشبوهين بعد التفجيرات التي تشهدها البلاد مؤخرًا، لذا نحاول أن نتفادى أي نظرة اتهام، ونغيّر من المعتقدات الخاطئة والسائدة عن السوريين”.

وتعرضت تركيا إلى سلسلة من الهجمات “الإرهابية”، ينظر الأتراك إلى أن الصراع السوري كان سببًا رئيسيًا وراءها، خاصةً بعد التفجير في ساحة السلطان أحمد باسطنبول، في كانون الثاني عام 2016، الذي قُتل فيه 11 سائحًا ألمانيًا، واتُهم فيها شخصٌ سوريٌ، بحسب ما أعلنت السلطات التركية.

كما أن حملة “درع الفرات”، التي تدعمها تركيا عسكريًا، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة الباب شمال حلب، أدت إلى تغلغل عناصر التنظيم في تركيا وزعزعة أمنها، وسط إعلان رسمي من قادة “داعشيين” أن تركيا “أرض جهاد”.

الحجاب التركي يجتاح الداخل السوري

لم يقتصر التوجه نحو الحجاب التركي على السوريات في تركيا، بل شمل الفتيات داخل سوريا أيضًا، في ظاهرة باتت ملفتة بشكل كبير.

وعند سؤالنا لمجموعة فتيات عن السبب، أجمعن على أنه نوع من التغيير، واتباع “الموضة”، وقالت لمى، طالبة في جامعة دمشق، “بدأت أشعر بالملل من الحجاب الأبيض، والجامعة تفرض علينا كسر الروتين، والتغيير باستمرار”.

وتابعت لمى (21 عامًا)، “ساعدنا في ذلك انتشار محلات متخصصة ببيع الحجاب التركي، على الرغم من غلاء سعرها مقارنةً بالحجاب السوري”.

وبحسب مصادر عنب بلدي، يتراوح سعر الحجاب التركي في دمشق بين أربعة وخمسة آلاف ليرة سورية، فيما يمكن شراء الحجاب السوري بألفي ليرة.

وأكدت المصادر أن المحلات لا تستورد الحجاب التركي من تركيا، وتكتفي بتقليد الموديل نفسه، حيث يُصنّع في دمشق بقماش سوري “فاخر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة