الحراك الأردني في سوريا.. عمّان متحمسة بعكس النظام

camera iconوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق- 15 من شباط 2023 (رئاسة الجمهورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

حمل جدول أعمال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال تموز الحالي، ثلاث زيارات خارجية، إلى سوريا وتركيا وقطر، يشكل الملف السوري كلمة السر والقاسم المشترك بينها بالنسبة لعمّان، التي تقود “مبادرة” للحل في سوريا.

توازي هذه المبادرة انقسامًا في المسارات السياسية المتعلقة بالملف بين تعثر وتعطل، ودون أي ترجمة للمساعي الأردنية على أرض الواقع، إذ لم تمضِ المباحثات والتفاهمات واللقاءات بهذا الصدد أبعد من بياناتها حتى الوقت الراهن على الأقل.

بدأت زيارات الصفدي من دمشق، في 3 من تموز، والتقى خلالها نظيره السوري، فيصل المقداد، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد.

ووفق ما ذكرته الخارجية الأردنية حينها، فالزيارة تتضمن إجراء مباحثات حول الجهود المبذولة لحل “الأزمة السورية”، وعدد من القضايا الثنائية.

الوزير الذي جسّد خلال مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، في 15 من حزيران الماضي، بالأرقام “ثقل ملف اللاجئين” على بلاده، وما تقدمه للسوريين من خدمات أساسية لا تضمن استمراريتها، قابله الأسد بشروط غير مباشرة لعودة اللاجئين، إذ ربط مسألة العودة بالظروف المتردية في مناطق سيطرته.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) حينها، أن الأسد شدد على أولوية العودة الطوعية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكّن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية.

وبحسب الأرقام الأردنية، فإن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري يقيمون في الأردن، منذ قيام الثورة في سوريا (آذار 2011)، منهم 661 ألفًا و854 لاجئًا مسجلًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة.

زيارة الصفدي الثانية إلى دمشق (الأولى في 15 من شباط، بعد الزلزال)، رافقها وتبعها ما يوحي بضعف جدواها، إذ سبقها، في 25 من حزيران، نشر تفاصيل “المبادرة الأردنية” عبر مجلة “المجلة” السعودية، وحملت بنودًا وقضايا تتقاطع إلى حد بعيد مع البيان الختامي للقاء عمان التشاوري، في 1 من أيار (قبل مشاركة الأسد في قمة جدة).

خلافًا لمساعي عمّان الرامية لحل ينسجم مع “صميم رغبتها بإعادة اللاجئين”، تأخذ كثير من القضايا المتفق عليها بالبيانات وعلى الورق، والمدعومة من العرب، منحى عكسيًا، بالنظر إلى سلوك النظام على الأرض، إذ اتجه لتكريس بعض الشروط تحت مسمى “الظروف الملائمة” لعودة اللاجئين، وبدا ذلك بوضوح حين طلب وزير الخارجية السوري، خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول حركة “عدم الانحياز”، في 5 من تموز، دفع عجلة الاقتصاد، وتحقيق التعافي المبكر في مناطق سيطرة النظام، بما يسهم في توفير الخدمات الحيوية الضرورية لعودة كريمة للاجئين والمهجرين إلى مناطقهم الأصلية.

وفي 14 من أيار الماضي، وخلال المشاركة في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، ركزت معاونة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية للشؤون الدولية، رانيا أحمد، على أن عودة المهجّرين إلى مدنهم ومنازلهم يأتي عبر التشجيع على إقامة المشاريع الاقتصادية في مختلف القطاعات.

الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، اعتبر زيارة الصفدي إلى دمشق “محرجة” للنظام، بالنظر إلى استمرار عمليات القتل والاعتقال التعسفي والخطف وتصاعد العنف، وسلب ممتلكات المواطنين وعقاراتهم، واستهداف المدنيين، وهي مسائل تنهى عنها “المبادرة الأردنية“، بالحديث عن البيئة المواتية لعودة اللاجئين.

وقال ليستر، عبر “تويتر”، إن “خطة الأردن لإشراك النظام (في إشارة إلى العملية السياسية) لم تعد واعدة”.

المخدرات.. رسائل متضاربة

عبر حضوره في بيان لقاء عمان التشاوري، واللقاء الوزاري العربي بجدة، في 14 من نيسان الماضي، وتصريحات متواصلة لمسؤولي دول الجوار، وصولًا إلى الحديث عن عرض سعودي للنظام فحواه تعويض خسارة تجارة “الكبتاجون” في حال توقفها، يفرض ملف تهريب المخدرات أهمية وأولوية عربيًا، ويفسر في الوقت نفسه مضي عمّان نحو عقد لقاء مع النظام عبر “اللجنة الأردنية- السورية المشتركة”، وهو الاجتماع الأول من نوعه، في 23 من تموز، لمناقشة مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن.

جاءت نتائج هذا اللقاء سريعًا، حين أعلنت القوات الأردنية، في 24 من تموز، إسقاط طائرة مسيرة محملة بمواد مخدرة قادمة من سوريا.

وسبق هذه التحركات في الملف مناشدات أطلقها وزير الخارجية الأردني، في 7 من تموز، حين طالب بجهد دولي مشترك لمواجهة هذا الخطر، مؤكدًا أن حسم القضية لا يمكن أن يحصل دون تعاون دولي حقيقي، بما يوحي بتراجع الآمال حيال التوصل إلى نتائج ملموسة في هذا السياق عبر التفاوض مع الأسد.

الصفدي إلى أنقرة

بعد زيارته إلى سوريا، اتجه الصفدي في اليوم التالي إلى تركيا، حيث التقى نظيره هاكان فيدان، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 4 من تموز.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده الوزيران بعد جلسة مباحثات ثنائية، أوضح الصفدي أن الجانبين تناولا بشكل موسع الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لـ”الأزمة السورية”، وقال، “نحن متفقان على ضرورة العمل بشكل مكثف لحل الأزمة السورية، ومعالجة جميع تبعاتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.

“كدولتين من أكبر الدول استضافة للاجئين السوريين، نحن معنيون بتحقيق تقدم في ملف اللجوء، ونتفق على أن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم”، أضاف الصفدي، ليكرر النقطة ذاتها خلال لقائه نظيره البريطاني، جيمس كليفرلي، في 27 من تموز، مشددًا على ضرورة توفير الظروف التي تتيح “العودة الطوعية” لهم إلى بلدهم.

وتشترك تركيا والأردن باستضافة ملايين اللاجئين السوريين، وبمساعي البلدين نحو تعزيز “العودة الطوعية” لهؤلاء اللاجئين، مع اختلاف جذري في الآلية، إذ تنفذ أنقرة مشروعها بالتعاون مع قطر، عبر تهيئة المأوى لنحو مليون سوري يستهدفهم المشروع، بمعزل عن النظام، بينما تعوّل عمّان على النظام السوري لترجمة طموحاتها بإعادة اللاجئين.

في الدوحة بعد أسبوعين

جاءت زيارة أيمن الصفدي إلى قطر بعد أسبوعين تمامًا من زيارته إلى دمشق، إذ التقى، في 17 من تموز، أمير قطر، تميم بن حمد، في الدوحة.

وسبق اللقاء مباحثات بين الصفدي ونظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حول الدور العربي في جهود التوصل إلى حل سياسي لـ”الملف السوري”، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، وفق بيان للخارجية الأردنية.

كما أكد الوزيران ضرورة تنفيذ بيان “عمّان”، واتخاذ خطوات عملية ملموسة من أجل إنهاء “الأزمة” ومعالجة تبعاتها الإنسانية والسياسية، وما تسببت به من معاناة للشعب السوري، وما أنتجت من تهديدات لأمن المنطقة، بما في ذلك تهريب المخدرات.

ورغم التوجه الأردني لكسب مؤيدين لـ”المبادرة” وإطلاع الدول المعنية على التطورات المتعلقة، فالزيارة إلى قطر وتركيا تحمل بعدًا إضافيًا، على اعتبار أن الدوحة لم تكن حاضرة خلال لقاء عمّان التشاوري، ولا ترحب بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

كما تحافظ على موقف ثابت إزاء الملف السوري، تترجمه تصريحات وزير خارجيتها حين قال، في 8 من تموز “المشكلة مع النظام الذي يشرد ويقصف الشعب منذ أكثر من عشر سنوات، وهذا هو أساس المشكلة”.

وفي 17 من أيار الماضي، قال الوزير القطري، “الحل الوحيد لتطبيع العلاقة مع النظام السوري على الأقل بالنسبة لنا، هو إيجاد حل عادل وشامل للمسألة في سوريا”.

وبالنسبة لتركيا، فإلى جانب غيابها عن “المبادرة الأردنية” واللقاءات التي دارت في فلكها، كانت حاضرة في الملف السوري عبر أكثر من بوابة، فمع استضافتها لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، هناك الوجود العسكري في الشمال، وهو ما تتناوله “المبادرة” ضمن بنودها، إلى جانب تعاونها مع قطر في مشروع “العودة الطوعية”، وحالة التحالف العميقة وانسجام المواقف بينهما، وحداثة عهد أنقرة في التوجه نحو تطبيع العلاقات رسميًا مع دمشق، بعد نحو 12 عامًا من الخصومة، تبعها خطوات مثقلة تصطدم بما هو مستحيل لدى أنقرة، وما هو “ثوابت وطنية” للنظام (الانسحاب التركي من الشمال).

احتمالات التقدم محدودة

الدكتور عمر باشا الرداد، الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، أوضح لعنب بلدي أن التحرك الأردني في الملف السوري مرتبط برهانات تستند إلى الخصوصية الأردنية في التعامل مع سوريا ارتباطًا بالجوار واللاجئين، إضافة إلى قضايا اقتصادية ترتبط بانسياب البضائع بكلا الاتجاهين، وهو ما يفسر تحركات عمّان، بدءًا من طرح الملك الأردني، عبد الله الثاني، أمام الإدارة الأمريكية مسألة استثناء الأردن من عقوبات “قيصر” في وقت سابق.

ويرى الخبير أن خلاصة الجهود الأردنية والعربية في الملف السوري تشير إلى أن احتمالات التقدم تبدو محدودة جدًا، بالنظر إلى استمرار تهريب المخدرات، وارتباط النظام السوري بإيران، والتلكؤ في المضي قدمًا نحو الحل السياسي، وعدم اتخاذ إجراءات ملموسة فعلًا حيال عودة اللاجئين.

من الطبيعي أن يكون لدى السعودية والأردن ودول عربية أخرى جملة حقائق تشكّل أدلة دامغة على أن نيات النظام السوري لم تكن بمستوى تعهداته، وهو ما يعني احتمال مناقشة هذه القضايا مع النظام، وفق الرداد.

واقع “غير مبشر”

بحسب مادة رأي نشرتها صحيفة “عكاظ” السعودية، في 28 من تموز، للمحلل السياسي رامي الخليفة العلي، فإن أساس الحل الذي يحمله الصفدي هو القرار الأممي “2254”، إذ لا بد من إطار يسمح بتكوين رؤية للحل مقبولة من المجتمع الدولي، لكن حكومة النظام السوري لم تبدِ موافقتها على أفق الحل المقترح عربيًا بشكل صريح وواضح، ما دفع المجتمع الدولي إلى حالة شك بإمكانية نجاح الدول العربية بإقناع النظام بهذا الإطار الجامع.

وأشار المحلل إلى ملفات عالقة في “الأزمة السورية”، منها المخدرات، والوجود العسكري المتنوع، والسيادة على الأرض، ومسائل بناء الثقة (الإفراج عن المعتقلين، وعودة النازحين ثم اللاجئين).

وقال إن “السعودية كما الدول العربية التي رسمت أفقًا لحل الأزمة السورية، بذلت جهودًا جبارة، وعملت على إقناع المجتمع الدولي بهذا الحل (…) لكن إذا لم تساعد نفسك فلا أحد يستطيع مساعدتك”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة