الحمى الرثوية.. تلعق المفاصل وتعض القلب

الحمى الرثوية
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

كثيرًا ما نسمع أن فلانًا من الناس مصاب بـ “الروماتيزم”، ولكن رغم شيوع هذه الكلمة إلا أنها لا تشير إلى مرض معين، وإنما تستخدم للإشارة إلى أي مرض متعلق بآلام المفاصل، مثل التهاب المفاصل الرثواني أو الحمى الرثوية أو غيرها، وهي ما تسمى بالأمراض الرثوية. إلا أن العوام عندما يستخدمون كلمةروماتيزم” فإنهم يقصدون الحمى الرثوية.

ما هي الحمى الرثوية

هي مضاعفات مناعية حادة على شكل مرض التهابي، يحدث بعد الإصابة بالجراثيم المسماة (المكورات العُقْدِيَّةِ A) التي تؤدي إلى التهاب بلعوم أو لوزتين أو حمى قرمزية أو التهاب أذن وسطى.

تؤدي الحمى الرثوية إلى إصابة في أنسجة المفاصل والقلب والجهاز العصبي، ورغم أن الناس تنتبه عادة إلى المشكلة المفصلية إلا أن الإصابة الأخطر هي القلبية، حتى إنه يقال في الأدب الطبي (الحمى الرثوية تلعق المفاصل وتعض القلب).

والحمى الرثوية تحدث خصوصًا بين الأطفال ما بين سن 5-15 عامًا، وهي شائعة في الدول النامية نتيجة إهمال الكثير من حالات التهاب البلعوم، بينما تندر مشاهدتها في الدول الغربية وأمريكا نتيجة استخدام المضادات الحيوية بشكل أكثر كفاءة منه في الدول النامية.

ما أعراض الإصابة بالحمى الرثوية؟

ظهور الحمى الرثوية عادة ما يحدث بعد حوالي 2-4 أسابيع من العدوى بجراثيم المكورات العقدية، وتكون البداية تدريجية، أو فجائية، وتبدأ بآلام غامضة في الأطراف مع فتور والتهاب بلعوم، ثم ترتفع الحرارة بسرعة حتى 40 درجة مئوية.

ويحدث ألم في المفاصل الكبيرة (في معظم الأحيان الكاحلين والركبتين والمرفقين أو المعصمين)، وقد يكون الألم في مفصل واحد ومن ثم ينتقل إلى مفصل آخر، فالإصابة متعددة المفاصل ومتنقلة، وقد يكون هناك احمرار وسخونة وتورم في المفاصل، وقد تظهر عقيدات تحت الجلد صغيرة بحجم حبة الفاصولياء وغير مؤلمة.

كما يشكو المريض من ألم في الصدر، وخفقان، وتعب، وضيق نفس، وتظهر حركات غير إرادية لا يمكن للمريض أن يسيطر عليها خصوصًا في اليدين أو القدمين أو الوجه تسمى (رقص سانت فيتوس أو رقص سيدنهام) تحدث بشكل متأخر بعد مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر من العدوى.

وقد تظهر أيضًا اندفاعات جلدية على الجذع والأطراف بشكل طفح جلدي محمر غير حاك يبدأ على الجذع والذراعين كبقع صافية في الوسط لتشكل حلقات تتصل مع بعضها البعض لتظهر في النهاية على شكل يشبه الثعبان، وهذا الطفح يزداد سوءًا مع الحرارة، وعادة لا يظهر على الوجه ويسمى (الحمامى الهامشية).

كيف يتم التشخيص؟

يتطلب التشخيص معرفة التاريخ المرضي للمصاب، والذي يتضمن وجود أدلة على التهابات بالجراثيم العقدية في فترة سابقة، ولإجراء الفحص الطبي العيني للمفاصل والجلد والقلب والجهاز العصبي المركزي، وتخطيط القلب الكهربائي ECG، وإجراء بعض التحاليل المخبرية الدموية، وفي النهاية يتم التشخيص من خلال استخدام معايير تشخيصية تسمى معايير جونز التي نشرت لأول مرة عام 1944، وتقسم هذه المعايير إلى كبرى وصغرى:

المعايير الكبرى: التهاب المفاصل، التهاب عضلة القلب (يظهر كفشل القلب الاحتقاني مع ضيق في التنفس، أو التهاب غلاف القلب، أو نفخه قلبية جديدة)، عقيدات تحت الجلد، حمامى هامشية، رقص سيدنهام.

المعايير الصغرى: حمى تتراوح بين 38.2 إلى 38.9 درجة مئوية، ألم مفصلي (لا يمكن أن يدرج في حالة وجود التهاب المفاصل المتعدد كعرض رئيسي)، ارتفاع سرعة تثفل الكريات الحمر ESR، ارتفاع البروتين الارتكاسي سي CRP، كثرة الكريات البيض، وجود إحْصار قلبي في تخطيط القلب (لا يمكن أن تدرج إذا كان التهاب القلب موجودًا كعرض رئيسي)، وجود نوبة سابقة من الحمى الرثوية.

ويتم التشخيص عند وجود دليل على حدوث عدوى سابقة بالجراثيم العقدية مثل ارتفاع عيار أَضداد المكورات الحالة العقدية واو ASLO، إضافة لاثنين من المعايير الكبرى، أو معيار واحد كبير مع اثنين من المعايير الصغيرة.

كيف يتم العلاج؟

تهدف المعالجة إلى محاربة العملية الالتهابية في القلب والمفاصل لمنع حدوث المضاعفات، إضافة للقضاء على الإنتان الجرثومي المسبب، فبالنسبة للهدف الأول يتم عن طريق إعطاء الأسبرين بجرعات عالية (100 مغ/كغ/اليوم)، ويمكن إعطاء الإيبوبروفين، وعند وجود إصابة قلبية تعطى الكورتيزونات، أما بالنسبة للهدف الثاني فيتم إعطاء المضادات الحيوية كالبنسلين والإريترومايسين.

كما تعتبر الراحة في السرير أحد أهم مقومات المعالجة، وفي بعض الحالات الشديدة يتم العلاج في المشفى.

ما مضاعفات الإصابة بالحمى الرثوية؟

المشكلة الأساسية هي حدوث إصابة القلب الرثوية التي تعتبر دائمة، والأكثر شيوعًا هي الإصابات التي تحدث في الصمامات (70% التاجي، و40% الأبهري، والصمامات الأخرى بنسب أقل)، والتي تؤدي إلى تضيق الصمام أو قصوره، كذلك قد تلحق أضرارًا بعضلة القلب تؤدي إلى إضعاف عضلة القلب والتسبب بفشل قلبي، أو قد ينجم عنها أيضًا اضطرابات كهربائية القلب وتتسبب بالرجفان الأذيني والإحصار القلبي أوغير ذلك.

ماذا عن الوقاية؟

يمكن منع حدوث الإصابة (الوقاية الأولية)، وتعتبر معالجة التهاب البلعوم الجرثومي أهم خطوة في الوقاية الأولية، ومازال البنسلين هو الدواء الأمثل في هذه الحالات، ويمكن استخدام البنسلين عن طريق الفم، أو الإريثرومايسين عند الذين لديهم حساسية من البنسلين، ولمدة عشرة أيام.

كما يمكن وقف تطور الإصابة القلبية ومنع حدوث أي هجمات جديدة من الحمى الرثوية بعد الإصابة بها (الوقاية الثانوية)، وذلك عن طريق إعطاء البنسلين المديد عضليا مرة كل ثلاثة أسابيع، ويمكن إعطاء السلفاديازين أو الإريثرومايسين فمويًا عند من لديه حساسية للبنسلين، وليس هناك اتفاق بين العلماء على المدة التي ينبغي الاستمرار فيها بإعطاء حقن البنسلين عضليًا، والحقيقة أن ذلك يعتمد أساسًا على ما إذا كانت هناك إصابة قلبية بالحمى الرثوية أم لا، ففي حال وجود إصابة قلبية ينبغي استخدام البنسلين المديد بالعضل حقنة كل ثلاثة أسابيع إلى أن يصل المريض إلى سن 30 أو  35، أما إذا لم تكن هناك إصابة قلبية فينبغي إعطاء البنسلين في العضل كل ثلاثة أسابيع لمدة خمس سنوات بعد هجمة الحمى الرثوية أو حتى سن 18 سنة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة