"سلامة الأوتوسترادات إما بالسلم أو بالحرب"

الحملة الروسية تحكم تفاهم النار في إدلب

عناصر من قوات الأسد في مدينة خان شيخون بريف إدلب - 22 من آب 2019 (AFP)

camera iconعناصر من قوات الأسد في مدينة خان شيخون بريف إدلب - 22 من آب 2019 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

تصر روسيا على خيار “الحسم العسكري” في إدلب، وتحكم بحملتها العسكرية تفاهم النار في المحافظة، المتمثل باتفاقية “سوتشي” الموقعة بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين في أيلول من عام 2018، والتي تنص في بنودها على إبعاد العناصر “الراديكالية” (الإرهابية) من المنطقة المنزوعة السلاح، وسحب السلاح الثقيل منها، تجهيزًا لفتح الأوتوسترادات الدولية دمشق- حلب، وحلب- اللاذقية.

لا يزال مصير محافظة إدلب، الخاضعة لسيطرة فصائل من “الجيش الحر” وأخرى جهادية، مجهولًا حتى اليوم، ولا يمكن استشرافه بناء على التحليلات التي من الممكن أن يصيب بعض منها بناء على الوقائع المفروضة على الأرض أو يخطئ، خاصة أن القوى اللاعبة على الأرض تقول إنها لا علم لها بما ستكون عليه الأيام المقبلة، بسبب خروج ملف إدلب من أيدي مقاتليها وسكانها إلى يد الجانبين الروسي والتركي، اللذين يتحدثان عن خطوات وتحركات فضفاضة لا يمكن الاعتماد عليها كمؤشرات واضحة لما هو مقبل.

أصبحت إدلب، بعد أيام من الحملة العسكرية “الشرسة”، أمام عدة تطورات، آخرها الهدنة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الروسية وقوات النظام السوري من جانب واحد، والتي تلت قمة الرئيسين أردوغان وبوتين في موسكو، وتصدرها ملف محافظة إدلب.

ومن بين التطورات ما شهدته الحدود السورية- التركية من مظاهرات حاشدة هي الأولى من نوعها، إذ اقتحم مئات المتظاهرين معبري أطمة وباب الهوى الحدوديين، ووصلوا إلى البوابات التركية، مطالبين بوقف الهجمات على محافظتهم وفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين، في مشهد تجسد بعمليات ضغط على الجانب التركي، الذي لم يتخذ أي خطوات جدية لوقف القتل الذي يتعرض له المدنيون، وعمليات النزوح الكبيرة، وخاصة من الريف الجنوبي لإدلب.

ومع ما سبق توضح حملة قوات النظام السوري وروسيا على الأرض أن الهدف الذي يتطلعون إليه هو الوصول إلى الأوتوسترادات الدولية دمشق- حلب وحلب- اللاذقية، كخطوة لفتحهما وإبعاد أي خطر من جانب فصائل المعارضة والتشكيلات الجهادية، وهو البند الأساسي في اتفاقية “سوتشي”، الذي لم تعمل تركيا على تنفيذه، بسبب رفض عدة فصائل له، بينها “جيش العزة” الذي كان عاملًا في الريف الشمالي لحماة، و”هيئة تحرير الشام”، التي هددت مؤخرًا باستهداف القوات الروسية في حال دخولها لتسيير دوريات في المنطقة المنزوعة السلاح أو فتح الأوتوسترادات.

“بالسلم أو بالحرب”.. عين الروس على “M4″ و”M5”

الحديث عن تطلع قوات النظام السوري وروسيا للوصول إلى الأوتوسترادات الدولية يرتبط بما هو مفروض على الأرض، فالسيطرة على مدينة خان شيخون والريف الشمالي لحماة، الذي يضم مدن اللطامنة ومورك وكفرزيتا، كانت البداية، إذ تمكنت قوات النظام السوري من تأمين جزء كبير من أوتوستراد دمشق- حلب، واستمرت بعمليتها العسكرية لتأمين محيطه وصولًا إلى مدينة التمانعة، وفي الوقت الحالي تنفذ ضربات جوية على منطقة معرة النعمان ومحيطها والواقعة على الأوتوستراد، والتي قد تكون الهدف المقبل للعملية العسكرية المعلقة جزئيًا، بموجب الهدنة المفروضة من جانب واحد فقط.

تحدثت عنب بلدي إلى قيادي في “الجبهة الوطنية للتحرير” (طلب عدم ذكر اسمه) وقال إن جميع الفصائل العسكرية العاملة في الشمال السوري “المحرر” لا توجد لديها معلومات عما ستكون عليه محافظة إدلب في الأيام المقبلة، “الأمر بيد الروس والأتراك فقط”، بحسب تعبيره.

وأضاف القيادي أن قوات النظام السوري وروسيا تنويان الوصول إلى الأوتوسترادات الدولية والسيطرة الكاملة عليها، من أجل تأمينها، وهو أمر سيتم “إما بالسلم أو بالحرب”، مشيرًا إلى أن “هيئة تحرير الشام” تحكم سيطرتها على أجزاء واسعة منها، وذلك بعد الحملة العسكرية الواسعة التي أطلقتها ضد فصائل “الجيش الحر” و”حركة أحرار الشام الإسلامية”.

وفي القمة التي جمعت بين بوتين وأردوغان في موسكو، اشترط الأخير وقف هجمات النظام السوري في منطقة إدلب للعمل على استكمال تنفيذ اتفاقية “سوتشي” الموقعة بين الدولتين، وقال “المسؤوليات الملقاة على عاتقنا بموجب اتفاقية سوتشي لا يمكن الإيفاء بها إلا بعد وقف هجمات النظام”.

وبعد وصوله إلى تركيا قادمًا من روسيا قال أردوغان في تصريحات صحفية، “إذا قلنا إن التطورات في إدلب تجري كما نريد فهذا كذب، فالتطورات ليست على النحو الذي نرغب به”.

وأضاف أردوغان أنه كانت هناك بعض المضايقات لنقاط المراقبة التركية في مورك وشير مغار بريف حماة، مؤكدًا أنه وجه التحذيرات اللازمة خلال لقائه مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء الماضي.

وتدرك أنقرة أن موسكو تريد فرض أمر واقع في محافظة إدلب، وتعمل على تطبيق اتفاقية “سوتشي” من جانبها، التي لا تخرج عن كونها “تفاهم نار”، لذلك عملت على عدة تحركات في الأيام الماضية، كان اللافت بينها عمليات استطلاع على أوتوستراد حلب- اللاذقية من مدينة سراقب وصولًا إلى أريحا وجسر الشغور في الغرب.

وكان مصدر عسكري من فصيل “فيلق الشام” قد قال في تصريح لعنب بلدي، 28 من آب 2019، إنه “من المفترض أن تثبت تركيا نقاط مراقبة جديدة في كل من: غرب مدينة سراقب، معمل القرميد ومعسكر الشبيبة على طريق حلب اللاذقية، نقطة في منطقة محمبل، نقطة في جسر الشغور”.

وذكرت شبكة “المحرر الإعلامية” التابعة لـ “فيلق الشام”، حينها، أن “القوات التركية تنوي إنشاء عدد من نقاط المراقبة العسكرية بين النقاط الموجودة والمثبتة سابقًا، وذلك لدعم تثبيت وجودها ومنع تقدم قوات النظام السوري في المنطقة، ودعمًا للحل السياسي وتسريعه”.

هل يمكن التعويل على “تحرير الشام”

أمام المعطيات والوقائع الميدانية الحالية التي تشهدها محافظة إدلب، يغيب موقف “هيئة تحرير الشام”، التي تستمر بالإعلان عن عمليات التصدي لتقدم قوات النظام السوري، وعرضت مؤخرًا صورًا لمقاتليها في “جيش أبو بكر” و”جيش عمر بن الخطاب” في أثناء استلامهم لجبهات قرية كبانة في ريف اللاذقية الشمالي.

وتعتبر “تحرير الشام” العقبة الأبرز التي تتذرع بها موسكو للقيام بالحملة العسكرية على إدلب، وكانت تركيا قد فشلت في حلها وصهر مقاتليها ضمن فصائل “الجيش الحر”، وآخر ما أعلنت عنه بخصوص تطورات إدلب كان في 4 من آب 2019، إذ رفض “أبو محمد الجولاني”، سحب قواته من المنطقة العازلة بريفي حماة وإدلب بموجب اتفاقية “سوتشي”، معتبرًا أن “الهيئة” خارج اتفاق محادثات “أستانة” المعنية بالملف السوري.

وقال الجولاني في لقاء صحفي نقلته شبكة “إباء”، “لن نسحب جنديًا واحدًا أو قطعة سلاح واحدة من أي موضع، ولن نتموضع في مكان حسب رغبة الأعداء أو الأصدقاء (…) العدو لم يستطع أن يحتل الـ20 كم التي يتحدث عنها بقوة السلاح، فكيف نعطيه إياها سلميًا”.

وكان القيادي السابق في “تحرير الشام”، صالح الحموي (المعروف بأس الصراع في الشام) قد نشر عقب القمة التي جمعت بوتين وأردوغان بنود عرض من الجانب التركي لتفكيك عقدة محافظة إدلب.

ويتضمن العرض، بحسب ما نشر الحموي عبر “تلغرام”، 29 من آب 2019، ستة بنود، أولها تفكيك “تحرير الشام” من خلال توجه عناصرها إلى فصائل “الجبهة الوطنية” مع مهلة زمنية لتحقيق ذلك.

البند الثاني هو حل “حكومة الإنقاذ السورية” كاملة، بحسب الحموي، الذي أضاف أن البند الثالث يقضي بإدخال “الحكومة المؤقتة”، التي “لا تقبل الدول بدعم المناطق المحررة إلا من خلالها”.

وأشار الحموي إلى أن حديثه مبني على “معلومات نسبة صحتها 100%”، وربطه بما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ختام قمته مع نظيره فلاديمير بوتين، بأن تطبيق بنود اتفاقية “سوتشي” لا يمكن تنفيذها إلا بوقف هجمات قوات النظام على الأرض.

ويقضي البند الرابع من العرض التركي، بحسب الحموي، برسم مسار لدوريات مشتركة يكون فيها جنود روس ضمن المدرعات التركية.

وأوضح أن بند الدوريات ما زال محل تفاوض بين الجانبين إذ قدمت تركيا بديلًا عنه، وهو نشر نقاط مراقبة تركية مع الجيش الوطني حصرًا على جانبي الطرق الدولية دون أي وجود للروس نهائيًا.

وإضافة إلى ما سبق، تضمن العرض المتابعة بتشكيل اللجنة الدستورية بما يضمن وحدة الأراضي السورية ومنع تقسيمها، وتشريع قانون انتخاب جديد يضمن عدم ترشح بشار الأسد لولاية جديدة، بحسب القيادي السابق.

بنود اتفاقية “سوتشي” الموقعة في أيلول 2018

1- الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها.

2- سيتخذ الاتحاد الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.

3- إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15- 20 كيلومترًا داخل منطقة خفض التصعيد.

4- إقرار حدود المنطقة المنزوعة السلاح سيتم بعد إجراء مزيد من المشاورات.

5- إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة المنزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول).

6- سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة المنزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر 2018.

7- ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة المنزوعة السلاح.

والعمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية.

8- استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين M4 (حلب- اللاذقية) وM5 (حلب- حماة) بحلول نهاية عام 2018.

9- اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. في هذا الصدد، سيجري تعزيز مهام مركز التنسيق الإيراني- الروسي- التركي المشترك.

10- يؤكد الجانبان مجددًا عزمهما على محاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة